|
|
طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية والغربية والصينية: من يصوغ مستقبل سوريا؟
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 00:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية والغربية والصينية: من يصوغ مستقبل سوريا؟
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
27 نوفمبر 2025 منذ سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر 2024 وصعود أحمد الشرع إلى السلطة، تحولت دمشق فجأة إلى قلب إشتباك دولي معقد؛ ليس لأنها إستعادت موقعها التقليدي فقط، بل لأنها أصبحت – ربما لأول مرة منذ 2011 – جزءاً من مشروع هندسة إقليمية جديدة تتنافس على رسم ملامحها أربع روايات كبرى: الروسية، والتركية، والغربية، والصينية. زيارة الشرع إلى واشنطن، ثم أنقرة، ثم وزير خارجيته إلى بكين، ثم سلسلة التسريبات والتصريحات التي أعقبت تلك الجولات، كشفت أن سوريا الجديدة أصبحت ساحة إختبار لمشروع أكبر من محاربة الإرهاب أو إعادة الإعمار؛ إنها بوابة لصياغة نظام إقليمي لا يزال قيد التشكل. هذه الدراسة ترصد، بالإقتباسات المباشرة، كيف ترى القوى الأربع موقع الشرع ودوره، وما إذا كانت دمشق قادرة على تجنب الوقوع في فخ الإصطفاف الأحادي الذي أسقطها سابقاً، أو أنها تتجه بوعي – أو بغير وعي – نحو الإنخراط الكامل في "النظام التركي–الأميركي الجديد" الذي تصفه بعض الصحف الروسية بأنه أخطر تحول في المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق.
أولاً: السردية الروسية – واشنطن إنتقلت من البراغماتية إلى الإنتهازية
في موسكو، يقرأ الخبراء زيارة الشرع إلى واشنطن من زاوية أوسع: ليست مجرد محاولة أميركية لكسب دمشق، بل خطوة ضمن تحوّل إستراتيجي أكبر في سياسة ترامب الخارجية. غيفورغ ميرزايان في صحيفة «فيزغلياد» الروسية يلخص الموقف بعبارة أصبحت مرجعاً: «تتحرك الولايات المتحدة من البراغماتية نحو درجة من الإنتهازية السياسية، حيث لم يعد المهم بالنسبة لواشنطن سوى فرض هندستها الخاصة للنظام العالمي، ولو على حساب حلفائها». بالنسبة لموسكو، المسألة لا تتعلق بسوريا وحدها، بل بعودة مشروع أميركي يتعامل مع الشرق الأوسط كمساحة لإعادة رسم قواعد القوة. ولذلك يضيف ميرزايان: «إن التعامل الأميركي مع الشرق الأوسط اليوم لا ينطلق من إستقرار المنطقة، بل من توظيف أزماتها لإحكام السيطرة على مسارات الطاقة والأمن الإقليمي». ترى روسيا أن واشنطن لا تتردد في تغيير مواقفها جذرياً، وأن أي دولة تعتمد على الوعود الأميركية ستجد نفسها في لحظة معينة مكشوفة بالكامل: «واشنطن لا تتردد في تغيير مواقفها بين ليلة وضحاها إذا إقتضت مصالحها ذلك، حتى لو أدى هذا التحوّل إلى تقويض شراكات تمتد لعقود». هذه التقديرات تضع دمشق أمام سؤال كبير: هل يمكن أن تثق بدور أميركي في "تفكيك الإرهاب" لا يتحول لاحقاً إلى وسيلة لتفكيك الدولة نفسها؟
ثانياً: السردية التركية – بيرينجك: إصطفاف يمتد من قزوين إلى المتوسط
أما في تركيا، فيكشف محمد بيرينجك أن زيارة الشرع إلى واشنطن لم تكن خطوة منفردة، بل جزء من خطة متكاملة تدفع بها إدارة ترامب لدمج تركيا وسوريا وإسرائيل في منظومة أمنية واحدة. يقول بيرينجك إن المؤشرات القادمة من واشنطن وأنقرة ودمشق تشير إلى تفاهمات أولية: «زيارة الشرع إلى واشنطن كشفت أن دمشق وأنقرة مستعدتان للعمل ضمن الإطار الأميركي الجديد لإعادة ترتيب غرب آسيا». الأخطر في نظر بيرينجك هو التصريح الذي أطلقه السفير الأميركي في أنقرة، توم باراك، والذي تحدث فيه عن: «إعادة تعريف للعلاقات التركية–السورية–الإسرائيلية، وعن إصطفاف يمتد من بحر قزوين إلى المتوسط». هذا "الإصطفاف" لا يُخفي أهدافه. فالولايات المتحدة تريد من دمشق – كما نقل باراك – دوراً مباشراً: «الولايات المتحدة تتحدث اليوم عن إعادة تعريف للعلاقات التركية–السورية–الإسرائيلية، وعن إصطفاف يمتد من بحر قزوين إلى المتوسط». وحسب بيرينجك، فإن واشنطن لا تخفي نيتها: «إن قبول دمشق بدور في ‘تفكيك حماس وحزب الله’ يضعها مباشرة داخل النظام الذي تحاول إدارة ترامب فرضه على المنطقة». هنا يصبح الشرع، بالنسبة للكاتب التركي، جزءاً من حسابات أكبر: إذا تحولت دمشق إلى جزء من “تموضع ترامب-أردوغان نتانياهو ”، فذلك يعني أنها قبلت عملياً تعريف واشنطن للجماعات الإقليمية وخصومها.
ثالثاً: السردية الغربية – The Cradle: لماذا الشرع وليس السنوار؟
على الجانب الآخر، يقدم الإعلام الغربي المتمرد، مثل The Cradle، سردية مختلفة، أكثر نقدية للغرب نفسه. فالمقال المعنون «الجهادي الجيد والجهادي السيء» يكشف نظرة نفاقية لطريقة تصنيف الجماعات. يقود المقال إلى مقارنة مباشرة بين يحيى السنوار، الذي قُتل لاحقاً، وبين الجولاني، وبين الشرع نفسه: «في نظر الغرب، يُصنَّف الجهاديون وفق مدى قابليتهم للإستخدام؛ من يقاوم الإحتلال يُجرَّم، ومن ينسجم مع الترتيبات الأميركية يُمنح شرعية سياسية». بمعنى آخر، ليس معيار الإرهاب هو العنف أو التطرف، بل مدى قابلية الشخص للإندماج في منظومة النفوذ الأميركي. ولذلك يشرح المقال: «الغرب لا يرى في السنوار سوى تهديد، بينما يعيد تقديم الجولاني كرجل دولة قادر على الإندماج في هندسة أمنية جديدة للمنطقة». أما لماذا الشرع وليس السنوار؟ فالجواب: «تفضيل الشرع على السنوار يعكس معياراً واحداً: هل يمكن دمجه في المشروع الأميركي أم لا». هذه العبارة تكشف خلفية التفكير الغربي في دعم إنتقال السلطة في سوريا، وفي محاولة إعادة بناء النظام السوري بصورة "قابلة للتطويع".
رابعاً: السردية الصينية – بكين: سوريا ليست ورقة في الصفقة الأميركية
على الجانب الصيني، الرواية مختلفة تماماً. فزيارة الشيباني، وزير خارجية الشرع إلى بكين، كما يصفها الصحفي الروسي سيرغي كوزنيتسوف، كانت محاولة من دمشق لتجنب الوقوع بالكامل في الحضن الأميركي. لكن بكين كانت واضحة جداً: «الزيارة الأولى لوزير الخارجية السوري الجديد إلى الصين حملت رسالة واضحة: بكين لن تسمح بأن تُعاد صياغة سوريا بالكامل تحت الرعاية الأميركية». وترى الصين أن الإستقرار الإقليمي لا يمكن أن يقوم على إصطفاف أحادي: «الصين ترى أن إستقرار سوريا يجب أن يقوم على علاقة متوازنة مع جميع القوى الإقليمية، لا على إنحياز أحادي نحو واشنطن». بل إن بكين تعتبر إنخراط سوريا في "النظام الأميركي الجديد" تهديداً لمشروع الحزام والطريق: «بالنسبة لبكين، إنضمام دمشق إلى النظام الإقليمي الأميركي يعني منح واشنطن موقعاً إستراتيجياً إضافياً على خطوط مبادرة الحزام والطريق، وهو ما لا يمكن للصين قبوله». هنا تظهر مخاوف الصين: أن تتحول سوريا – الدولة التي تقع على عقدة جغرافية – إلى منصة أميركية لمحاصرة النفوذ الصيني وتحديداً في شرق المتوسط.
