رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات
(Rania Marjieh)
الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 16:08
المحور:
المجتمع المدني
للراهبات مكانةٌ تتجاوز اللغة، لأن اللغة نفسها تقف بخشوع أمام ما يمثلنه. إنّهن لسن حضورًا عابرًا في تاريخ الإيمان، بل ضميرٌ حيّ في ذاكرة الإنسانية، ودليلٌ صامت على أن الروح قادرة أن تنتصر على صخب العالم دون أن تجرحه.
الراهبات اخترن الفقد طريقًا، لا لأنهن عاجزات عن الامتلاك، بل لأن الامتلاك عجزٌ حين لا يُهذّب. تخلّين عن الأسماء اللامعة، عن المرايا، عن الضجيج الذي يربك المعنى، واخترن أن يصبحن خفيات… لأن الله يعمل غالبًا في الخفاء. في انسحابهن الظاهري، أقمن في عمق الحياة، حيث لا يصل المتفرجون، وحيث الألم لا يُجمَّل.
هنّ نساء تعلّمن كيف يحملن العالم دون أن يتصدّعن، وكيف يصلّين لا طلبًا للمعجزات، بل استعدادًا لاحتمال الصليب. في صلواتهن متّسعٌ للذين لا يعرفون كيف يصلّون، وفي صمتهن عدالةٌ أصدق من الخطب. يعرفن أسماء الوجع واحدًا واحدًا، ويمنحنه كرامة أن يُحتَضَن لا أن يُستَغل.
الراهبة ليست امرأة انسحبت من الحب، بل امرأة ذهبت به إلى مداه الأخير. حبّ بلا امتلاك، بلا شروط، بلا خوف من الخذلان. حبّ يشبه الله حين يُحب: ثابتًا، صبورًا، وغير قابل للمساومة. لهذا تبدو وجوههن هادئة؛ لأن من سلّم قلبه للمعنى لا تعصف به التفاصيل.
في حضورهن يتعلّم الإنسان أن القداسة ليست رفعةً أخلاقية، بل انكسارًا شجاعًا أمام الحقيقة. وأن الطهارة ليست براءةً ساذجة، بل وعيًا عميقًا يختار النور كل مرة، رغم معرفة الظل. الراهبات لا يغيّرن العالم بالثورة، بل بالثبات. لا بالصوت العالي، بل بالاستمرار.
وإن سألتَ عن أثرهن، فلن تجده في كتب التاريخ، بل في بشرٍ صاروا أكثر إنسانية لأن راهبةً ما آمنت بهم حين لم يؤمن أحد. ستجده في قلبٍ نجا، وفي روحٍ لم تسقط، وفي أملٍ رفض أن يموت.
حين يصير الصمت خلاصًا، نعرف أن هناك نساءً وقفن بين الأرض والسماء،
لم يطلبن شيئًا…
لكنهن أعطين كل شيء.
11-12-2025 كنيسة القديسين نيقودميوس ويوسف الرامي الرملة
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
Rania_Marjieh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