|
|
طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وصياغة مستقبل النفوذ الأميركي بأدوات جديدة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 00:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
26 نوفمبر 2025
مقدمة: لقاء تتحدّد عنده ملامح الحقبة الجديدة
لا يشبه اللقاء الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أيّ لقاء سابق في العلاقات الأميركية–السعودية. فبحسب دراسة المؤرخ والكاتب الروسي فاليري بورت المنشورة في «مؤسسة الثقافة الإستراتيجية» بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بعنوان: «محمد بن سلمان في البيت الأبيض: خطابات إطراء وثناء لا حدود له»، فإن الحدث «لم يكن مجرّد زيارة رسمية، بل إستعراضاً سياسياً مذهلاً يشي بأنّ واشنطن تعيد رسم قواعد النفوذ في الشرق الأوسط عبر بوابة الرياض». أما الكاتب والباحث أليكسي بوبروفسكي، فيذهب في مقاله المنشور في اليوم نفسه بعنوان: «هل تريد حبًا عظيمًا ونقيًا؟» على موقعه في تيليغرام إلى أن اللقاء بدا «أشبه بدعوة إلى العلية الخلفية في فيلم فورمولا الحب السوفياتي، لكن على الطريقة السياسية الأميركية… حيث يجتمع المال والنفوذ والطموح التكنولوجي في مشهد واحد». ما حدث لم يكن إجتماع ملفات، بل إجتماع رؤيتين: رؤية ترامب الباحث عن تثبيت التفوّق الأميركي، ورؤية إبن سلمان الساعي إلى توسيع مساحة القرار السعودي مستقلّة عن المعادلات القديمة.
1. “عودة ترامب”… وعودة الدبلوماسية غير التقليدية
يؤكد فاليري بورت أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض أعادت معه نهجاً يقوم على العلاقات الشخصية المباشرة. فترامب، الذي لطالما قدّم نفسه كرجل أعمال قبل أن يكون رئيساً، عاد ليؤكد أن العلاقات الدولية يمكن أن تُدار بمنطق “العرض الكبير” و“إبهار الشركاء”، وليس فقط بمنطق البيانات المشتركة أو البروتوكولات. ويكتب: «منذ عودته إلى السلطة، واصل ترامب بناء شبكة تواصل خاصّة مع قادة الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم الأمير محمد بن سلمان، بعيداً عن البروتوكولات التقليدية». هذه العلاقة الشخصية – وفق دراسة بورت – هي التي سمحت بفتح ملفات ضخمة دفعة واحدة، من الأمن الإقليمي إلى التكنولوجيا، ومن الطاقة إلى الإستثمار. وتعتبر الدراسة أن ابن سلمان أصبح «المحور الأساسي لأيّ هندسة أميركية جديدة في الشرق الأوسط»، وأن ترامب «يدرك أنّ مفتاح إستعادة التأثير الأميركي يمرّ عبر الصفقة الكبرى مع السعودية».
مشهد «فورمولا الحب»… حين يتحوّل الإجتماع السياسي إلى عرض مدروس
يعمد بعض المحللين الروس إلى إستحضار صور من الثقافة الشعبية لوصف الأداء السياسي لترامب. وفي هذا السياق، يشبّه الكاتب أليكسي بوبروفسكي طريقة إستقبال ترامب لإبن سلمان بمشهد شهير من الفيلم السوفياتي «فورمولا الحب»، حيث يستخدم البطل المحتال “كاليسترو” المؤثرات المسرحية ليُبهِر ضيوفه في علّية منعزلة، محوّلًا اللقاء إلى عرض يخطف الأنفاس. المغزى من هذا التشبيه ليس السخرية بقدر ما هو الإيحاء بأن اللقاء بين ترامب وولي العهد السعودي جرى ضمن إستراتيجية إستعراض سياسي محسوب: مزيج من الإبهار والرمزية وترتيب المشهد بعناية ليبدو وكأنه حدث إستثنائي؛ تمامًا كما يفعل كاليسترو في الفيلم حين يصنع وهماً أكبر من الحقيقة. بهذا المعنى، أراد ترامب أن يُظهر للعالم أن واشنطن لا تزال اللاعب الأكثر قدرة على جذب شراكات كبرى، وأن العلاقة مع السعودية ليست مجرد تحالف تقليدي، بل صفقة تاريخية مكتملة العناصر.
2. الإستثمار… من مئات المليارات إلى “تريليون محتمل”
هنا يقدّم مقال أليكسي بوبروفسكي أحد أهم المفاتيح التحليلية، إذ يكشف أنّ ما عُرض في اللقاء يتجاوز الخطاب السياسي. يكتب بوبروفسكي: «لم يكد ترامب يلمّح إلى رغبته في أن تستثمر المملكة 600 مليار دولار في التكنولوجيا الأميركية، حتى بادر وليّ العهد إلى القفز فوق الرقم قائلاً إنه مستعدّ لبلوغ التريليون». ويضيف: «هذه آخر الأموال “السهلة” في السوق العالمية بهذا الحجم، والولايات المتحدة تحتاجها لتوسيع قدراتها الطاقية لتغذية مراكز البيانات والذكاء الإصطناعي». بحسب بورت أيضاً، فإن الاستثمار السعودي ليس مجرد دعم اقتصادي: «إنه إستثمار في مستقبل النفوذ الأميركي نفسه، وفي موقع واشنطن داخل النظام التكنولوجي العالمي». الولايات المتحدة ترى في هذه الإستثمارات "الأوكسجين المالي" الضروري لتوسيع قدرات الطاقة وتشغيل مراكز البيانات العملاقة المرتبطة بالذكاء الإصطناعي. فواشنطن تدرك أن السباق العالمي على الذكاء الإصطناعي لا يمكن كسبه دون طاقة رخيصة ومستقرة، وهو ما يجعل السعودية لاعباً لا يمكن الإستغناء عنه في المعادلة الجديدة.
3. الطاقة والهيمنة الجديدة: النفط، الدولار… والصين التي تُقلق الجميع
الطاقة كانت في قلب المفاوضات، ولكن ليس من باب الإنتاج فقط، بل من باب السيطرة الجيوسياسية. ● السعودية لا تريد “سلة واحدة” يشير بوبروفسكي إلى أن السعودية «لا تريد وضع البيض في سلة واحدة»، وأنها تبيع نفطاً لآسيا باليوان، وهو ما يجعل واشنطن في حالة قلق حقيقي. ● الصين تدخل بخيار جديد: “سندات صينية بالدولار” يصفه بوبروفسكي بأنه «أخطر تهديد مالي يواجه الولايات المتحدة منذ عقود»، لأنه يمنح العرب خياراً ثالثاً خارج الثنائية التقليدية: الدولار وحده. ● كيف ترى واشنطن ذلك؟ وفق بورت: «تدرك الإدارة الأميركية أن كسر دائرة النفط–الدولار يعني تحوّلاً إستراتيجياً قد يفقد واشنطن إمتيازاً إستخدمته لخمسين عاماً». لهذا تسعى الولايات المتحدة، بحسب التحليلين، إلى إعادة ربط السعودية بمنظومة القرار الأميركي عبر صفقة شاملة: الإستثمار مقابل الحماية، والتكنولوجيا مقابل الشراكة، حيث تسعى واشنطن إلى إعادة جذب الرياض ومنعها من تعزيز محور بكين–الرياض–أبوظبي.
4. سباق الموارد: الأميركيون “يَشفِطون” موارد العالم
أبرز ما يقدّمه مقال بوبروفسكي هو وصفه الصادم للمشهد الدولي في مجال الطاقة. يكتب: «الجميع يعرف أن الأميركيين براغماتيون إلى حدّ الوقاحة، لكن رؤية ذلك عملياً تجعلك تقول: يا لهم من محتالين!». ثم يسرد وقائع مباشرة: •«شركة Exxon الأمريكية تبحث عن شراء أصول لوك أويل الروسية في كازاخستان». •«شركة Chevron تنظر في أصول لوك أويل داخل أوروبا الشرقية». •«شركة ConocoPhillips تتفق مع الشركة السورية الحكومية على إستثمار حقول النفط والغاز». ويعلّق: «العنوان الحقيقي للعالم اليوم: من يستطيع الوصول إلى مصادر الطاقة أكثر وأسرع؟». أما بورت فيربط هذه الدينامية بمستقبل الذكاء الإصطناعي، قائلاً: «حتى لو إنهارت فقاعة الذكاء الإصطناعي، فإن البنية التحتية لهذه الصناعة تحتاج إلى طاقة رخيصة ووفيرة… وهذا ما يجعل الخليج لاعباً مركزياً».
5. الأمير والعضلات الأميركية: “تحالف الضرورة”
يقول بورت في دراسته: «يرى ترامب في محمد بن سلمان نموذجاً للقائد القوي الذي يفضّله: صاحب قرار، وسريع الحسم، ويمتلك المال والموارد». بينما يعتبر بوبروفسكي أن واشنطن والرياض أصبحا في وضع “تبادل المصالح القصوى”: «الأمير يريد أدوات القوة الناعمة والتكنولوجية، والأميركيون يريدون المال والطاقة والإستقرار الإقليمي». هذا التحالف – كما يلفت الكاتبان – ليس إنحيازاً كاملاً من الطرفين، بل شبكة مصالح مُحكمة، يتقدّم فيها الملف التكنولوجي على الملف الأمني لأول مرة منذ نصف قرن.
