أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - عامٌ ينكسر… وآخر يُختبر: تأملات في وعي الشرق الأوسط














المزيد.....

عامٌ ينكسر… وآخر يُختبر: تأملات في وعي الشرق الأوسط


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 12:09
المحور: المجتمع المدني
    


في الأيام الأخيرة من هذا العام، لا نغلق رزنامةً بقدر ما نواجه مرآةً ثقيلة. عامٌ لم يكن عابرًا في قسوته، ولا بريئًا في تناقضاته؛ عامٌ أجبرنا على النظر طويلًا في هشاشتنا، وفي زيف كثير من المسلّمات التي اعتدنا الاحتماء بها. نودّعه لا بحنينٍ رومانسي، بل بمحاسبةٍ صامتة، لأن ما جرى لم يكن تفصيلًا، بل علامة فارقة في الوعي.

في الشرق الأوسط، لا يمرّ الزمن كحدثٍ محايد، بل كقوة ضغطٍ مستمرة. السياسة هنا لم تعد شأنًا عامًا يُناقَش من مسافة، بل قدرًا شخصيًا يتسلّل إلى تفاصيل الحياة اليومية، ويعيد تشكيل الإنسان من الداخل. تحوّلت من إدارةٍ للاختلاف إلى إدارةٍ للخوف، ومن مشروعٍ للمستقبل إلى آلية ضبطٍ للحاضر. لم يعد المواطن متلقيًا للقرار فحسب، بل حقل اختبارٍ دائم لنتائجه.

هذا العام، انزلقت المفاهيم الكبرى من معناها الأخلاقي. السلام قُدِّم بوصفه غيابًا مؤقتًا للصراع لا تحقيقًا للعدالة، والاستقرار تحوّل إلى اسمٍ آخر للجمود، والسيادة أُفرغت من بعدها الإنساني لتصبح أداة تفاوض. لم يكن الصراع على الأرض وحدها، بل على الرواية، على الذاكرة، وعلى حق الإنسان في تسمية الأشياء بأسمائها. حتى اللغة لم تسلم؛ جرى ترويضها لتبرير الواقع بدل مساءلته، ولتخفيف قسوته بدل فضحها.

اجتماعيًا، كان الانكشاف أعمق. تآكلت الطبقة الوسطى بصمت، واتّسعت الهوة بين من يملكون فائض القرار ومن يعيشون على هامشه. الفقر لم يعد حالة طارئة، بل نمط حياة مُقنّع بخطاب الصبر والتكيّف. العائلة، التي شكّلت تاريخيًا خط الدفاع الأخير، بدأت تتصدّع تحت ضغطٍ اقتصادي ونفسي متراكم. أما الشباب، فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة زمنٍ يطالبهم بالمرونة بينما يسلبهم الخيارات، ويدعوهم إلى الأمل دون أن يمنحهم أسبابه. كبروا مبكرًا، وتعلّموا أن الأحلام في هذه الجغرافيا تحتاج إلى أكثر من الإيمان.

ومع ذلك، لم يكن العام خرابًا خالصًا. في عمق الإنهاك، تشكّل وعيٌ أقل سذاجة، وأكثر حذرًا من الشعارات. تراجع الإيمان بالأجوبة الجاهزة، وتقدّم السؤال بوصفه فعل مقاومة. رأينا أفرادًا—لا جماعات—يصرّون على المعنى في زمن التواطؤ: صحفي يرفض التزييف، مثقف يعيد النظر في يقينياته، إنسان عادي يتمسّك بإنسانيته وسط خطاب الإقصاء. بدت هذه الأفعال صغيرة في ظاهرها، لكنها كانت كافية لتذكيرنا بأن المجتمعات لا تُهزم دفعة واحدة.

نستقبل عامًا جديدًا ونحن نعلم أنه لن يكون صفحة بيضاء. فالتاريخ في هذه المنطقة لا يُغلق بسهولة، وما لم يُواجَه يعود بأشكالٍ أكثر تعقيدًا. عام المفاجآت لا يعني بالضرورة عام المعجزات؛ قد يكون عامًا لانكشافات قاسية، أو لصمتٍ ثقيل يسبق تحوّلًا بطيئًا. القيمة الحقيقية لأي بداية لا تكمن فيما تحمله لنا، بل فيما نحمله نحن إليها: وعيٌ أقل انبهارًا، وشجاعة فكرية أكبر، واستعداد للاعتراف قبل الإدانة.