التحليل النهائي: هل يستطيع الشرع النجاة من الفخ؟
تشير السرديات الأربع إلى أن صورة الشرع ليست واحدة: •في موسكو: رجل يمكن إستدراجه إلى مشروع أميركي خطير. •في أنقرة: لاعب مستعد للإندماج في إصطفاف إقليمي عبر واشنطن. •في الغرب: وجه "قابل للإستخدام" لإعادة ضبط ميزان القوى. •في بكين: دولة لا يجب أن تتحول إلى منصة أميركية على حساب الصين. الواقع أن الشرع يتحرك على خيط رفيع جداً. واللحظة الحالية تشبه ما بعد 2003 عندما حاولت دول المنطقة إستمالة الأميركيين ثم إكتشفت متأخرة أنها فقدت إستقلال قرارها. سوريا اليوم إزاء معادلة معقدة: 1. إذا إنحازت بالكامل لترامب فستفقد دعم دول وحلفاء ما بعد 2015، وقد يجد الشرع نفسه محاصراً داخل نظام لا يملك أدواته. 2. وإذا إنحازت للصين وروسيا فقط .... فقد تفقد فرصة رفع العقوبات وإعادة الإعمار. 3. وإذا حاولت اللعب بين المحاور فقد ينتهي بها الأمر ضحية صراع أكبر منها. لكن التحليل الأعمق يشير إلى أن مستقبل الشرع سيتحدد وفق أمرين: أولاً: تعريفه لدور سوريا في النظام الإقليمي الجديد هل ستكون سوريا: ركيزة “الإصطفاف الأميركي–التركي–الإسرائيلي”؟ أم جزءاً من محور يوازن بين الشرق والغرب؟ أم دولة محايدة تلعب على خطوط الطاقة والتجارة؟ ثانياً: قدرته على إعادة بناء الداخل السوري فالشرع لن يستطيع تنفيذ أي سياسة خارجية إذا ظل الداخل منقسماً.
خاتمة: سوريا ليست ورقة بعد اليوم… أو هكذا ينبغي
تقدم السرديات الأربع صورة صريحة: الجميع يريد سوريا، لكن لا أحد يريد لها أن تستعيد إستقلالها الكامل. ولذلك، فإن التحدي الأكبر أمام الشرع ليس في إدارة العلاقة مع واشنطن أو موسكو أو أنقرة أو بكين، بل في تحديد سؤال واحد: هل ستبقى سوريا مشروعاً تتقاسمه القوى الكبرى، أم دولة تعيد صياغة دورها بنفسها؟ هذا هو الإمتحان الحقيقي. وهذه هي اللحظة التي سيحدد فيها الشرع إن كان مجرد حلقة في "نظام جديد" تصنعه واشنطن… أم بداية مرحلة سورية مختلفة.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا – ملف خاص – الجزء 5
-
طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وص
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
-
طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3
-
طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح ا
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
-
طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
-
ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات ال
...
-
ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
-
طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن
...
-
طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل
...
-
ألكسندر دوغين - لماذا تحتاج روسيا إلى إنترنت سيادي؟
-
طوفان الأقصى 774 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - 3-3
-
طوفان الأقصى 773 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - الجزء 2-3
-
طوفان الأقصى 772 - مراجعة لكتاب -الغد كان بالأمس: الحياة وال
...
-
طوفان الأقصى 771 - تغيّر بوصلة الغضب في الشرق الأوسط: قراءة
...
-
طوفان الأقصى 770 - السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر
...
-
طوفان الأقصى 769 - خطوة إلى الأمام... خطوتان إلى الوراء: قرا
...
المزيد.....
-
بوتين يعزف على آلة الـ -كوموز- في قرغيزستان خلال زيارة رسمية
...
-
كرّ وفرّ بين الشرطة الإسرائيلية والحريديم الرافضين للخدمة ال
...
-
-النظام ضعيف لكنه سيقاتل للبقاء-.. ضابط استخبارات تسلّل إلى
...
-
عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في شمال الضفة الغربية
-
عراقجي في باريس : ماذا ينتظر من فرنسا ؟
-
روسيا تصف المسار الدبلوماسي الحالي بشأن إنهاء الحرب في أوكرا
...
-
عراقجي لفرانس24: عملية تبادل السجناء مع فرنسا ستتم عند انتها
...
-
مغزى تهديد كاتس ضد لبنان وفرص تنفيذه
-
أخطر حريق في تاريخ هونغ كونغ الحديث يدمر 7 أبراج سكنية.. شاه
...
-
حريق كارثي في هونغ كونغ.. النيران تلتهم 8 أبراج مخلفةً 13 قت
...
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|