أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري سيدوف عن غزة















المزيد.....

طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري سيدوف عن غزة


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 00:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

11 ديسمبر 2025


في مقاله الأخير في 5 ديسمبر 2025، يفتح الكاتب والباحث الروسي دميتري سيدوف عبر مؤسسة الثقافة الإستراتيجية نافذة قاتمة على مشهد يكاد لا يُصدّق: غزة، في لحظة من لحظات إنكسار العالم الأخلاقي، تتحول إلى مسرح يعيد إنتاج ممارسات كنا نظن أن الإنسانية قد دفنتها إلى الأبد.
يبدأ سيدوف من تفصيل واحد مُزلزل: مشاهد جنود الجيش الإسرائيلي وهم يدفعون بالجرافات جثث الفلسطينيين إلى الحفر الإرتجالية عند محيط تقاطع زيكيم، ليتحوّل الأمر إلى «دفن جماعي بلا أسماء، بلا طقوس، بلا أثر».
هنا لا يعود السؤال: ماذا حدث؟
بل: كيف يصبح هذا ممكناً؟ وكيف يصبح عادياً؟

أولاً: «تقاطع زيكيم»… حين يصبح الجوع جريمة تستحق الرصاص

يروي سيدوف، مستنداً إلى شهادات مراسلي CNN في الميدان، أنّ شاحنات المساعدات المتجهة إلى غزة تُحاصَر عند تقاطع زيكيم، حيث يتجمع الجوعى، فيبحثون عن كيس دقيق، عن أمل، عن بقاء.
لكن الجوع هنا لا يُقابل بالمساعدة، بل بالرصاص.
يكتب سيدوف: الجنود ينتشرون في مواقع مُعدة مسبقاً، «يُطلقون النار على الجوعى، ثم تُدفَع جثثهم بالجرافات إلى القنوات الترابية». تتحلل الجثث، تنتشر الروائح، وتبقى الحفرة صامتة… بلا علامة تشير إلى أنّ بشراً كانوا هنا يوماً ما.
هذه ليست فقط جريمة قتل، بل محاولة محو.
محو الأرقام.
محو الذاكرة.
محو شهادة الوجود نفسها.
وهنا يُذكّر سيدوف بأن القانون الدولي يُلزم الأطراف المتحاربة بالتعاون في دفن القتلى وتحديد هوياتهم، لكنه يشير إلى أنّ الدفن العشوائي في غزة يعني شيئاً واحداً:
«تحويل المقتولين إلى مفقودين، وإخفاء العدد الحقيقي للمدنيين الذين لقوا حتفهم».

ثانياً: «البنالية المروّعة»*… قراءة سيدوف عبر هانّه أرندت*

هنا يدخل سيدوف إلى عمق التحليل الفلسفي.
يستدعي هانّه أرندت، الفيلسوفة التي عرّت بنية الشر في القرن العشرين.
يقتبس: «الهدف من الكذب الدائم ليس أن يصدق الناس الكذب، بل أن لا يعودوا قادرين على تصديق أي شيء».
في اللحظة التي يفقد الناس فيها القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، يصبحون مادة طيّعة لأي سلطة، حتى الأكثر توحشاً.
يضيف إقتباساً آخر لأرندت:
«الشعب الذي لم يعد يميز بين الحقيقة والكذب، لن يميز بين الخير والشر».
وهذا، كما يرى سيدوف، هو ما يحدث اليوم: عطب في القدرة على الحكم الأخلاقي، وذوبان للمعايير، وتحويل الإنتهاكات إلى «روتين عسكري»، وتكرار القول: نحن ننفّذ الأوامر.
ثم يذكّر سيدوف بمعنى «بنالية الشرّ»: «زمن يصبح فيه الشر ناتجاً عن الإعتياد، عن إنطفاء الإحساس، عن قبول ما لا يُقبل».
ليس لأن الجندي شرير بطبيعته، بل لأنه «يؤدي وظيفته ضمن إختصاصه» كما كتبت أرندت عن أيخمان.
هنا يصل سيدوف إلى جملته الأكثر قوة: إن جنود الجيش الإسرائيلي «لا يرون أنهم أعادوا إنتاج مشاهد بمجازر بابي يار»، المكان الذي نفّذت فيه القوات النازية مجازرها بدفن جماعي وبالجرافات ذاتها التي تُرى اليوم في غزة.
ثم يتساءل: هل خطر ببالهم أنهم “تسلّموا نوبة العمل من النازيين” في ممارسة الإبادة بحق شعب آخر؟

ثالثاً: هولوكوست جديد؟ قراءة القتل ليس بوصفه جريمة فقط، بل بوصفه منظومة كاملة.

يذهب سيدوف أبعد من مجرد الوصف.
إنه يطرح غزة كـ: بنية إبادة، لا مجرد نتيجة جانبية للحرب.
يتحدث عن السحق، والتجويع، ومحو الحيّز المدني، وتحويل الجثث إلى «نفايات هندسية».
ويقول بصيغة صادمة: «لو عاشت هانّه أرندت حتى 2025، لرأت النسخة الجديدة من الهولوكوست على أرض غزة».
هذا التصريح ليس إنشائياً، بل نابع من مقارنة:
– تكرار خطاب «الحرب على أقلّية دونية».
– تكرار خلط المدني بالمقاتل.
– تكرار تحويل الضحية إلى كائن بلا إسم، بلا رقم، بلا قبر.

رابعاً: البعد السياسي – نتنياهو و«رصيد الدم»

يختم سيدوف بزاوية سياسية دقيقة وذكية: بينما تحدث كل هذه الجرائم، يتقدم بنيامين نتنياهو بطلب إلى رئيس الدولة ليحصل على عفو مسبق عن قضايا الفساد.
يعرف نتنياهو أنّ «رصيده» في غزة هو ما يسعى إلى تقديمه كضمانة سياسية.
لكن سيدوف يذكّر بأن المجتمع الدولي لن ينسى، وأنّ «غزة ستصبح ملفاً قانونياً، مهما طال الزمن».
ويضرب مثلاً بقول أرندت في محاكمة أيخمان: «الإنسان المثالي للأنظمة التوتاليتارية ليس المتعصب، بل ذاك الذي لم يعد يميز بين الواقع والخيال».
هؤلاء، كما يقول سيدوف، هم الذين يصنعون الحروب، وهم الذين يسكتون عن الجرائم، وهم الذين يبررون دفن الموتى بالجرافات.

الخلاصة

يخرج سيدوف من رصد الواقع إلى تشريح بنية الشر الحديثة.
إنه لا يكتب عن غزة فقط، بل عن الإنسان المعاصر.
عن قدرة السلطة على تصنيع «اللامبالاة» لدى الجنود، وعن صناعة «العجز الأخلاقي» لدى الشعوب، وعن تحويل القتل إلى «هندسة»، وتحويل الجثث إلى «مواد».
يصرّ سيدوف على فكرة محورية: «للنازية وجه واحد، يتكرر كلما إجتمع العنف، واللامبالاة، وسياسة تحويل البشر إلى أشياء».
إنها ليست مقارنة تاريخية فحسب، بل توصيف تقني لبنية تتكرر عبر الزمن:
من "بابي يار" إلى غزة.
من دفن بلا أسماء إلى دفن بلا علامات.
من الجرافات إلى الجرافات.
وهنا يصبح عنوان سيدوف أكثر وضوحاً:
النازية ليست حقبة… إنها منهج.
وكلما تكررت شروطها، عاد وجهها إلى الظهور.

*****

هوامش

1) تقاطع زيكيم هو نقطة قرب الحدود الشمالية لقطاع غزة، تتجمع عندها شاحنات المساعدات، حيث يتجمّع الفلسطينيون الجوعى سعياً للحصول على الطعام، ويتحول المكان — بحسب الشهادات — إلى ساحة إطلاق نار ودفن عشوائي للجثث بالجرافات.

) هانّه أرندت
فيلسوفة ألمانية–أميركية بارزة، تُعدّ من أهم منظّري مفهوم التوتاليتارية وموثّقة فكرة «تفاهة الشر» عبر دراستها لمحاكمة أيخمان. إشتهرت بنقدها العميق لآليات السلطة الحديثة وكيف يتحول الإنسان العادي إلى أداة في أنظمة القمع.

3) «البناليّة المروّعة» تعني أن يتحوّل الشر إلى شيء عادي ومألوف، يُمارَس بلا صدمة ولا تردد، وكأنه جزء طبيعي من الروتين اليومي. أي أن يصبح العنف، والقسوة، وامتهان كرامة البشر مجرد “إجراءات” أو “عمل وظيفي” يقوم به أشخاص عاديون بلا إحساس أو اعتراض.

4) عندما نقول «الشر بوصفه منظومة كاملة» فهذا يعني أننا لا ننظر إلى الفعل (مثل القتل أو التجويع أو الدفن العشوائي) باعتباره حادثة منفصلة أو «انحرافاً فردياً»، بل نراه جزءاً من منظومة كاملة:
طريقة تفكير، قوانين، أوامر، خطاب إعلامي، تبريرات رسمية،
وممارسات يومية تتكرر.
أي أنّ الشر أو العنف ليس مجرد سلوك أفراد، بل هيكل منسَّق تصنعه الدولة والجيش والمؤسسات، ويتحرك بداخله أشخاص يؤدّون أدوارهم كقطع في آلة.
بكلمات أخرى:
الشر هنا ليس حادثاً… بل نظام.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 795 - سوريا بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل وُل ...
- البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية ...
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...
- ألكسندر دوغين - أوروبا تحت سيطرة الشبكة الليبرالية العالمية: ...
- طوفان الأقصى 792 - المواجهة المؤجلة: قراءة هادئة في إحتمالات ...
- طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراط ...
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...
- تحرير كراسنوأرميسك: قراءة تحليلية في دلالات الإختراق الميدان ...
- طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة تر ...
- ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح ...
- طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
- ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله ...
- طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ ...
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...
- ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ ...
- طوفان الأقصى 785 - السعودية في موقع الحليف الأول؟ قراءة في ا ...
- طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها
- طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق ...


المزيد.....




- ترامب يكشف عن تفاصيل جديدة بشأن -مجلس السلام في غزة-: رؤساء ...
- قبل السماح لهم بدخول أمريكا… واشنطن قد تطلب الاطلاع على حساب ...
- -لا نريد إضاعة الوقت في الملف الأوكراني-.. ترامب: اللقاء مع ...
- صورة صادمة لتسرب مياه بمتحف اللوفر..ما حقيقتها؟
- ترامب يحدد موعدا لإعلان مجلس السلام الخاص بغزة
- واشنطن تبحث عن حل يرضي الجميع في أوكرانيا
- -شبكات- تتناول سيول كردستان العراق وبيع لوحة سيارة مميزة بال ...
- ترامب يعلن السيطرة على ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا: -الأكب ...
- أول رد لترامب على تقارير عن -إجراء تعديلات وزارية-
- التحركات العسكرية في حضرموت: انقسام داخلي أم تضارب مصالح خلي ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري سيدوف عن غزة