أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 805 - المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا التعايش















المزيد.....

طوفان الأقصى 805 - المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا التعايش


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 23:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


20 ديسمبر 2025


مقدمة: حين تتحول الحلول إلى أقفاص لغوية

في النقاش الغربي حول فلسطين، لا تكاد مفردات مثل «التعايش»، «المواطنة المشتركة»، أو «الدولة الواحدة» تغيب عن الخطاب الليبرالي السائد. غير أن هذه المفردات، كما تُستخدم غالبًا، لا تنبع من التجربة الفلسطينية ولا من شروطها المادية، بل من حاجة الغرب إلى حلٍّ «أخلاقي الشكل» يخفف وطأة الجريمة دون المساس ببنيتها.
في هذا السياق، تأتي مقالة الكاتبة والباحثة الفلسطينية ريما نجّار بعنوان:
The Settlers Are Not Leaving: Decolonization, not coexistence، المنشورة في موقع Mondoweiss
بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2025، بوصفها تفكيكًا جذريًا لهذا الخطاب. فمقالها، المعنون «المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا التعايش»، لا يكتفي بنقد أوهام «الدولة الواحدة الليبرالية»، بل يذهب أبعد: إلى مساءلة معنى التحرّر نفسه حين يرفض المجتمع الإستيطاني التخلي عن إمتيازاته وبنيته السيادية.
نجّار تكتب ردًا على مقالة لارا كيلاني «التحرّر ليس إندماجًا»، لكنها تحوّل الرد إلى مداخلة نظرية–سياسية مكتملة، تضع القارئ أمام سؤال بالغ القسوة: كيف يمكن تخيّل التحرّر في ظل بقاء المستوطن، لا كفرد، بل كبنية سيادية مسلّحة؟


أولًا: «الدولة الواحدة» كما يتخيلها الغرب… وكما يفهمها الفلسطيني

تبدأ ريما نجّار من نقطة مفصلية: الفجوة بين ما يتصوره الغرب حين يتحدث عن «دولة واحدة»، وما يقصده الفلسطينيون الذين يستخدمون هذا التعبير.
ففي المخيال الليبرالي الغربي، تعني الدولة الواحدة:
•مواطنة متساوية شكليًا
•مؤسسات مشتركة
•إندماجًا مدنيًا
•«مصالحة تاريخية» تُطوى فيها صفحة العنف
لكن نجّار تذكّر بأن هذا التصور يتجاهل أصل المشكلة: «الدولة الصهيونية ليست دولة ناقصة تحتاج إلى تحسين، بل هي تشكيل إستيطاني يقوم، بنيويًا، على محو الوجود الفلسطيني ماديًا وقانونيًا وتاريخيًا».
وتستعيد الكاتبة، بالإشارة إلى مقالها السابق «لا تسمّوني إسماعيل ولا إسرائيل – سمّوني دولة ديمقراطية واحدة»، أن ما يطالب به الفلسطينيون حين يستخدمون هذا المصطلح ليس الإندماج في دولة قائمة، بل تفكيك الدولة القائمة وإعادة تأسيس المجال السياسي برمّته.
الدولة الواحدة، في معناها الفلسطيني الجذري، تعني:
•عودة اللاجئين
•إستعادة الأرض
•تفكيك منظومة القوانين العنصرية
•إنهاء الامتياز الإثني
•دستور علماني لا يعترف بأي سيادة قومية حصرية
وهنا تكتب نجّار بوضوح قاطع: «الدعوة الفلسطينية إلى دولة واحدة، حيثما وُجدت، لا تنبع من الرغبة في التعايش مع النظام القائم، بل من مطلب عدالة تأسيسية شاملة».

ثانيًا: أقوى نسخة من الدولة الواحدة… ولماذا هي مستحيلة الآن

لا تتبنى نجّار خطابًا رغائبيًا. على العكس، فهي تُصرّ على تسمية العقبات دون مواربة. فأقوى نسخة من الدولة الواحدة – تلك التي تقوم على التفكيك الكامل للصهيونية – لا تملك اليوم أي مسار واقعي للتحقق.

تحقيقها يفترض:
•نزع الطابع الصهيوني عن الدولة
•تفكيك التفوق العسكري والنووي
•إعادة توزيع الأرض
•إستيعاب ملايين اللاجئين
•عدالة إنتقالية شاملة
لكن، كما تؤكد الكاتبة:
«الكيان الإسرائيلي مُصمَّم بنيويًا لمنع هذا التحول، لا للتكيّف معه».
الفجوة هنا ليست فكرية، بل فجوة قوة. وبين ما تتطلبه العدالة وما يسمح به ميزان القوى مسافة لا يمكن تجاهلها. وهذه الصراحة، كما تشدد نجّار، ليست تشاؤمًا بل شرط لأي سياسة تحررية ناضجة.

ثالثًا: حل الدولتين… من أفق سياسي إلى تقنية إدارة إستعمارية

إذا كانت الدولة الواحدة الليبرالية وهمًا أخلاقيًا، فإن «حل الدولتين» – كما ترى نجّار – هو وهم إداري.
فالوقائع على الأرض حسمت الأمر:
•الضفة الغربية مقطّعة إلى كانتونات
•القدس مُلحقة ومهوّدة
•غزة مدمّرة كمجال للحياة
•السلطة الفلسطينية فاقدة للشرعية والقدرة
•السيطرة الإسرائيلية شاملة: الحدود، السماء، المياه، الضرائب
في هذا السياق، يصبح «حل الدولتين» ليس مشروعًا سياسيًا، بل: «تكنولوجيا لغوية لتأجيل التحرّر، وآلية لإدارة السكان الأصليين دون إنهاء الإستعمار».
إنه وعد مؤجّل إلى الأبد، بنية مصممة للفشل، لكنها ناجحة تمامًا في إمتصاص الزمن الفلسطيني.


رابعًا: حين لا يرحل المستوطن – المأزق الحقيقي

القسم الأكثر قوة في مقال نجّار هو طرحها للسؤال المسكوت عنه: ماذا يعني تفكيك الإستعمار حين لا يرحل المجتمع الإستيطاني؟
تستعرض الكاتبة نماذج تاريخية:
•جنوب أفريقيا: مساواة دستورية مع بقاء البنية الإقتصادية
•ناميبيا: إستقلال مع بقاء ملكية الأرض الإستعمارية
•كينيا: خروج سياسي وبقاء إقتصادي
•الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية: حقوق شكلية وهيمنة بيضاء بنيوية
الخلاصة واضحة: «في معظم الحالات التي بقي فيها المستوطن، لم يتحقق التحرّر، بل أُعيد إنتاج الهيمنة بأشكال أكثر نعومة».
ومن هنا تحذّر نجّار من إختزال القضية الفلسطينية في ثنائيات مبسّطة: دولة واحدة/دولتان، إندماج/إنفصال، تعايش/صراع. فالمسألة أعمق: إنها سؤال السيادة والقوة، لا الصيغة الدستورية.


خامسًا: الدقة بدل التعميم – تفكيك بنية القوة الإسرائيلية

تتوقف نجّار عند عبارة وردت في مقال كيلاني: «من يريد أن يعيش مع مرتكبي الإبادة؟». وهي عبارة تعبّر عن إحساس فلسطيني مشروع، لكنها – إن تُركت دون تحليل – قد تذيب الفوارق داخل المجتمع الإسرائيلي.
لذلك تدعو إلى:
•التمييز بين الدولة والمجتمع
•تحليل الطبقات الإثنية والسياسية داخل إسرائيل
•تسمية المؤسسات المسؤولة عن الإبادة: الجيش، الإدارة المدنية، COGAT، وزارة الأمن القومي
التحديد، كما تؤكد، لا يخفف الإتهام، بل يجعله أكثر فتكًا.

سادسًا: من الدساتير إلى القوة – أين يبدأ التحرّر فعليًا؟

الخلاصة العملية لمقال نجّار حاسمة: «لا دولة واحدة ولا دولتان يمكن أن تنتج التحرّر دون بناء قوة تحررية مادية».
وتقترح إنتقال التركيز إلى:
•بناء إقتصاد مقاوم
•كسر القبضة المالية الإسرائيلية
•مؤسسات موازية
•شبكات عابرة للحدود
•أدوات رقمية ومالية مستقلة
فالتحرّر، في تصورها، لا يبدأ من نص دستوري، بل من تفكيك علاقات التبعية.


