أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رانية مرجية - «مسّني جِنّ»… حين تكتب تفّاحة سابا من لحم المرأة ومن ظلّها ومن ما تبقّى منها وهي تُصلح الكون ولا تُصلح حزنها














المزيد.....

«مسّني جِنّ»… حين تكتب تفّاحة سابا من لحم المرأة ومن ظلّها ومن ما تبقّى منها وهي تُصلح الكون ولا تُصلح حزنها


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 20:27
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هناك نصوص تُقرأ، وهناك نصوص تسكننا، تُفتّش في صدورنا عن تلك الندبة التي خبّأناها منذ أعوام، فتلمسها كما لو كانت تعرف مكانها جيدًا.

وكتاب «مسّني جِنّ» للكاتبة الفلسطينية تفّاحة سابا من هذا النوع الذي لا يكتفي بأن يُقرأ، بل يفرض نفسه كمرآةٍ نرى فيها المرأة التي نعرفها، والمرأة التي كُنّاها، والمرأة التي حاول العالم أن يصمتها بالقوة.



صدر هذا العمل عن دار الحديث للإعلام والطباعة والنشر – عسفيا، تحت رعاية الإعلامي فهيم أبو ركن، في زمنٍ يُحاصَر فيه الأدب الجريء، ويُراقَب فيه صوت المرأة، كان أبو ركن شريكًا فعليًا في انعتاق النص، وداعمًا لكتابة لا تخشى الحقيقة.
لوحة الغلاف للفنان السوري-اللبناني ياسر خطار الذي لم يقدّم للكتاب غلافًا فحسب، بل قدّم له جسر عبورٍ إلى الضوء.

✦ الإهداء… امرأة تنادي على الضوء ولا تخاف من الظلّ



الإهداء في هذا الكتاب ليس كلمة تسبق النص، بل مفتاحه.

تفّاحة سابا تهديه “للمسكوت عنهن”، “للمخنوقات”، “للنساء اللواتي تعلّمن أن يُبقين صوتهنّ منخفضًا كي لا يوقظن غضب أحد”.

إنه إهداء يعلن منذ البداية أن هذا الكتاب ليس عن امرأة واحدة، بل عن شعبٍ من النساء، عن ذاكرةٍ ممتدة لا تموت بالسكوت.

✦ مقدّمة تفكّ القيود عن مفهوم الأدب النسوي



كتب الناقد العراقي د. ماجد الحيدر مقدّمة عميقة للعمل، أعاد فيها الاعتبار إلى الأدب النسوي بوصفه أدبًا يحمل رؤية، لا تنفيسًا، عمقًا لا شكوى، وسؤالًا لا تبريرًا.

يرى الحيدر أن نصوص تفّاحة سابا:



«تخترق بنية الوعي الجمعي وتفجّر المسكوت عنه»


وهذا ما نحتاجه اليوم: كتابة لا تعتذر عن نفسها، ولا تنحني للعادات، ولا تخجل من أن تقول ما ظنّ المجتمع أنّه من الممنوعات الأبدية.

✦ الجسد… ساحة حربٍ وصلاةٍ وخيبة واحدة



الجسد في هذا الكتاب ليس حضورًا فيزيائيًا، بل حالة وجودية كاملة.

هو المكان الذي يُمارَس عليه القهر، وهو المكان ذاته الذي تُصاغ فيه النجاة.



«يمارس على جسدي تشويه روحي… ويستمد من ضعفي جوع رجولته.»


ما أصعب أن يتحوّل الجسد إلى وثيقةٍ على ما فعلته السلطة الأبوية بالنساء.

وما أصدق أن تعترف الكاتبة بأن الروح أيضًا تُغتصب، وأن الألم لا يتوقف عند حدود الجلد.



لكن تفّاحة سابا لا تكتب الألم لتمجّد الوجع، بل لتقول:

أنا هنا… وهذه حكايتي… ولن أدفن وجعي من أجل أن يرتاح العالم.

✦ الطفل… أمومةٌ مسروقة وذاكرة لم يُسمح لها أن تنضج



واحدة من أعمق الاستعارات في الكتاب هي حلم الطفل الذي لا يأتي، أو يأتي منقوصًا، أو يولد ميتًا في الوعي قبل أن يولد في الجسد.



«هل تستطيع أن تشعر بخيبة امرأة تلد حلمًا لا يكبر؟»


هنا تتقاطع الأمومة بالحرمان، والرغبة بالخذلان.

