أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها















المزيد.....

طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8541 - 2025 / 11 / 29 - 01:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


29 نوفمبر 2025

مقدمة

يعرض الباحث الروسي نيكولاي سوخوف في مقالته المنشورة في 26 نوفمبر 2025 على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية قراءة نادرة في العمق حول التحولات الجارية داخل سوريا بعد أكثر من عقد على إندلاع الحرب. وعلى خلاف التحليلات السطحية التي تكرّر مقولات إنتهاء الصراع أو “عودة الدولة”، فإن سوخوف يقارب الواقع عبر قراءة تفكّك بنية النظام نفسه، وتحوّله إلى سلطة موزّعة بين مراكز مختلفة، بعضها رسمي وبعضها ناشئ، وأبرزها مجموعة أحمد الشرع التي باتت —وفق رؤية الكاتب— لاعبًا إداريًا وإقتصاديًا مؤثرًا.


أولًا: من "الحسم العسكري" إلى لحظة الإنهيار الإداري

يرى سوخوف أن ما بدا طويلًا كمسار إنتصار عسكري للنظام السوري كان في الواقع سيرورة إنهيار مؤسسي بطيء. فالدولة التي إستعاد جيشها السيطرة على مساحات واسعة خلال 2017–2019 لم تستطع بناء بنية إدارية وإقتصادية تسمح بإستدامة هذا “الإنتصار”.
ولهذا يشير الكاتب صراحةً إلى أنّ “المظهر الخارجي لعودة الدولة كان يخفي هشاشة متزايدة في مؤسساتها”. فالأمن حاضر، لكنه لا يحلّ مشكلة الخبز والوقود، ولا يعالج الفساد المتراكم، ولا يخفف الإختناق الإقتصادي الناتج عن العقوبات وغياب الموارد.
شيئًا فشيئًا، تتشكّل داخل سوريا منظومة سلطة موازية، تتضخم مع ضعف الدولة نفسه، وتتحوّل من مجرد مجموعات محلية إلى فاعلين سياسيين–إقتصاديين.

ثانيًا: مجموعة أحمد الشرع وصعود نموذج "الإدارة البديلة"

يركز سوخوف في مساحة واسعة من تحليله على الدور المتصاعد لمجموعة يديرها أحمد الشرع، موضحًا أنّ أهميتها لا تكمن في قوتها العسكرية، بل في قدرتها على ملء الفراغ الإداري.
ويشير إلى أن نشاط هذه المجموعة يشمل مناطق تمتد من البادية إلى ريف دير الزور، حيث “تقدّم خدمات وتنظم شؤونًا مدنية لم تعد الدولة قادرة على إدارتها”.
لا تبدو هذه الظاهرة معزولة، بل جزءًا من بنية جديدة تشبه "اللامركزية القسرية"، حيث تتراجع قدرة النظام على التحكم المباشر في الأطراف، فتظهر شبكات محلية تمتلك قدرة أكبر على الحركة والتنظيم.
وفي هذا السياق، يكتب سوخوف أنّ “المجموعة نجحت في بناء صورة عن نفسها كسلطة قادرة على إدارة الحياة اليومية، في وقت بدت فيه مؤسسات الدولة غائبة أو عاجزة”.
هذه العبارة جوهرية، لأنها تُظهر أن الشرع ليس “خصمًا عسكريًا”، بل بديلًا إداريًا.

ثالثًا: النظام بين القبول الإضطراري والتضييق المحسوب

واحدة من أهم نقاط المقال هي الإشارة إلى إزدواجية النظام السوري في التعامل مع هذه المجموعات. فهو من جهة مضطر لتركها تعمل لأنها تُبقي المناطق متماسكة، ومن جهة أخرى لا يستطيع الإعتراف بها أو السماح بتمدّدها بما قد يشكل تحديًا طويل المدى.
ولهذا يرى سوخوف أنّ سلوك دمشق يُدار تحت معادلة: التسامح الميداني + الضغط السياسي + محاولات الإحتواء.
وتبرز هنا جملة مهمة في النص العربي: “كان النظام يتعامل مع الظاهرة بقدر من البراغماتية، مدركًا أنّه لم يعد قادرًا على إدارة كل شيء مباشرة، لكنه حريصٌ في الوقت ذاته على منع تشكّل سلطة بديلة مكتملة الأركان”.
هذا التوازن غير المستقر يفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة حول مستقبل السلطة في البلاد.

