أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**














المزيد.....

اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 20:49
المحور: قضايا ثقافية
    


في كل عصرٍ تتغيّر ملامح الإنسان، لكن شيئًا واحدًا لا يتغيّر:
ذلك الارتباك العميق الذي يسكنه كلما واجه السؤال الأكبر:
لماذا نحن هنا؟
قد تختلف الأدوات، تتبدّل اللغات، تتسارع الإيقاعات،
لكن السؤال يبقى في مكانه، صامدًا كصخرة في نهرٍ يفيض بالحركة.
في هذا الزمن الذي يتقدّم فيه العلم بسرعة الضوء، ويتقهقر فيه الإنسان بسرعة الخوف، يصبح اللاهوت — لا بمعناه السلطوي، بل بمعناه الوجودي — دعوة للعودة إلى الذات، إلى مساحةٍ أصبحت مهمَلة في زحمة الانشغالات:
مساحة الروح.

أولاً: الإنسان الجديد… والحنين القديم
الإنسان المعاصر لم يعد ذاك الكائن البسيط الذي يطلب طمأنينةً في كلمة، أو عزاءً في ترنيمة.
صار أكثر تعقيدًا، أكثر تشظيًا، أكثر وعيًا بالخسارات الصغيرة التي تتسرّب من أيامه.
ومع ذلك، فهو لا يزال يحمل في داخله ذلك الطفل الذي يسأل بعينين واسعتين:
“من أنا؟
وماذا أفعل وسط هذا الكون الواسع؟”
إن التقدّم التكنولوجي لم يُلغِ السؤال الروحي، بل جعله أكثر إلحاحًا.
حين تتراكم الأشياء حول الإنسان ولا يجد نفسه بينها، يبحث عن معنى يعلو فوق كل الأشياء.
وهنا يتقدّم اللاهوت، لا كمجموعة إجابات جاهزة، بل كفنٍّ لإعادة الاتصال بالنفس، وبالآخر، وبالمطلق.

ثانيًا: زمن تتصدّع فيه اليقينيات وتكبر الأسئلة
لم يعد العالم محكومًا بحدود واضحة.
اختلطت الثقافات، تشابكت الهويّات، صار الجواب مؤقتًا، والسؤال دائمًا.
في هذا الارتباك، يبدو اللاهوت ضرورة: ليس لأنه يقدّم يقينًا، بل لأنه يعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان وما يتجاوز ذاته.
يذكّره أن المعرفة ليست بديلاً عن الحكمة، وأن الحرية تحتاج إلى بوصلة، وأن الضجيج مهما علا لا يستطيع أن يطفئ صوتًا صغيرًا ينادي من الداخل.
لقد أفرط عصرنا في تقديس السرعة حتى صار الإنسان يركض دون أن يعرف وجهته.
وأمعن في الاحتفاء بالإنجاز حتى نسي أن يسأل:
هل هذا ما يريده حقًا؟
هنا يظهر اللاهوت كاستراحة فكرية وروحية، كمساحة يُسمح فيها للإنسان أن يتوقّف، أن يتنفس، أن ينظر في مرآته دون خوف.

ثالثًا: نحو لاهوت يُشبه الإنسان… لا يُخيفه
اللاهوت الذي يصلح لعصرنا ليس ذاك الذي يتحدّث من فوق، بل ذاك الذي يمشي معنا.
لاهوت يعترف بأن الإنسان كائن هشّ، لكنه قادر على النهوض.
لاهوت يؤمن أن السؤال ليس خروجًا عن الإيمان، بل أحد أشكال الإيمان الأكثر صدقًا.
١. لاهوت يُقدّم الله كحضور، لا كفكرة
إن الله في التجربة الروحية ليس مسألة لاهوتية فحسب، بل خبرة تُعاش.
حضورٌ يُشبه الضوء: لا نلمسه، لكننا نرى بفضله.
٢. لاهوت يضع الإنسان في قلب الخطاب
الإنسان ليس تابعًا في قصة الكون، بل أحد أبطالها.
ولهذا يجب أن يبقى محترمًا، مسموعًا، مفهومًا.
٣. لاهوت يعترف بقيمة الاختلاف
في عالمٍ متقاربٍ حدّ الاحتكاك، يصبح الاعتراف بالآخر ضرورة أخلاقية قبل أن يكون لاهوتية.
الاختلاف ليس تهديدًا، بل نافذة على ما لا نعرفه عن أنفسنا.
٤. لاهوت يرى الجمال جزءًا من الحقيقة
فالحقيقة التي لا تتزيّن بشيء من الجمال تبقى ناقصة.
والجمال ليس زخرفًا… إنه طريقة أخرى للبحث عن الله.