خاتمة: لا مخطط بلا قوة

مقال ريما نجّار ليس دفاعًا عن «حل»، بل نقد جذري لفكرة الحلول الجاهزة. وهو يذكّر بأن التحرّر لا يُمنح، ولا يُصاغ بما يرضي العالم، بل يُنتزع بتغيير ميزان القوى.
كما تكتب بوضوح: «التحرّر ليس ما يستطيع العالم تحمّله، بل ما يحتاجه الفلسطيني ليعيش حرًا على أرضه».
بهذا المعنى، فإن أهمية المقال لا تكمن فقط في نقد الدولة الواحدة الليبرالية أو فضح زيف حل الدولتين، بل في إعادة مركزية الفعل الفلسطيني، وإخراج النقاش من هندسة الدساتير إلى ميدان الصراع على القوة والسيادة.
وهي بذلك تضع القارئ، مرة أخرى، أمام الحقيقة التي يخشاها النظام الدولي:
لا تعايش بلا تفكيك الإستعمار، ولا عدالة بلا كسر البنية التي تنتج الظلم.

*****

هوامش

1) ريما نجّار أكاديمية وكاتبة فلسطينية عاشت وعملت لسنوات في القدس والضفة الغربية، ودرّست الأدب والنقد الثقافي في جامعة القدس (Al-Quds University)، ثم واصلت لاحقًا عملها البحثي والكتابي بشكل مستقل، مع وجودها بين فلسطين والولايات المتحدة ونشرها المنتظم في منصّات فكرية دولية مثل Mondoweiss.
(تُعرّف اليوم أساسًا بوصفها كاتبة وباحثة مستقلة أكثر من كونها مرتبطة بمؤسسة أكاديمية بعينها).

2) موندوفايس Mondoweiss

موقع إخباري–تحليلي مستقل باللغة الإنجليزية، تأسّس عام 2006، يركّز على قضايا فلسطين–إسرائيل من منظور نقدي لسياسات الاحتلال والصهيونية.
يتميّز بنشر مقالات تحليلية معمّقة لكتّاب وباحثين وصحفيين فلسطينيين ودوليين، وغالبًا ما يتحدى السرديات الغربية السائدة.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 804 - إيران بين تلقي الضربة والرد - كيف أعادت ط ...
- ألكسندر دوغين - الاتحاد الأوروبي إلى مزبلة التاريخ: كيف سيقس ...
- طوفان الأقصى 803 - نهاية «الإستثناء الإسرائيلي»: حين تتحوّل ...
- جيفري ساكس - عداء روسيا: كارثة لأوروبا
- طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم ...
- ألكسندر دوغين - ترامب يدهش العالم مجددًا
- الأقصى 801 - إستغلال هجوم أستراليا: بين الإدانة الأخلاقية وت ...
- ألكسندر دوغين - ضباب كثيف يلف الدبلوماسية - برنامج إيسكالاتس ...
- طوفان الأقصى 800 - يائير لابيد: إسرائيل عند مفترق تاريخي
- حرب أوكرانيا - وجهة نظر تاريخية سياسية دينية
- طوفان الأقصى 799 - مراجعة كتاب - بيتر بينارت: -أن تكون يهودي ...
- ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب
- طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية
- الولايات المتحدة تعيد صياغة نفسها: قراءة في «إستراتيجية الأم ...
- طوفان الأقصى 797 - عقيدة ترامب الجديدة - الخليج أولاً… وتركي ...
- طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري ...
- طوفان الأقصى 795 - سوريا بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل وُل ...
- البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية ...
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...


المزيد.....




- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...
- خبير عسكري: إسرائيل تعيق قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح ...
- لماذا توصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بأنها الأكثر تعقيدا؟ ...
- الحب وترامب والغرب و3 ملايين سؤال.. عرض لوقائع وكواليس مؤتمر ...
- ساحل جزيرة هرمز الإيرانية يتحول إلى اللون القرمزي الداكن.. ش ...
- -من فوق جبل قاسيون-.. من هم القادة الذين شكرهم أحمد الشرع بع ...
- رئيس الوزراء المصري في بيروت.. القاهرة تدين الانتهاكات الإسر ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 805 - المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا التعايش