أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية من الداخل – دروس في الركود، الإصلاح، والانهيار الحتمي















المزيد.....



البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية من الداخل – دروس في الركود، الإصلاح، والانهيار الحتمي


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 12:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أليكسي فينينكو
موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية

ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


9 ديسمبر 2025


في مقالة جريئة ومثيرة للجدل نشرت في 5 ديسمبر 2025 على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية، يعود الدكتور أليكسي فينينكو، -دكتور في العلوم السياسية وأستاذ في كلية السياسة العالمية بجامعة موسكو الحكومية التي تحمل إسم لومونوسوف-، إلى واحدة من أكثر الفترات تحولاً وألماً في التاريخ الروسي الحديث: عصر البيريسترويكا في الإتحاد السوفياتي. بعنوان: "البيريسترويكا: بعد أربعين عاماً"، يقدم فينينكو تحليلاً معمقاً يتحدى الروايات الشائعة، معتبراً أن إعادة الهيكلة لم تكن حدثاً عشوائياً أو نتيجة خيانة فردية، بل كانت الخاتمة الطبيعية لعصر بريجنيف الذي إمتد عقوداً من الركود الخفي والتغييرات الإجتماعية العميقة. مستنداً إلى وثائق تاريخية، شهادات، وإقتباسات من محللين آخرين مثل "أندريه كورتونوف"* في "فالستارت غورباتشوف: مراجعة بعد عقود" و"فيودور لوكيانوف"* في "البيريسترويكا"، يرسم فينينكو صورة لإمبراطورية تآكلت من داخلها، حيث تحولت الإصلاحات المقصودة إلى تفكك غير متوقع. كأنه يروي ملحمة سقوط عملاق، يجعل القارئ يتساءل: هل كان الإتحاد السوفياتي محكوماً بالزوال منذ السبعينيات، أم أن فرصة الإنقاذ كانت موجودة لكنها ضاعت في صراعات داخلية؟

مع اقتراب الذكرى الأربعين لوصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في 1985، يصبح تحليل فينينكو أكثر أهمية في عالم يواجه اليوم أزمات تحول إجتماعي وإقتصادي مشابهة، حيث يمكن أن تؤدي التغييرات البطيئة إلى إنفجارات دراماتيكية.

مع إقتراب الذكرى الأربعين لوصول غورباتشوف وإطلاق "إستراتيجية التسريع" التي تحولت إلى البيريسترويكا، يؤكد فينينكو أن المناقشات حول هذه الأحداث لا تزال هامشية في العلوم السياسية، لكنه يصر على ضرورة العودة إليها لإستخلاص العبر. "في الأدبيات، يسود النظر إلى أحداث النصف الثاني من الثمانينيات كشيء عشوائي، ناتج بشكل أساسي عن آراء شخصية إما لغورباتشوف نفسه أو لمحيطه المقرب"، يكتب فينينكو،
لكنه يرفض هذا النهج، معتبراً أنه يغفل الأسباب الموضوعية التي نضجت داخل الإتحاد السوفياتي على مدى ثلاثين عاماً سابقة. في الواقع، كانت البيريسترويكا إمتداداً لعصر بريجنيف، لا نفياً له، وخاتمة طبيعية لـ"الركود" الذي أصبح لا يطاق. يبدأ تحليله بتحطيم أسطورة الصراع بين "المحافظين" و"الإصلاحيين" في القيادة السوفياتية. "رغم كل صعوبات البيريسترويكا وتفكك الإتحاد السوفياتي، لم يرفع أحد شعار: عودة إلى بريجنيف! أو لنعد إلى العام الذهبي 1982 وننسى كل شيء كحلم كابوسي! "، يقول فينينكو، مضيفاً أن الكره للركود وحد الجميع، من مؤيدي الإصلاح المعتدل إلى الراديكاليين.

في كونفرنس الحزب التاسع عشر عام 1988 (المؤتمر الحزبي التاسع عشر لكل الاتحاد، وهو مؤتمر إستثنائي وليس مؤتمرًا عاديًا، عُقد في 28 يونيو – 1 يوليو 1988، وكان حدثًا محوريًا في الإصلاحات السياسية)، كان "المحافظون" مثل إيغور ليغاتشوف* مبتكري التسريع والبيريسترويكا، أي إصلاحيون راديكاليون حسب معايير 1985-1986، بينما طالب بوريس يلتسين بتعميق الإصلاحات التي بدأتها "فرقة أندروبوف". "كان ذلك صراعاً ليس بين محافظين وإصلاحيين، بل بين مجموعات من الإصلاحيين. كان الجميع مع إصلاح النظام السوفياتي، والسؤال كان فقط إلى أي مدى وحدود"، يوضح فينينكو. حتى محاولة الإنقلاب في أغسطس 1991 من قبل "لجنة الطوارئ الحكومية" لم تطالب بعودة إلى الماضي؛ أعضاؤها كانوا من فريق غورباتشوف، ولم يذكروا إحياء الإيديولوجيا الشيوعية أو إلغاء الإصلاحات. "بمعنى آخر، لم يطرح الإنقلابيون حتى العودة إلى الإتحاد السوفياتي عام 1988، ناهيك عن أزمنة أقدم"، يلاحظ فينينكو، معتبراً ذلك حلقة في الصراع داخل معسكر الإصلاحيين.

