أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - اعتياد الموت: حين يفقد الوجدان حقّه في الارتجاف














المزيد.....

اعتياد الموت: حين يفقد الوجدان حقّه في الارتجاف


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 23:36
المحور: الادب والفن
    


ليس الموت ما يدمّر الإنسان،
بل تَحوّله من حدثٍ وجوديّ إلى أمرٍ مألوف.
فالصدمة لا تُفقدنا توازننا فقط،
بل تُعيد ترتيب وعينا على نحوٍ لا رجعة فيه.
وحين يتكرر الفقد،
لا تتضاعف الصدمة،
بل تتآكل.

في التجربة الأولى،
لا يُدرَك الموت بوصفه نهاية،
بل بوصفه انقطاعًا في المعنى.
خصوصًا حين تموت الأم.
فغيابها لا يُحدث حزنًا فحسب،
بل يُسقِط البنية التي كان العالم يستند إليها.
بعدها، لا يعود الإنسان كما كان،
ولا يعود الحزن تجربة عابرة،
بل معرفة دائمة بهشاشة كل ما يُسمّى حياة.

غير أن الوعي،
كي لا ينهار،
يتعلّم التكيّف.
والتكيّف هنا لا يعني النسيان،
بل التخفّف من شدّة الإحساس.
فالعقل، حين يُستنزف،
لا يثور،
بل يُخدِّر.
وهكذا يتحوّل الموت من صدمة
إلى خبر،
ومن فاجعة
إلى رقم،
ومن حضور ثقيل
إلى غيابٍ بلا صوت.

لسنا أقل حساسية،
بل أكثر تعبًا.
في زمن الفقد المتسارع،
لا يعود الحزن فعلًا فرديًا،
بل عبئًا أخلاقيًا لا يُحتمل.
يُطلب من الإنسان أن يستمر،
أن يعمل،
أن يتجاوز،
كأن الفقد خلل زمني
لا تجربة وجودية.
وحين تُفرض الاستمرارية،
يصبح التبلّد ضرورة لا خيارًا.

لكن هذا التبلّد ليس فراغًا.
إنه امتلاء غير معترف به.
حزن مؤجَّل لا مُلغى.
ولهذا،
أمام فقدٍ لا يمكن تصنيفه أو تعميمه،
ينهار هذا الاتزان القسري،
وتعود الرجفة الأولى،
كاشفة أن ما ظننّاه شفاءً
لم يكن سوى تعليق مؤقت للألم.

الخطر لا يكمن في أن لا نحزن،
بل في أن نتوقف عن مساءلة هذا اللاحزن.
حين يتحوّل الاعتياد إلى منطق،
ويغدو الصمت فضيلة،
يتآكل الوجدان دون ضجيج.
فاللامبالاة ليست غياب الشعور،
بل نهايته الأخلاقية.

ومع ذلك،
ما دام السؤال حاضرًا:
لماذا لم أشعر كما ينبغي؟
فإن الإنسان لم يُستنفد بعد.
هذا السؤال هو آخر أشكال المقاومة،
آخر دليل على أن الوعي،
رغم كل محاولات التكيّف،
لم يستسلم بالكامل لفكرة الخراب.

ربما لم نعد نرتجف أمام الموت،
لأن الرجفة انسحبت إلى الداخل،
إلى منطقة لا تُترجم ولا تُقال.
وربما يكون إدراكنا لهذا الانسحاب
هو آخر ما تبقّى لنا من إنسانيتنا.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تضرب الإعاقة… وتُديننا جميعًا
- وداعًا عزيزنا عصام مخول
- عامٌ ينكسر… وآخر يُختبر: تأملات في وعي الشرق الأوسط
- محمد بكري… حين يغادر الضمير جسدًا ويبقى شاهدًا
- عقدٌ من النور… حين يصبح التكريم سيرة وطنٍ تربويٍّ وإنسانيّ
- العلّاندا… حين يتقن الضوء فنّ الإيذاء
- في عيد الميلاد… ميتافيزيقا الشمعة والغياب
- «حين يصير الصمت خلاصًا: الراهبات كضميرٍ حيّ للإنسانية»
- ما بعد التحجّر
- رقصة الأرواح
- رقصة الأرواح نص شعري
- قراءة في معنى العدالة الإلهية وسط عالم مرتبك «لأن عيني الرب ...
- يوم اللغة العربية… من مسيرة المربّي ميخائيل فانوس
- ما يبقى بعد الصوت نصّ تأملي عن الانتقال من ردّ الفعل إلى الم ...
- خارج النص
- في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربي ...
- **الرواية عند فلسطينيّي الداخل (عرب ال48): حين تصبح القلّة م ...
- «ومضات الروح»… حين تُصبح المحكية معرفةً لا لهجة
- قراءة أدبية تحليلية معمقة لقصيدة -حاملة الصوت- للشاعرة رانية ...
- جسدُ الطوائف


المزيد.....




- تضارب الروايات بشأن الضربات الأميركية في نيجيريا
- مصر: وفاة المخرج داوود عبدالسيد.. إليكم أبرز أعماله
- الموت يغيّب -فيلسوف السينما المصرية- مخرج -الكيت كات-
- مصر تودع فيلسوف السينما وأحد أبرز مبدعيها المخرج داود عبد ال ...
- -الكوميديا تهمة تحريض-.. الاحتلال يفرج عن الفنان عامر زاهر ب ...
- قضية صور ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تتدخل وتتخ ...
- إعلان بيع وطن
- أفلام من توقيع مخرجات عربيات في سباق الأوسكار
- «محكمة جنح قصر النيل تنظر دعوى السيناريست عماد النشار ضد رئي ...
- منتدى الدوحة 2025: قادة العالم يحثون على ضرورة ترجمة الحوار ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - اعتياد الموت: حين يفقد الوجدان حقّه في الارتجاف