رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات
(Rania Marjieh)
الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 16:16
المحور:
الادب والفن
العلّاندا لا تستأذن المشهد.
تدخل بكامل لونها، صفراء إلى حدّ الفضح، واثقة إلى حدّ الاستفزاز. لا تُجامل العين، ولا تُمهل المعنى. تُعلن حضورها دفعةً واحدة، كأن الضوء حقٌّ لا يحتاج تبريرًا، وكأن الجمال لا يُسأل عمّا يفعل بمن يقترب.
هي زهرة لا تُخفي سُمّيتها، لكنها لا تعترف بها أيضًا.
تترك الجمال يتقدّم خطوة، وتؤجّل الأذى إلى ما بعد الإعجاب.
وهكذا، تُشبه حقائق كثيرة صفّقنا لها طويلًا، قبل أن نكتشف أن التصفيق كان جزءًا من الإصابة.
لونها الأصفر ليس لون الطمأنينة.
هو لون الانكشاف القاسي، لون الشمس حين تُصرّ على الظهور في ذروة الظهيرة، بلا رحمة للظلّ ولا اعتبار للتعب. لون الأشياء التي لا تعرف التخفيف، ولا تعتذر عن حدّتها، ولا تُصغي حين يُطلب منها أن تُنقِص نفسها قليلًا كي تُحتَمَل.
العلّاندا لا تعيش في الظل.
الظلّ مساحة تفكير، ومكان مراجعة، ونقطة توازن.
أما هي، فتحتاج ضوءًا دائمًا، حرارةً متواصلة، وانتباهًا لا ينقطع. كأنها خُلقت لتقول إن بعض الكائنات—وبعض الأفكار—لا تزدهر إلا حين تُعفى من المساءلة، وحين يُترك لها المشهد كاملًا بلا أسئلة.
هي ليست شريرة،
لكنها ليست بريئة.
هي صادقة حدّ القسوة.
تُجسّد ذلك التناقض الذي نفضّل تجاهله:
أن يكون الشيء جميلًا إلى درجة تُغري بالثقة،
وخطرًا إلى درجة تجعل الثقة خطأً أخلاقيًا.
في الكتابة، تتحوّل العلّاندا إلى مرآة.
مرآة للأنظمة التي تتكلّم كثيرًا عن الإنسان ولا تحتمل حضوره الحقيقي،
للمؤسسات التي ترفع لافتات الأمان وتُهمل من يقفون تحتها،
وللخطابات التي تُزهر لغةً وتُسمِّم واقعًا.
هي زهرة الفرح المفروض،
والنور الذي لا يترك للعين حقّ الإغماض،
والجمال الذي لا يسأل إن كان الآخر قادرًا على الاحتمال.
وحين تنتهي من النظر إليها،
لا تتركك العلّاندا مع إعجابٍ صافٍ،
بل مع شكٍّ ضروري.
ذلك الشكّ الذي يُنقذ الإنسان من الافتتان،
ويُعيد للجمال شرطه الأخلاقي:
أن لا يكون مؤذيًا فقط لأنه جميل.
بعض الأشياء لا ينبغي لمسها،
لا لأنها قبيحة،
بل لأنها—بكل هذا الضوء—
لا تعرف كيف تكون رحيمة
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
Rania_Marjieh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