رابعًا: أين يقف الإنسان اليوم؟
يقف الإنسان في مفترق طرق:
بين آلة تتقدّم وقلب يخاف أن يتراجع،
بين عالم يريد المزيد، وروح تطلب وقتًا لتلتقط أنفاسها.
إن اللاهوت — حين يتحرّر من قوالبه التقليدية — يصبح حوارًا مع هذا الإنسان:
حوارًا مع وحدته، مع أسئلته، مع قلقه الوجودي، مع جوعه إلى معنى لا تقدر الخوارزميات على صناعته.
فالإنسان لا يحتاج إلى يقين يكمّمه، بل إلى معنى يحرّره.
لا يحتاج إلى سلطة ترشده، بل إلى نور يرافقه.

**خاتمة:
حين يصبح اللاهوت فنًا للعيش**
اللاهوت، في شكله الأرقى، ليس نظريات ولا صراعات عقائدية.
إنه فنٌّ للعيش،
فنٌّ لفهم هشاشتنا دون تهشيمها،
فنٌّ لرؤية العالم كما هو، دون أن نفقد الأمل في ما يمكن أن يكون.
في نهاية المطاف، لا يبحث الإنسان عن إجابات نهائية،
بل عن مساحة تسمح له أن يكون إنسانًا:
أن يشعر، أن يفكّر، أن يخاف، أن يأمل، أن يُخطئ، أن يبدأ من جديد.
وهذا — في جوهره — هو ما يمنحه اللاهوت حين يتحرّر من صخبه،
ويقترب من الإنسان بصوتٍ يشبه الهمس:
“أنت لست وحدك…
وهناك دائمًا معنى،
حتى عندما تعجز الكلمات عن وصفه.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين نافذتين –
- ما معنى أن تكون صحفيًا محايدًا؟
- اعتراف ناقص قصة قصيرة
- يومياتي – الصفحة التي لم أتجرأ على كتابتها من قبل
- 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...
- الأمهات في السماء حاضرات
- ✒️ كيف نواجه أوجاعنا؟ رؤية إنسانية عميقة من زا ...
- ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتي ...
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة
- قراءة نقدية موسّعة لرواية “الخطّ الأخضر” بين السرد والذاكرة… ...
- **استراتيجية القراءة والكتابة
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا
- حين تنحرف السياسة عن الإنسان… وتخسر الدول معناها
- تركتُ كلّ شيءٍ خلفي… واتّبعتُ ضميري وقلبي


المزيد.....




- كصديقين قديمين.. بوتين ومودي يجتمعان في سيارة دفع رباعي مصفح ...
- هل شاركت أمل كلوني في صياغة الدستور المصري؟
- ما هي نصيحة -ملك الرومانسية- شاروخان للمتزوجين حديثاً؟
- حزب الله يصف تعيين مدني في -الميكانيزم- بـ-السقطة-.. ويحذّر: ...
- ميرتس يتنفس الصعداء.. البرلمان الألماني يقر إصلاح نظام التقا ...
- كولومبيا: الحرب على الكوكا
- القضاء الفرنسي يشرع في محاكمة عراقييْن وسوداني على خلفية غرق ...
- موريتانيا تشدد قبضتها على الهجرة… ترحيلات متزايدة ومعاناة تت ...
- الكونغو الديمقراطية ورواندا توقعان اتفاق سلام في واشنطن
- كيف يبدو واقع الحريات في سوريا في الذكرى الأولى لانتصار الثو ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**