أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية















المزيد.....

طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 20:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

13 ديسمبر 2025

في خضمّ المشهد الدموي المتواصل في غزة، وتفاقم إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، والإنقضاض اليميني على مؤسسات الدولة داخل إسرائيل، يسعى الكاتب الإسرائيلي أفيف تاتارسكي في مقاله المنشور بتاريخ 4 نوفمبر 2025 - مترجما عن صحيفة هآرتس العبرية إلى الانجليزية في منصة Medium - إلى إماطة اللثام عن المظاهر الصامتة من القمع اليومي في الضفة الغربية. هذه المظاهر لا تحمل صخب المدافع ولا وقع المجازر، لكنها – كما يكتب – “أقل عنفًا، أقل درامية، وقد أصبحت روتينًا، لكنها ذات أهمية قصوى لأنها تعيد تشكيل الحياة الفلسطينية والآفاق المستقبلية للصراع”.

في هذه الدراسة نحاول أن نكشف كيف تتداخل أدوات الإحتلال التقليدية مع الأزمة المناخية لتؤسّس ما يسميه تاتارسكي بوضوح: “أبارتهايد مناخي”.

أولًا: خنق الإقتصاد الفلسطيني – البنية التحتية كأداة تغيير ديموغرافي
يبدأ تاتارسكي مقاله بالقول:
“إسرائيل تواصل مصادرة مئات ملايين الشواكل من السلطة الفلسطينية كل ربع سنة… العجز الناتج يشلّ تقريبًا مؤسسات السلطة”.
هذا الإجراء الإداري–المالي ليس مجرد عقاب سياسي، بل إستراتيجية طويلة المدى لتجفيف قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود داخل وطنه. فحين تُفتح المدارس ثلاثة أيام أسبوعيًا فقط، كما يشير، ويُستعاض عن بقية الأيام بتعليم عبر “زوم”، فإننا أمام ضرب ممنهج للبنية التحتية المعرفية التي يعتمد عليها أي مجتمع للبقاء.
إلى جانب ذلك، يستمر منع 100 ألف عامل فلسطيني من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الضفة الغربية نفسها، وهي مفارقة تفضح منطق “الأمن” المعلن. فالكاتب يقول بوضوح:
“الذريعة الأمنية إنتهت… لكن إسرائيل تصرّ على عدم السماح لهم بالعودة”.
الأخطر هو ما يورده عن التصريحات اليمينية الصريحة: “حتى لا يكون لديهم مال… حتى يستسلموا ويهاجروا من هنا”.
بهذه العبارة يتجلى القصد البنيوي: إستخدام الإقتصاد كأداة تغيير ديموغرافي، والإستفادة من هشاشة السلطة الفلسطينية وغياب الضغط الدولي.


ثانيًا: الحصار الصامت – هندسة الحركة عبر 1000 حاجز وترسيم “الكانتونات”

يشير تاتارسكي إلى وجود نحو 1000 حاجز يعزل القرى الفلسطينية عن بعضها البعض. هذه الحواجز لا تمثل “قيودًا أمنية” بل – وفق وصفه – “إنشاء جيوب سكانية مغلقة لكل منها مخرج واحد فقط”.
النتيجة ليست مجرد إزدحام، بل هندسة زمانية ومكانية للإرهاق اليومي:
•الوصول إلى العمل يصبح رحلة محفوفة بالعقبات
•الذهاب إلى المزارع يمر عبر خطوط التفاف طويلة
•زيارة الأقارب تصبح عملية مرهقة تتطلب حسابات مسبقة
•الأنشطة البسيطة – “التسوّق، الترفيه، وحتى الزيارات العائلية” – تتحول إلى مشروع لوجستي
بهذا، يصبح الحاجز أداة لإعادة تشكيل النسيج الإجتماعي الفلسطيني. فالمجتمع الذي يفقد حركته يفقد تفاعله، والمجتمع الذي يفقد تفاعله يفقد قوته على التنظيم والتخطيط.
هنا يتقاطع التحليل مع أعمال باحثين في الجغرافيا السياسية مثل إيال وايزمن الذي وثّق في “هندسة السيطرة” كيف يُستخدم الفضاء الفلسطيني كأداة قمع.

ثالثًا: الإحتلال والمناخ – تشكّل “الأبارتهايد المناخي”

في مقطع بالغ الأهمية، يكتب تاتارسكي: “نعم، الأزمة البيئية والإحتلال يتداخلان؛ معًا يخلقان أبارتهايدًا مناخيًا.”
الأزمة المناخية ضربت هذا العام موسم الزيتون في كامل فلسطين التاريخية. لكن الفرق الجوهري يتجلى في قدرة الإسرائيليين على التعويض عبر الريّ، بينما يُمنع الفلسطينيون من:
•حفر آبار جمع مياه الأمطار
•شقّ قنوات ريّ
•تمديد الأنابيب في مناطق “ج”
هكذا، تتحول التغيرات المناخية إلى معزز قمعي يضاعف أثر الإحتلال. فالفلسطيني الذي يفقد محصوله – وهو محور الإقتصاد الريفي – لا يفقد دخله فقط، بل تتآكل قدرته على البقاء في أرضه.
ومع تدهور الزراعة، وتحول الأراضي غير المرويّة إلى مناطق هامشية، يتقاطع التغير البيئي مع التغير السياسي لتوليد هجرة قسرية غير معلنة.
إنه شكل جديد من الهندسة السكانية: ليست الجرافة وحدها التي تُخرج الناس من الأرض، بل الجفاف أيضًا حين يُدار بشكل غير عادل.