الشرق الأوسط لا يحتاج إلى نبوءات خلاص، بل إلى مصالحة جذرية مع الحقيقة، مهما كانت موجعة. يحتاج إلى سياسة ترى الإنسان غاية لا أداة، وإلى ثقافة تُعيد الاعتبار للسؤال لا بوصفه ضعفًا، بل كأعلى أشكال القوة. فالأمم لا تنهض حين تتفق على الأجوبة، بل حين تمتلك الجرأة على الاختلاف بوعي ومسؤولية.

نودّع عامًا انكسر فيه الكثير، ونخطو نحو آخر لا نعرف ملامحه، لكننا نعرف أن الكتابة عنه—بصدق، وبعمق، وبانحيازٍ للإنسان—هي فعل مقاومة في زمنٍ يتآكل فيه المعنى. وفي منطقةٍ اعتادت أن تُختزل في صراعاتها، تبقى الكلمة الحرة محاولة أخيرة لحفظ الذاكرة، وصون الوعي، وفتح نافذة—ولو ضيقة—نحو مستقبلٍ أقل قسوة مما نخشاه.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد بكري… حين يغادر الضمير جسدًا ويبقى شاهدًا
- عقدٌ من النور… حين يصبح التكريم سيرة وطنٍ تربويٍّ وإنسانيّ
- العلّاندا… حين يتقن الضوء فنّ الإيذاء
- في عيد الميلاد… ميتافيزيقا الشمعة والغياب
- «حين يصير الصمت خلاصًا: الراهبات كضميرٍ حيّ للإنسانية»
- ما بعد التحجّر
- رقصة الأرواح
- رقصة الأرواح نص شعري
- قراءة في معنى العدالة الإلهية وسط عالم مرتبك «لأن عيني الرب ...
- يوم اللغة العربية… من مسيرة المربّي ميخائيل فانوس
- ما يبقى بعد الصوت نصّ تأملي عن الانتقال من ردّ الفعل إلى الم ...
- خارج النص
- في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربي ...
- **الرواية عند فلسطينيّي الداخل (عرب ال48): حين تصبح القلّة م ...
- «ومضات الروح»… حين تُصبح المحكية معرفةً لا لهجة
- قراءة أدبية تحليلية معمقة لقصيدة -حاملة الصوت- للشاعرة رانية ...
- جسدُ الطوائف
- حاملة الصوت قصيدة
- حين تُصاب الرعاية: بيان إنساني
- ⭐ سرّ ليلة الميلاد ⭐قصة للاطفال


المزيد.....




- مكتب إعلام الأسرى: شهادات جديدة لأسرى جرحى من غزة تكشف عن أو ...
- مكتب إعلام الأسرى: معاناة أسرى غزة وخاصة الجرحى منهم في سجن ...
- عودة اللاجئين السوريين.. انتعاش اقتصادي أم أزمة سكن؟
- تأخر الإعمار يمنع آلاف النازحين من العودة إلى منازلهم جنوب ل ...
- اعتقال رجل في أستراليا بزعم تأييده حادث إطلاق النار على شاطئ ...
- هيئة الأسرى ونادي الأسير: آلاف المعتقلين الإعدام البطيء والت ...
- هيئة شئون الأسرى ونادي الأسير: عمليات تدمير ممنهجة بحق الأسر ...
- غضب فلسطيني بسبب تعديل نظام رواتب الأسرى والقتلى.. وعباس: لا ...
- عائلات الشهداء والأسرى بالضفة الغربية تواجه مصيرا مجهولا بعد ...
- عائلات فلسطينية تواجه تحديات يومية عقب قطع مخصصات الأسرى وال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - عامٌ ينكسر… وآخر يُختبر: تأملات في وعي الشرق الأوسط