أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - محمد بكري… حين يغادر الضمير جسدًا ويبقى شاهدًا














المزيد.....

محمد بكري… حين يغادر الضمير جسدًا ويبقى شاهدًا


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 11:43
المحور: قضايا ثقافية
    


هناك أشخاص لا يرحلون كما يرحل الآخرون. لا يعبرون الغياب مرورًا عاديًا، ولا يكتفون بترك فراغ. محمد بكري، حين غاب، أحدث شرخًا في المعنى نفسه. كأن اللغة فقدت نبرة كانت تعرف كيف تقول الحقيقة دون تلطيف، وكأن الضمير الجمعي فقد شاهدًا كان يقف في الصف الأول، عاريًا من الخوف، ومثقلاً بالصدق.



لم يكن محمد بكري فنانًا بالمعنى المهني فقط، بل بالمعنى الوجودي العميق. كان الفن عنده موقفًا أخلاقيًا قبل أن يكون أداءً، وكان المسرح محكمة ضمير لا مكان فيها للتزييف. لم يدخل يومًا دورًا ليؤديه، بل ليحاسب نفسه والآخرين معه. كان يعرف أن الامتحان الحقيقي لا يبدأ تحت الضوء، بل بعد انطفائه، في الحياة، حيث لا تصفيق ولا ستارة ولا أعذار.



كان صدقه مؤلمًا لأنه غير قابل للترويض. لم يعرف كيف يخفف الحقيقة لتصبح سهلة الهضم، ولم يحاول يومًا أن يجعل موقفه مقبولًا على حساب جوهره. قال الأشياء كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون. لذلك كان حضوره مربكًا، لأن الصدق الكامل لا يترك أحدًا في منطقة الراحة، بل يضع الجميع أمام مرآة لا ترحم.



محمد بكري كان أخًا كبيرًا لا يمنح الطمأنينة الزائفة، بل يضع يده على الجرح كي لا يُنسى. كان يؤمن أن المواساة السهلة نوع من الخيانة، وأن القسوة الصادقة أحيانًا أعمق أشكال المحبة. أحب الناس دون أن يجاملهم، وانحاز للمظلوم دون أن يحسب الثمن، ودفع ثمن ذلك عزلة قاسية، وتشويهًا متعمّدًا، ومحاكمات لم تكن قانونية بقدر ما كانت محاولات لكسر الموقف وإخضاع الضمير.



لم يسعَ إلى بطولة، وكان يدرك أن من يسير في طريق الضمير لا يُكافأ. ومع ذلك، لم ينكسر. أو ربما انكسر كثيرًا، لكنه لم يسمح للانكسار أن يتحول إلى خضوع. ظل واقفًا لأن الوقوف، بالنسبة له، لم يكن خيارًا بل ضرورة وجودية. كان يفضّل الخسارة الخارجية على أن يخسر نفسه.



في صوته كان تاريخ طويل من التعب النبيل، وفي عينيه أسئلة لا تهدأ. لم يكن متفائلًا ساذجًا ولا يائسًا مهزومًا، بل إنسانًا يعرف أن الحقيقة بطيئة، وأن العدالة متعثرة، ومع ذلك تستحق أن نُدافع عنها حتى النهاية. كان يؤمن أن الصمت ليس حيادًا، وأن الفن إن لم يكن منحازًا للإنسان، يتحول إلى زينة بلا روح.



رحيله موجع لأننا لا نفقد شخصًا فقط، بل نفقد مرآة أخلاقية. نفقد من كان يذكّرنا، بمجرد وجوده، أن القيم ليست شعارات، بل أثمانًا تُدفع. نفقد من كان يضعنا أمام السؤال الأصعب: ماذا نفعل حين تصبح الحقيقة مكلفة؟ هل نختار السلامة أم الكرامة؟



لكن محمد بكري لا يغيب. يتحول إلى معيار، إلى صوت داخلي يوقظنا كلما حاولنا التنازل، إلى حضور خفيّ في كل فنان يرفض أن يكون ديكورًا، وفي كل إنسان يختار الموقف رغم الخوف. من عاش وفيًّا لضميره لا يُختزل في جسد، ولا يُغلق عليه قبر.



سلامٌ لك،

يا من اخترت الطريق الأصعب لأنك عرفت أن الطرق السهلة لا تصنع أثرًا.

سلامٌ لروحٍ أتعبتها الحقيقة،

ولقلبٍ اتّسع للألم دون أن يساوم.



نم هادئًا…

فما تركته خلفك ليس ذكرى،

بل مسؤولية



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدٌ من النور… حين يصبح التكريم سيرة وطنٍ تربويٍّ وإنسانيّ
- العلّاندا… حين يتقن الضوء فنّ الإيذاء
- في عيد الميلاد… ميتافيزيقا الشمعة والغياب
- «حين يصير الصمت خلاصًا: الراهبات كضميرٍ حيّ للإنسانية»
- ما بعد التحجّر
- رقصة الأرواح
- رقصة الأرواح نص شعري
- قراءة في معنى العدالة الإلهية وسط عالم مرتبك «لأن عيني الرب ...
- يوم اللغة العربية… من مسيرة المربّي ميخائيل فانوس
- ما يبقى بعد الصوت نصّ تأملي عن الانتقال من ردّ الفعل إلى الم ...
- خارج النص
- في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربي ...
- **الرواية عند فلسطينيّي الداخل (عرب ال48): حين تصبح القلّة م ...
- «ومضات الروح»… حين تُصبح المحكية معرفةً لا لهجة
- قراءة أدبية تحليلية معمقة لقصيدة -حاملة الصوت- للشاعرة رانية ...
- جسدُ الطوائف
- حاملة الصوت قصيدة
- حين تُصاب الرعاية: بيان إنساني
- ⭐ سرّ ليلة الميلاد ⭐قصة للاطفال
- «مسّني جِنّ»… حين تكتب تفّاحة سابا من لحم المرأة ومن ظلّها و ...


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يدّعي استهداف قيادي بالحرس الثوري في لبنان ...
- هل يشكل نشر تركيا للرادارات في سوريا تهديداً وجودياً للتفوق ...
- -الكرة في ملعب فرنسا-.. الكرملين يُعلن تقديم -اقتراح- لباري ...
- لبنان: ثلاثة قتلى في غارتين إسرائيليتين بجنوب وشمال شرق البل ...
- بعد -بريكنغ باد-.. فينس غيليغان يعود في -بلوريبوس- بسؤال أكث ...
- طفل فلسطيني يروي تفاصيل مواجهته مع مستوطن بالخليل
- كيف نحمي الكلى؟
- إسرائيل تحذر من التهديد الصاروخي الإيراني وتبحث خيار المواجه ...
- أوكرانيا تقصف منشآت روسية وتحركات مكثفة بشأن خطة السلام الأم ...
- غارديان: هكذا يواجه متطوعون سودانيون الموت لإطعام الملايين


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - محمد بكري… حين يغادر الضمير جسدًا ويبقى شاهدًا