رابعًا: موسكو… بين دعم الدولة وخشيتها من الإنهيار

يقدّم سوخوف رؤية دقيقة للدور الروسي، مبيّنًا أنه لا يتحرك بصفته “حليفًا مطلقًا للنظام”، بل كقوة لديها تعريف خاص لمفهوم الإستقرار في سوريا.
روسيا —بحسب النص— قلقة من أمرين متوازيين:
1. ضعف الدولة السورية أكثر مما ينبغي
2. وصعود الفاعلين المحليين بشكل يخرج عن السيطرة

ولهذا تظهر إزدواجية مشابهة لسلوك دمشق نفسها:
تتسامح موسكو مع بعض الترتيبات المحلية، لكنها تخشى أن تتحول إلى جزر نفوذ مستدامة تقوّض مركزية الدولة التي تعتبرها شرطًا لنجاح تدخلها.
وجاء في أحد الاقتباسات الواضحة: “لم تكن موسكو راضية عن تمدّد شبكات محلية خارج سيطرة دمشق، لكنها في الوقت ذاته لم ترغب في إنهيار الخدمات الذي كان سيهدد ثمار تدخلها في سوريا.”
هذا الوعي الروسي هو ما يدفعها —كما يصف سوخوف— إلى لعب دور "الوسيط القلق".

خامسًا: إيران و"إقتصاد النفوذ"

يقدّم الكاتب قراءة غير مباشرة لدور إيران، مبينًا أنّها تتصرف بمنطق مختلف تمامًا عن موسكو.
فبينما تبحث روسيا عن إستقرار مؤسسي، تعمل إيران على توسيع نفوذها عبر شبكات إقتصادية–إجتماعية يصعب تفكيكها لاحقًا.
ويأتي الإقتباس العربي: “كانت إيران ترى في تفكّك البنية الإدارية فرصة لتعزيز حضورها عبر شبكات محلية مرتبطة بها إقتصاديًا.”
هذه النقطة تكشف بوضوح أنّ الصراع في سوريا قد إنتقل من الميدان العسكري إلى ميدان السيطرة على المجتمع والإقتصاد المحلي.

سادسًا: نحو نظام سلطوي موزّع وليس دولة مركزية

في وصفه للمرحلة الراهنة، يقدم سوخوف خلاصة شديدة الدقة: “سوريا لم تعد دولة مركزية بالمعنى التقليدي، بل شبكة من السلطات المحلية التي تتعايش أحيانًا وتتصادم أحيانًا أخرى.”
هذه العبارة تختصر مسار 14 عامًا من الحرب.
النظام ما يزال موجودًا، لكنه لم يعد يمسك بزمام كل شيء.
المجموعات المحلية —مثل مجموعة الشرع— ليست بدائل كاملة، لكنها أصبحت ضرورية لبقاء بعض المناطق قابلة للحياة.
إنها ليست فدرالية، ولا كانتوناتها تشبه دول الأمر الواقع، لكنها نموذج جديد يمكن تسميته بـ السلطوية الموزّعة، حيث تتشارك الدولة ومراكز نفوذ أخرى إدارة المجتمع لا عن طريق التشريع، بل عن طريق الأمر الواقع.

سابعًا: ما بعد الحرب… دخول سوريا عصر "الإدارة"

يرى سوخوف أن سوريا دخلت مرحلة جديدة لم يحسن كثير من المراقبين توصيفها:
لا حرب شاملة، ولا سلام حقيقي، بل إدارة أزمة طويلة الأمد.
وتبرز هنا جملة مهمة وردت في النص الأصلي: “المعركة الحقيقية لم تعد في الميدان، بل في من يملك القدرة على توفير الخدمات وضبط الإيقاع المحلي.”
هذه الجملة تكشف عن تحوّل عميق: لم يعد السلاح هو المحدد الرئيسي للسلطة، بل من يملك القدرة على الإدارة.