ليس الطفل طفلًا، بل أملٌ ذُبح من الوريد إلى الوريد على مذبح مجتمع يقرّر وحده لمن يمنح الأمومة ولمن يمنعها.

✦ الرجل… كائن هشّ يرتدي قناع القوة الثقيلة



تفّاحة سابا لا تقدّم الرجل وحشًا، بل تقدّمه كما أعرفه أنا أيضًا:

متعبًا، خائفًا، محكومًا بتوقعاتٍ لا يستطيع حملها.



«رجل لا يستطيع أن يبكي… رجل لا حيلة له.»


ما أجمل هذا الاعتراف.

هو يذكّرنا بأن صراع المرأة والرجل ليس حربًا بين جنسين، بل حربًا بين الإنسان وما فُرض عليه من أدوار.

✦ اللغة… شعرٌ يتنفّس، وجرحٌ يتكلّم



لغة تفّاحة سابا ليست لغة حكاية فقط، بل لغة احتراق.

جُمل قصيرة تكاد تُسمع نبضاتها، وصور حارّة لا تُنسى:

«بعض أعضائي امتدّ إلى آخر الكون…»

«أغفو على صوت المطر لأتذكّر أنّي ما زلت حيّة.»



هذه اللغة تحفر أكثر مما تكتب، تكسر أكثر مما تصف، وتُعيد بناء القارئ كما تُعيد بناء نفسها.

✦ الذروة… الرقص بوصفه نجاة



في نهاية الكتاب، وبعد كل العتمة، تأتي لحظة تشبه إعلان الحياة:



«أرقص… أنصهر مع الطبيعة… أخرج من الحظيرة.»


هذا الرقص ليس رقصًا؛

هو طقس انبعاث، حركة تقول للكون:

لا زلت هنا، ولم أُهزم بعد.

✦ كلمة أخيرة…



«مسّني جِنّ» كتابٌ لا يرثي المرأة، بل ينحاز لها.

لا يفضح الرجل، بل يفضح البنية التي جعلت الرجل والمرأة معًا أشلاء متناثرة من أحلامٍ مؤجّلة.

هو كتابٌ يليق بأن يُدرَّس، وأن يُناقَش، وأن يُقرأ من جديد في كل مرحلة من حياة المرأة والرجل.



وتحية إلى الناشر فهيم أبو ركن الذي قدّم لهذا الكتاب فرصة الوجود، وإلى تفّاحة سابا التي كتبت كما يجب أن تُكتب الحقيقة:

عارية، شجاعة، مُرهِقة، ومُنقِذة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خُنتُ نَفسي
- قصة: “ذاكرة لا تعرف الدفء”
- ميلادٌ يتكوّن من كلمةٍ واحدة… «نعم»
- “سماءٌ تُكمِلُ ما ينقص العالم”
- ديوان “من تراتيل العارفين” للشاعرة والإعلامية رانية مرجية
- ✨ **قراءة نقدية في كتاب سراديب الذاكرة للكاتبة فوزية ...
- بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوج ...
- *حين يتحوّل الكتاب إلى محكمة للوعي: قراءة وجودية-فكرية في كت ...
- اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**
- بين نافذتين –
- ما معنى أن تكون صحفيًا محايدًا؟
- اعتراف ناقص قصة قصيرة
- يومياتي – الصفحة التي لم أتجرأ على كتابتها من قبل
- 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...


المزيد.....




- بعد نشر صور جديدة له بقضية جيفري إبستين.. شاهد رد فعل ترامب ...
- إليكم 23 صورة من ملف إبستين لترامب وبيل كلينتون وبيل غيتس ال ...
- بالصور.. مكان بالقدس يُعتقد أنه شهد مولد السيدة مريم
- روسيا تعلن مقتل شخص وأوكرانيا تحقق -اختراقا- بجبهة خاركيف
- غزة تحت المطر.. خيام لا تقي وشتاء يفضح عجز العالم
- تجدد القتال بين تايلند وكمبوديا رغم إعلان ترامب وقف إطلاق ال ...
- الاتحاد الأوروبي يبقي أصولاً روسية مجمدة إلى أجل غير مسمّى
- هل تكون ليبيا جزءاً من حل أزمة الطاقة الأوروبية؟
- اجتماع مقرر في باريس الأسبوع المقبل لبحث الوضع في لبنان
- صحيفة: قوات أميركية داهمت سفينة في طريقها من الصين لإيران


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رانية مرجية - «مسّني جِنّ»… حين تكتب تفّاحة سابا من لحم المرأة ومن ظلّها ومن ما تبقّى منها وهي تُصلح الكون ولا تُصلح حزنها