رابعًا: نحو نموذج تحليلي: “خنق ناعم” يحقق نتائج صلبة

هذا التلاقي بين القمع المالي، والحصار المكاني، والتقييد البيئي ينتج نمطًا من السيطرة غير الصاخبة، لكنه شديد الفعالية؛ يمكن وصفه بـ “الخنق الناعم”:
1. إضعاف إقتصادي يدفع نحو الإعتماد والضغط الإجتماعي
2. عزل مناطقي يمنع التنظيم، الإحتجاج، أو حتى الحياة الطبيعية
3. ضغط بيئي–مناخي يقلّص القدرة على البقاء والإستثمار في الأرض
4. دفع تدريجي للهجرة القسرية دون طلقة واحدة
هذه الإستراتيجية لا تحتاج إلى إعلان رسمي؛ تكفيها إدارة يومية محكمة، وتواطؤ اللامبالاة الدولية.

خامسًا: غياب الضغط وغياب الإهتمام – لماذا يستمر هذا النظام؟

يختم تاتارسكي مقاله بعبارة لافتة: “في الوقت الحالي، تركيزنا ليس هناك… ولذلك تستمر هذه الأفعال المدمرة بلا مقاومة تقريبًا.”
العالم منشغل بغزة. المعارضة الإسرائيلية منشغلة بإنهيار مؤسساتها. القوى الدولية تركز على “اليوم التالي” دون النظر إلى البنية اليومية التي تجعل أي “يوم بعد” مستحيلًا.
وهذا هو جوهر المشكلة: القمع الذي لا يُرى أخطر من القمع الذي يُرى، لأنه يصبح جزءًا من الهواء الذي يُتنفس دون إدراك.

خلاصة: لماذا هذه التفاصيل مهمة؟

لأن الصراع لا يُحسم في لحظات الحروب الكبرى، بل في تفاصيل الحياة اليومية:
•في الشارع المغلق
•في الحاجز الذي يلتف حولك
•في الشجرة التي لم تعد تثمر
•في المدرسة التي تفتح ثلاثة أيام في الأسبوع
•في العامل الذي يجلس في بيته لأن “الغاية أن لا يكون لديه مال”.
هذه الأحداث الصغيرة هي ما يصنع الواقع الفلسطيني، وهي ما يحدد شكل المستقبل الإسرائيلي–الفلسطيني على المدى الطويل.
إن تحليل تاتارسكي يكشف أن ما يجري ليس مجرد إحتلال عسكري، بل نظام شامل يعيد تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا والإقتصاد والمناخ ليتناسب مع رؤية سياسية واضحة:
مساحة أكبر… وفلسطينيون أقل.
وتلك، في جوهرها، هي “القصة التي لا نسمعها عن الضفة الغربية”.

*****

المرجع
مقال أفيف تاتارسكي
“What we don’t hear about the West Bank” –
نشر في The Palestine Project،
على منصة Medium ترجمها سول سالبي، بتاريخ 4 نوفمبر 2025 عن جريدة هارتس العبرية.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولايات المتحدة تعيد صياغة نفسها: قراءة في «إستراتيجية الأم ...
- طوفان الأقصى 797 - عقيدة ترامب الجديدة - الخليج أولاً… وتركي ...
- طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري ...
- طوفان الأقصى 795 - سوريا بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل وُل ...
- البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية ...
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...
- ألكسندر دوغين - أوروبا تحت سيطرة الشبكة الليبرالية العالمية: ...
- طوفان الأقصى 792 - المواجهة المؤجلة: قراءة هادئة في إحتمالات ...
- طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراط ...
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...
- تحرير كراسنوأرميسك: قراءة تحليلية في دلالات الإختراق الميدان ...
- طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة تر ...
- ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح ...
- طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
- ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله ...
- طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ ...
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...
- ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ ...


المزيد.....




- بعد نشر صور جديدة له بقضية جيفري إبستين.. شاهد رد فعل ترامب ...
- إليكم 23 صورة من ملف إبستين لترامب وبيل كلينتون وبيل غيتس ال ...
- بالصور.. مكان بالقدس يُعتقد أنه شهد مولد السيدة مريم
- روسيا تعلن مقتل شخص وأوكرانيا تحقق -اختراقا- بجبهة خاركيف
- غزة تحت المطر.. خيام لا تقي وشتاء يفضح عجز العالم
- تجدد القتال بين تايلند وكمبوديا رغم إعلان ترامب وقف إطلاق ال ...
- الاتحاد الأوروبي يبقي أصولاً روسية مجمدة إلى أجل غير مسمّى
- هل تكون ليبيا جزءاً من حل أزمة الطاقة الأوروبية؟
- اجتماع مقرر في باريس الأسبوع المقبل لبحث الوضع في لبنان
- صحيفة: قوات أميركية داهمت سفينة في طريقها من الصين لإيران


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية