أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراطوري كبير»















المزيد.....

طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراطوري كبير»


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 00:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

5 ديسمبر 2025



من يقرأ المشهد كما يصفه المؤرخ والكاتب الروسي فاليري بورت* يدرك منذ السطر الأول أن إسرائيل — في لحظتها الراهنة — لا تتصرف كدولة تحاول إحتواء أزمة، بل ككيان يتقمّص دور «قوة فوق إقليمية» تُعيد رسم الخرائط وتفرض ميزان القوى بقبضة عسكرية وسياسية متحررة من القيود. وما يسميه بورت «الإمبراطورية الإسرائيلية» ليس توصيفاً إنشائياً، بل تلخيص لسلوك متكامل قائم على القوة الضاربة، والإحتلال الزاحف، والمقايضة الدائمة بين الضغط الأمني والمكاسب الجيوسياسية.

غزة: بركان يهدأ لكي ينفجر

يكتب بورت إن القطاع يشبه «بركاناً سكن هديره قليلاً، لكنه ما زال يقذف لهيبه كل يوم». ومع ذلك، فقد إختفت غزة من الشاشات العالمية. «توقفت التظاهرات»، «غابت الضغوط»، وبدأت رواية الهدوء تتسلل إلى العواصم كما لو أن الحرب قد إنقضت فعلاً.

لكن الهدوء هنا — كما يشدد — ليس سوى «وهم خطير»، تماماً كما قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار:
«المجتمع الدولي لا يجب أن ينخدع… فالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل لم تتوقف».

ورغم دخول بعض شحنات الغذاء والدواء، إلا أن «المأساة لم تتراجع شبراً واحداً». آلاف العائلات تنام في «خيام مهترئة تتسرب إليها الأمطار والبرد». لا طعام ساخن لأن «لا كهرباء»، ولا مستشفيات لأن «لا معدات ولا أدوية ولا طواقم». أما الصرف الصحي فـ«معدوم»، والشتاء يقترب، و«لا أحد يعرف من سيعيش حتى الربيع».

هذا المشهد، كما يقول بورت، ليس فوضى عشوائية، بل جزء من معادلة الضغط الدائم: تخفيفٌ للغارات مقابل تكريس وضع إنساني ميؤوس منه يحوّل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة.

53% من غزة تحت السيطرة: الإستراحة التي تمنح مساحة للتوسع

بعد وقف النار، إحتفظت إسرائيل بإنتشار عسكري على أكثر من نصف مساحة القطاع. هذا الإنتشار لم يكن إجراءً دفاعياً فحسب، بل — كما يوضح بورت — «فتح الباب أمام نقل قوات نحو ساحات أخرى» وعلى رأسها الضفة الغربية.

هناك، لا يجري الأمر بصمت. فالإعتداءات اليومية للمستوطنين على القرى الفلسطينية — «حرق منازل، تكسير سيارات، ضرب الأهالي» — ليست شغباً بل «أداة تطهير زاحف»، وآلية لترسيخ «الإحتلال بالتقسيط».

يقول بورت بوضوح: «هذه ليست حوادث فردية… إنها سياسة تُدفع من خلف الستار».

ومن الدليل على هذا «الغطاء الرسمي» تسهيل حمل السلاح لـ 230 ألف مستوطن، ما يعني إنشاء ميليشيا شبه رسمية متكاملة تعمل كإمتداد ميداني لسياسة «الضم التدريجي».

«الضم بالقطارة»: خطة تراجعت على الورق وتقدّمت على الأرض

بعد موجة الإعترافات الدولية بدولة فلسطين، حاول الكنيست تمرير إعلان ضم أجزاء من الضفة. تراجع أمام الضغط الدولي — «أو تظاهر بالتراجع» — لكنه سرعان ما عاد بأسلوب آخر: «الضم الزاحف»، أو ما يسميه بورت: «تغيير الخرائط عبر الخوف».

الفكرة بسيطة: إجبار السكان على ترك مناطقهم من خلال جعل حياتهم اليومية رهينة الخوف والإعتداء وإنعدام الحماية.

وهكذا، حتى لو لم يُرفع العلم الإسرائيلي رسمياً فوق تلك القرى، فإنّ «السيطرة الفعلية» تتحقق بصمت.

سوريا: من «حماية الجولان» إلى إعادة رسم الحدود

بعد التغيير السياسي في دمشق، وسّعت إسرائيل إنتشارها العسكري بذريعة «حماية المجتمعات الصديقة». سيطرت على أجزاء من جبل الشيخ، ونفذت سلسلة من الهجمات «الإستباقية» ضد مواقع تعتبرها معادية.

يقول بورت إن الإسرائيليين يتصرفون «بثقة وعناد»، خاصة بعد أن أظهرت إدارة ترامب إهتمامها بضم سوريا لـ«إتفاقات أبراهام». كان مطلوباً لإتمام ذلك إنسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المحتلة — لكن تل أبيب إختارت الطريق المعاكس.

يقدم بورت مثالاً لافتاً: زيارة نتنياهو للجنوب السوري المحتل، «قبل أيام فقط من إستضافة ترامب للرئيس السوري أحمد الشرع». رسالة واضحة: "لسنا مستعدين لتقديم أي تنازل جغرافي".

وجاء الهجوم الإسرائيلي الأخير على الجنوب السوري ليكشف حدود الصبر الأميركي، رغم أن ترامب — كما تنقل الصحافة الإسرائيلية — إكتفى بجملة حادة لكنها ملطفة: «على إسرائيل أن تحافظ على حوار صادق مع سوريا… وألا تعيق تحولها إلى دولة مزدهرة».

البيت الأبيض دعا نتنياهو إلى واشنطن. وبورت يصف هذه الدعوة بأنها: «إستدعاء تلميذ مشاغب إلى مكتب المدير أكثر من كونها لقاء دبلوماسياً».

لبنان: ساحة إختبار للنفوذ الإمبراطوري

يُظهر بورت كيف أن السلوك الإسرائيلي تجاه لبنان يعكس منطق «القوة فوق الحدود». هجمات على مواقع حزب الله، سقوط مدنيين، وتوترات لا تهدأ. الجيش اللبناني يحاول نزع سلاح حزب الله، لكن التنظيم يرد بأن «سلاحه هو الضمانة الوحيدة لحماية الجنوب من إسرائيل».

بورت يسمي هذا الطرح بـ«الخطاب الدفاعي الملتبس»، لكنه يشدد على أن السلاح هو مصدر النفوذ الحقيقي الذي يربط حزب الله بطهران. وبالتالي، فإن تجريد الحزب من السلاح يعني «تحطيم العمود الفقري للنفوذ الإيراني في لبنان»، وهو أمر «لا يمكن لإسرائيل إلا أن تتمنى تحققه».

أما الحكومة اللبنانية، فيحاول رئيسها نواف سلام المناورة قائلاً إن بلاده «مستعدة للتعاون» مع تل أبيب بوساطة أميركية. لكن العقبة واضحة:
إسرائيل «لا تنوي الإنسحاب من التلال الحدودية» رغم أنها «عديمة القيمة الإستراتيجية» بنظر بيروت، والتي تستخدمها تل أبيب كـ«أداة ضغط».

الشرق الأوسط الجديد: إسرائيل مركز ثقل لا رقيب له

يستشهد بورت بتقرير The New York Times تحت عنوان: «الإمبراطورية الإسرائيلية في الشرق الأوسط الجديد»
الذي يصف لبنان بأنه «أفضل مثال على تحولات الإقليم»، حيث إكتسبت إسرائيل قدرة نفوذ تتجاوز أحجامها الطبيعية، وتتصرف كحاكم ظلّ في أكثر من دولة.

لكن النتيجة — كما يحذّر — ليست إستقراراً، بل «مزيداً من التصدعات» في منطقة أصلاً «على حافة الإنفجار».


الخلاصة

يقدّم فاليري بورت مشهداً لشرق أوسط تتحرك فيه إسرائيل من موقع «القوّة المتقدّمة»؛ أي الدولة التي لا تكتفي بالدفاع داخل حدودها بل تدفع قوتها إلى الأمام، نحو أراضي الآخرين، لتصوغ محيطها الأمني بيديها. ليست إسرائيل التي يرسمها بورت دولة معزولة أو محاصرة، بل قوة توسّعية تعيد ترتيب الإقليم وفق تموضعها العسكري. فغزة تُدار كحيّز للعقاب الجماعي المستمر، والضفة تتحول إلى مختبر للضم بالترويض والضغط البطيء، وسوريا تُوضع ضمن نطاق نفوذ مشروط ترسم حدوده الغارات والتموضعات، أما لبنان فيغدو ساحة إختبار لإعادة «تخييل الحدود»؛ أي التعامل مع الخطوط الرسمية كما لو أنها قابلة للتمديد وإعادة التعريف كلما إتسعت مساحة النفوذ والردع.

هذه ليست سياسة «أمن» بالمعنى التقليدي، بل مشروع هندسة سياسية وجغرافية طويلة المدى يبررها خطاب الخوف ويؤمّنها التفوق العسكري والدعم الأميركي.

إذا كان ثمة جملة تختصر هذه اللحظة، فهي ما ورد في التقرير الأميركي: «إسرائيل اليوم لاعب إمبراطوري في شرق أوسط جديد… لكن هذا الدور يترك آثاراً مدمّرة على منطقة مضطربة أساساً».

وهو توصيف يفتح النقاش على سؤال أكبر: إلى أي مدى يمكن لقوة إقليمية أن توسّع نفوذها بلا حدود… قبل أن يبدأ الإنهيار من داخل مشروعها نفسه؟

*****
المرجع

«إسرائيل الإمبراطورية» لا تجلس مكتوفة اليدين
فاليري بورت
صندوق الثقافة الاستراتيجية
4 كانون الأول/ديسمبر 2025



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...
- تحرير كراسنوأرميسك: قراءة تحليلية في دلالات الإختراق الميدان ...
- طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة تر ...
- ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح ...
- طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
- ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله ...
- طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ ...
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...
- ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ ...
- طوفان الأقصى 785 - السعودية في موقع الحليف الأول؟ قراءة في ا ...
- طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها
- طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا - ملف خاص - الجزء 6
- طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا – ملف خاص – الجزء 5
- طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وص ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
- طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3


المزيد.....




- لوموند: على فرنسا أن تستعد لتفادي شتاء ديمغرافي قاس
- -الجريمة والعقاب-.. نتنياهو والتطرف الممنهج لإبادة غزة
- برّاك: إسرائيل لن تحقق أهدافها عبر محاولة سحق حزب الله عسكري ...
- مجلس السلام المقترح لغزة.. هل يشعل صداما بين ترامب ونتنياهو؟ ...
- -ما وراء الخبر- يتناول تحديات دخول المرحلة الثانية من اتفاق ...
- إستراتيجية ترامب الجديدة.. كيف تحافظ أميركا على أمنها القومي ...
- طبول الحرب تدقّ على لبنان
- ميرتس يزور إسرائيل: صداقة رغم الخلافات
- عاجل | مسؤول أمني أفغاني للجزيرة: اشتباكات بين القوات الأفغا ...
- قوات -درع الوطن- توسع انتشارها شرقي اليمن


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراطوري كبير»