خاتمة: صفقة القرن… لكن على الطريقة الفعلية لا الإعلامية
ما يجمع بين تحليلات فاليري بورت وأليكسي بوبروفسكي هو أنّ ما يجري بين ترامب وإبن سلمان ليس “حدثاً عادياً”، بل إعادة هندسة لنظام الهيمنة الأميركي، ولكن بأسلوب جديد: •المال الخليجي •التكنولوجيا الأميركية •الطاقة كحجر أساس •والصين كتهديد مشترك إنها ليست صفقة عابرة، ولا زيارة بروتوكولية، بل تفاهم طويل الأمد يغيّر قواعد اللعبة. وإذا صحّت التقديرات حول إستثمارات تتجاوز التريليون دولار، فإننا أمام تحالف لا يذكّر بنموذج “النفط مقابل الحماية”، بل بنموذج جديد يمكن تلخيصه بعبارة بوبروفسكي: «المال العربي يغذّي الآلة الأميركية… والأخيرة تعيد تدويره على طريقتها». أما المشهد الذي أراد ترامب أن يقدمه للعالم، فهو أن التحالف الأميركي–السعودي يمكن أن يكون منصة لإعادة صياغة النظام الإقتصادي العالمي، لا مجرد علاقة نفط مقابل أمن. وإذا كانت واشنطن تريد إحياء قوتها العالمية، فإن الطريق يمرّ — مرة أخرى وربما أكثر من أي وقت مضى — عبر الرياض. هكذا، يصبح السؤال: هل نحن أمام تحالف نفوذ جديد يعيد تشكيل الشرق الأوسط والعالم، أم أمام صفقة مؤقتة تعكس المرحلة، لا المستقبل؟
*****
هامش
فيلم «فورمولا الحب» (Formula Lyubvi) هو فيلم سوفياتي شهير من إنتاج عام 1984، يمزج الكوميديا بالفلسفة في إطار خفيف وساخر. يستند العمل إلى أسطورة الدجال الإيطالي “كاليسترو”، ويقدّم قصة يخالط فيها الوهم الحقيقة عبر حيل مسرحية ذكية وسجالات طريفة حول العلم، والسحر، وطبيعة الخداع الإنساني. يُعدّ الفيلم اليوم من كلاسيكيات السينما السوفياتية ذات الرمزية العميقة والأسلوب البصري المميز.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
-
طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3
-
طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح ا
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
-
طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
-
ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات ال
...
-
ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
-
طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن
...
-
طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل
...
-
ألكسندر دوغين - لماذا تحتاج روسيا إلى إنترنت سيادي؟
-
طوفان الأقصى 774 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - 3-3
-
طوفان الأقصى 773 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - الجزء 2-3
-
طوفان الأقصى 772 - مراجعة لكتاب -الغد كان بالأمس: الحياة وال
...
-
طوفان الأقصى 771 - تغيّر بوصلة الغضب في الشرق الأوسط: قراءة
...
-
طوفان الأقصى 770 - السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر
...
-
طوفان الأقصى 769 - خطوة إلى الأمام... خطوتان إلى الوراء: قرا
...
-
طوفان الأقصى 768 - إيران وتوقيت العودة إلى التخصيب: إستراتيج
...
-
طوفان الأقصى 767 - حرب متعددة الأبعاد: كيف يستخدم نتنياهو ال
...
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن عن -تفاهم مشترك- مع الولايات المتحدة بشأن خطة
...
-
400 ألف يورو غرامة لناشطين بيئيين بعد تعطيل مطار هامبورغ
-
ألبانيزي: الإبادة في غزة محت 69 عاما من التنمية
-
مسؤول روسي: وقف الحرب مع أوكرانيا مرهون بهذه الأهداف
-
وداعا لندن.. استطلاع يكشف سر جاذبية الإمارات للبريطانيين
-
اجتماع ثلاثي في مصر.. لبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة
-
زيلينسكي يسعى للقاء ترامب -في أسرع وقت-
-
حمدوك يحذر من عودة السودان إلى -الإرث المظلم-
-
إسرائيل.. نتنياهو يدرس إقالة كاتس وتغيير حقائب وزارية
-
فرنسا.. السجن لثلاثة أشخاص بتهمة التجسس لصالح لروسيا
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|