ثامنًا: المعنى السياسي الأعمق لتحليل سوخوف

تكشف مقالة سوخوف —من خلال تفاصيلها ومقارناتها— أن مستقبل سوريا لن يتحدد عبر صفقة كبيرة واحدة، ولا عبر إنتقال سياسي شامل.
بل عبر توازنات طبقية–محلية–أمنية قد تستمر لسنوات طويلة.
الدولة باقية، لكنها ليست كما كانت.
والمجموعات المحلية حاضرة، لكنها ليست بديلًا كاملًا.
والفاعلون الخارجيون —من روسيا إلى إيران— مستمرون في التأثير، لكن محدودية قدرتهم على فرض نموذج واحد تجعل المشهد مفتوحًا على إحتمالات متعددة.

خاتمة

تكمن أهمية رؤية نيكولاي سوخوف في أنها لا تنظر إلى سوريا من زاوية سرديات “النصر” أو “الهزيمة”، بل من زاوية إعادة تشكّل السلطة في بلد خرج من حرب طويلة دون أن يخرج من دوامة أزماته.
وتُظهر الدراسة أن سوريا اليوم تعيش مرحلة إنتقالية غير معلنة، قوامها تفكك المركز وتنامي السلطات المحلية، وصعود لاعبين جدد مثل مجموعة أحمد الشرع، وتردد الحلفاء التقليديين بين دعم الدولة وإحتواء شبكات النفوذ الجديدة.

بهذا المعنى، ليست سوريا في طريق "الإستقرار" بالمعنى التقليدي، بل في طريق تثبيت واقع جديد تحكمه القدرة على الإدارة أكثر مما تحكمه القدرة على السيطرة العسكرية.
وهو واقع قد يطول، وقد يشكّل ملامح سوريا لسنوات وربما لعقود قادمة.

*****

هوامش

نيكولاي سوخوف
هو باحث روسي بارز يشغل منصب الباحث العلمي الرئيسي في مركز الدراسات الشرق أوسطية التابع لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO) في أكاديمية العلوم الروسية. يُعرف بتحليلاته المتعمقة حول سوريا والشرق الأوسط، وبدراسته لبُنى السلطة والفاعلين المحليين في مناطق النزاع.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا - ملف خاص - الجزء 6
- طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا – ملف خاص – الجزء 5
- طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وص ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
- طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3
- طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح ا ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
- طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
- ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات ال ...
- ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
- طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن ...
- طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل ...
- ألكسندر دوغين - لماذا تحتاج روسيا إلى إنترنت سيادي؟
- طوفان الأقصى 774 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - 3-3
- طوفان الأقصى 773 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - الجزء 2-3
- طوفان الأقصى 772 - مراجعة لكتاب -الغد كان بالأمس: الحياة وال ...


المزيد.....




- ترامب يعلن إلغاء -أي وثيقة- وقعها بايدن باستخدام القلم الآلي ...
- -مهام سرّية-.. تقرير يكشف دور مجنّدات إسرائيليات في عمليات ا ...
- مكالمة -مفاجِئة- بين ترامب ومادورو.. هل يلتقي الزعيمان قريبً ...
- فرنسا: توجيه اتهامات إلى شخص رابع يُشتبه بمشاركته في سرقة مت ...
- نعيم قاسم يطالب الحكومة اللبنانية بوضع خطة -لمواجهة إسرائيل- ...
- 50 دولة ومنظمة تنضم لـ-مركز تنسيق غزة-
- أحكام نهائية في قضية التآمر تعمّق مخاوف المعارضين في تونس
- قضايا التآمر و-التسفير- تحاصر المعارضة التونسية بأحكام قاسية ...
- جيش الاحتلال يُحول منازل بطوباس إلى ثكنات للتعذيب
- تعرف على تفاصيل توغل الاحتلال ببيت جن السورية وما سبقه من تو ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها