أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - في ذكرى عيد ميلاده - ستالين بين ذروة القوة وثمنها الفادح














المزيد.....

في ذكرى عيد ميلاده - ستالين بين ذروة القوة وثمنها الفادح


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 16:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

23 ديسمبر 2025


في 18 من كانون الأول/ديسمبر، وهو يوم ميلاد جوزيف ستالين، نُشر مقال لافت للباحث الروسي سيرغي ليبيديف، الباحث في معهد الإقتصاد العسكري العالمي والإستراتيجيا بالمدرسة العليا للاقتصاد، تحت عنوان: «ستالين قاد روسيا إلى ذروة قوتها، بثمنٍ هائل».
لا يقدّم المقال مديحًا ساذجًا ولا إدانة أخلاقية تبسيطية، بل يحاول الإمساك بتناقضٍ جوهري في التجربة الستالينية: كيف يمكن لنظام أن يحقق أعلى درجات القوة الجيوسياسية، وفي الوقت نفسه يفرض على مجتمعه كلفة إنسانية هائلة؟


الجغرافيا السياسية كقدر تاريخي

ينطلق ليبيديف من فرضية مركزية: أن الدولة الروسية تاريخيًا صيغت بوصفها دولة تواجه تهديدًا دائمًا من الخارج. لذلك، فإن التفكير الجيوسياسي ليس ترفًا نخبويًا، بل جزء من الوعي الجمعي الروسي. «الروس يدركون جيدًا أن السياسة العالمية إعتادت أن تطرق أبوابهم في هيئة فرسان مغول، أو جيوش نابليون، أو دبابات الفيرماخت».
بهذا المعنى، تصبح المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية — القائمة على القوة والردع والمصلحة — أقرب إلى “الفطرة السياسية” الروسية، في مقابل مفاهيم مثل القوة الناعمة أو المجتمع الديمقراطي العالمي، التي يراها الكاتب غير قابلة للتطبيق في بيئة تهديد وجودي مستمر.

ستالين: تجسيد الواقعية السياسية

في هذا السياق، يقدّم ليبيديف ستالين بوصفه التجسيد الأكثر نقاءً للواقعية السياسية في القرن العشرين. ويستحضر شهادة هنري كيسنجر، الذي كتب في كتابه الدبلوماسية: «في إدارة السياسة الخارجية، كان ستالين واقعيًا إلى أقصى حد: صبورًا، نافذ البصيرة، لا يلين — ريشليو عصره».
هذا التوصيف لا يُقصد به الإشادة الأخلاقية، بل التأكيد على نمط تفكير إستراتيجي يرى العالم كساحة صراع قوى، لا كساحة قيم.

الماركسية كإطار حتمي… والبراغماتية كأداة

من أكثر الأفكار إثارة في المقال تأكيده أن الإيمان العميق بحتمية التاريخ الماركسي لم يقُد ستالين إلى الجمود الأيديولوجي، بل إلى مرونة تكتيكية قصوى.
«من يؤمن بأن أهدافه الإستراتيجية ستتحقق بحكم قوانين التاريخ، يصبح أكثر تحررًا في إختياراته المرحلية».
بهذا المنطق، لم يكن التحالف مع قوى معادية أيديولوجيًا تناقضًا، بل خطوة عقلانية مؤقتة. ويعضد ليبيديف هذا الطرح بإستحضار رأي المنظّر الواقعي الشهير البروفيسور جون ميرشايمر في كتابه مأساة سياسات القوى العظمى: «عندما كانت تتعارض الأيديولوجيا مع متطلبات السلطة، كان ستالين يختار دائمًا الأخيرة».

الأمن أولًا: من فنلندا إلى لينينغراد

يطبّق الكاتب هذا الإطار التحليلي على وقائع تاريخية مثيرة للجدل، أبرزها الحرب السوفياتية-الفنلندية. فبرغم الخلاف حول مبرراتها على نطاق واسع، يراها ليبيديف مثالًا على التفكير الأمني البحت: «إزاحة الحدود مسافة 150 كيلومترًا لعبت لاحقًا دورًا حاسمًا في الدفاع عن لينينغراد».
هنا لا ينفي الكاتب الكلفة، لكنه يرفض الحكم بأثر رجعي بمعايير أخلاقية مجردة، منفصلة عن سياق التهديد الوجودي.

«إراقة الدماء» والحروب بالوكالة

يتناول المقال ما يسميه إستراتيجية “إراقة الدماء” (bloodletting)، أي دعم طرف في صراع لإضعاف طرف آخر، وهي ما يُعرف اليوم بـ "الحروب بالوكالة".
ويقدّم الحرب الكورية مثالًا دالًا: «مشاركة الإتحاد السوفياتي سمحت بتوجيه ضربة مؤلمة للجيش والمجتمع الأمريكي، بكلفة مباشرة محدودة على موسكو».
الغاية لم تكن القتل بحد ذاته، بل إعادة تشكيل ميزان القوى الدولي، وتدريب حلفاء (كوريا الشمالية والصين) على خوض حروب كبرى.

التحالفات: ضرورة ثانوية لا بديل عن القوة الذاتية

يرفض ليبيديف تصوير ستالين كعدو مطلق للتحالفات، لكنه يؤكد أنه كان يرى فيها أدوات ثانوية. فالأمن الحقيقي، في نظره، ينبع من القدرة الذاتية.
ويستشهد بإتفاقية 1935 مع تشيكوسلوفاكيا، التي ربط فيها ستالين التدخل السوفياتي بتدخل فرنسي مسبق، تفاديًا لتحمّل إلتزامات أحادية.

«فرط الواقعية» وحدود العقلانية

في واحدة من أهم فقرات المقال، يناقش ليبيديف أطروحة حديثة تصف ستالين بأنه «نموذج فرط-واقعي» — كأنه آلة حسابية للحفاظ على السلطة.
لكن هذا النمط من التفكير قاد، بمفارقة لافتة ، إلى أخطاء جسيمة: «ستالين إفترض دائمًا أن خصومه عقلانيون مثله، ففسّر الجنون الأيديولوجي على أنه خدعة».
والدرس المستخلص قاتم وبليغ: «أحيانًا، المجنون في قمة الهرم ليس لاعب شطرنج… بل مجنون فعلًا، لكن بموارد هائلة».

القوة… ثم القوة… ثم كل شيء آخر

ينقل الكاتب مقولة منسوبة لستالين يصعب التحقق منها: «كل نظام يتمدد بالقدر الذي تتقدم به جيوشه».
سواء صحت حرفيًا أم لا، يرى ليبيديف أنها تلخيص مكثّف للفلسفة الستالينية، بل ولتجربة الحكم الروسية عبر القرون:
الدبلوماسية مهمة، والتحالفات مفيدة، و«القوة الناعمة» جميلة…
لكن لا شيء يعوّض جيشًا مدرّبًا، مسلحًا، ومؤمنًا بمهمته.

خاتمة: المجد والخوف في آنٍ واحد

ينتهي المقال إلى خلاصة مزدوجة، بلا تهرّب ولا تبرير: «الإنجاز الجيوسياسي الهائل يقف جنبًا إلى جنب مع الثمن الإنساني الكبير».
هكذا يقف ستالين في الذاكرة التاريخية عند تخومٍ ملتبسة: مجدٌ يصعب إنكاره، ورهبة يستحيل تجنبها. التاريخ زاخر بالطغاة الذين حكموا بالخوف، لكن — وفق إشارة ليبيديف — نادرون هم أولئك الذين تزامن حكمهم مع بلوغ دولتهم ذروة القوة والنفوذ.
وهنا، بالضبط، يكمن جوهر الإشكالية الستالينية التي لا تزال تشطر الذاكرة الروسية — والعالمية — حتى اليوم.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 808 - إسرائيل على حافة الهاوية - قراءة في أطروح ...
- طوفان الأقصى 807 - الإمارات في مواجهة السعودية: تفكك معسكر “ ...
- طوفان الأقصى 806 - كيف وضعت إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهم ...
- ألكسندر دوغين - يجب تدمير الإتحاد الأوروبي (برنامج إيسكالاتس ...
- طوفان الأقصى 805 - المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا ...
- طوفان الأقصى 804 - إيران بين تلقي الضربة والرد - كيف أعادت ط ...
- ألكسندر دوغين - الاتحاد الأوروبي إلى مزبلة التاريخ: كيف سيقس ...
- طوفان الأقصى 803 - نهاية «الإستثناء الإسرائيلي»: حين تتحوّل ...
- جيفري ساكس - عداء روسيا: كارثة لأوروبا
- طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم ...
- ألكسندر دوغين - ترامب يدهش العالم مجددًا
- الأقصى 801 - إستغلال هجوم أستراليا: بين الإدانة الأخلاقية وت ...
- ألكسندر دوغين - ضباب كثيف يلف الدبلوماسية - برنامج إيسكالاتس ...
- طوفان الأقصى 800 - يائير لابيد: إسرائيل عند مفترق تاريخي
- حرب أوكرانيا - وجهة نظر تاريخية سياسية دينية
- طوفان الأقصى 799 - مراجعة كتاب - بيتر بينارت: -أن تكون يهودي ...
- ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب
- طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية
- الولايات المتحدة تعيد صياغة نفسها: قراءة في «إستراتيجية الأم ...
- طوفان الأقصى 797 - عقيدة ترامب الجديدة - الخليج أولاً… وتركي ...


المزيد.....




- نهاية عصر بطاقة المترو الصفراء -الأيقونية-.. نيويورك تغيِّر ...
- ليبيا في ذكرى استقلالها الـ74: واقع مثقل بالجراح وفاجعة جوية ...
- عيد الميلاد في لبنان.. كيف تحوّلت مناسبة احتفالية إلى مرآة ل ...
- -إسرائيل وطننا الثاني-.. محام مغربي: إذا تظاهر بضعة آلاف ضده ...
- كيف صمدت ملاعب المغرب أمام غزارة الأمطار؟ وما قصة التقنية ال ...
- فرنسا والجزائر.. علاقة يحكمها التوتر والأزمات المتلاحقة
- -ريد كاربت-.. جدل في مصر حول ملاحقة المصورين جنازات المشاهير ...
- البرلمان الجزائري يقر قانونا -يجرّم- الاستعمار الفرنسي ويطال ...
- زيلينسكي يكشف بنود أحدث خطة تم الاتفاق عليها مع واشنطن لإنها ...
- دمشق القديمة تحيي عيد الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - في ذكرى عيد ميلاده - ستالين بين ذروة القوة وثمنها الفادح