يرفض فينينكو فكرة وجود "ستالينيين" حقيقيين يقاومون الإصلاحات، مشيراً إلى أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي عام 1956 أنهى وجودهم في القيادة. "رغم تنبؤات الأمريكيين، لم يثور أي ستالينيون ضد سياسة خروتشوف في المؤتمرين الحادي والعشرين أو الثاني والعشرين"، كما يذكر الكاتب. في السياسة الخارجية، لم يكن هناك إنقسام بين "ليبراليين" و"محافظين"؛ إقترض غورباتشوف فكرة "البيت الأوروبي المشترك" من بريجنيف وغروميكو، وفكرة "بقاء البشرية" من نادي روما. ويقتبس من السفير أناتولي دوبرينين: "في بداية 1984، راهنت القيادة السوفياتية على إستئناف الحوار مع واشنطن، ولم يكن هناك خلافات بين غروميكو وأندروبوف. كان لدى كليهما إقتناع متزايد بأن من الضروري البحث عن مخرج من المأزق العميق الذي وصلت إليه العلاقات السوفياتية الأمريكية، خاصة المفاوضات حول الحد من الأسلحة النووية".

أما ثقافة الإستهلاك، فقد أدت إلى عبادة الواردات. "أصبح الإنسان السوفياتي يصطاد الأشياء المستوردة، التي غالباً ما تُحصل عليها ب "ال blat أي الوساطة أو المعارف أو من الfarsovshik" أي من السوق السوداء بسعر أعلى*، يكتب، مقتبساً من فلاديمير فوينوفيتش*: "الآن، ينطق الشاب السوفياتي والغير شاب بتأثر نفسي ليس شعارات ثورية، بل أسماء شركات غربية وأشياء. كلمات مثل تشيسترفيلد ، باناسونيك أو مرسيدس تتحدث إلى قلبه أكثر من الحرية، المساواة والأخوة . الملابس الأجنبية مفضلة ليس فقط لمزاياها الحقيقية. ترتفع قيمة الجينز إذا كان على الجيب الخلفي ملصق موستنغ أو لي ، وتنخفض إذا لم يكن". هذا غذى الإستياء، خاصة أمام "الحياة الحلوة في الخارج". مع قوانين عمل ناعمة وضمانات إجتماعية عالية – تعليم مجاني، طب، إجازات مدفوعة – أصبح الشعب منتقداً دائماً، معتبراً الضمانات أمراً مفروغاً منه. "كان الإنسان السوفياتي غير راضٍ دائماً عن السلطة، لكنه يعتبر ضمانات ومزايا الإشتراكية* أمراً طبيعياً. فكرة مراجعتها كانت تبدو للسوفيات خارجة عن الحدود"، يقول الكاتب.

شكلت هذه العمليات أساس البيريسترويكا؛ بحثت القيادة منذ نهاية السبعينيات عن إعادة إطلاق الإقتصاد عبر تقليص الإلتزامات الإجتماعية وسوق عمل متنقل. رحب الشعب بسقوط الحزب دون تفكير في فقدان الضمانات، مما يفسر اللامبالاة تجاه إزاحة الحزب الشيوعي.

لم تكن القيادة غافلة عن هذه العمليات السلبية. في الستينيات، جرت محاولات إصلاح مثل "إصلاح كوسيغين"* المستوحى من النموذج الهنغاري، لكنها توقفت بعد أزمة تشيكوسلوفاكيا 1968. "كانت محاولات إصلاح الإقتصاد السوفياتي في الستينيات موجهة نحو زيادة الكفاءة والمبادرة المحلية. لكن هذه الإصلاحات لم تكتمل بسبب مقاومة جزء من النومنكلاتورا*، وتم تجميدها فعلياً بعد أزمة تشيكوسلوفاكيا 1968"، يكتب فينينكو. نجح نموذج آخر: "فينومين الداتشا"، الذي أصبح جماهيرياً في الستينيات. "في الإتحاد السوفياتي، ظهرت طبقة إجتماعية هائلة من الحضريين الذين يمتلكون أرضاً خاصة ويمارسون العمل الزراعي بإنتظام بعد بناء بيت ريفي صغير. هذا خلق طبقة جديدة من الملاك الصغار"، يوضح، مضيفاً أن الدولة شجعت ذلك بهدف تعزيز الأمن الغذائي، لكنه أضعف الإيديولوجيا الجماعية. "بدلاً من مسيرات الأول من أيار مايو، سعى الإنسان السوفياتي في السبعينيات إلى الفرار إلى الداتشا ، أي العمل على أرضه الخاصة"، يقول، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى "اللامبالاة السياسية " وإنخفاض التنقل الإجتماعي أي تغيير مكان السكن أو الوظيفة وهو ما يسمى تكلس المجتمع، حيث أصبحت الداتشا ساحة لإقتصاد الظل غير المسجل.

لعب إقتصاد الظل دوراً حاسماً في تغيير المنظر الإقتصادي. "تجارة الظل، رغم مطاردتها قانونياً، أصبحت ظاهرة واسعة، تقوض أسس النظام المبني على التخطيط المركزي وتخلق قنوات بديلة لتوزيع الموارد الإستهلاكية"، يكتب فينينكو. نشأت طبقة مرتبطة بإقتصاد الظل، يحلمون بشرعنة دخولهم، لكن ذلك أدى إلى فساد في الهياكل الأمنية، كما في "القضية الأوزبكية" و"قضية القطن"* تحت أندروبوف. "كانت قضية "متجر إليسيفسكي"*، التي حظيت بتغطية واسعة عام 1984، تلقي بظلالها حتى على عائلة بريجنيف"، يذكر المؤلف. ويقتبس من كوسولابوف: "بدون سوق الظل، الذي كان موجوداً دائماً في الإتحاد السوفياتي السابق، لكان إقتصاد التخطيط المركزي قد إختنق وتوقف في أشهر، وفي بداية الثمانينيات – في أسابيع. لكن إعتماد السوق (أي الإعتراف به وإخراجه من الظل إلى النور) لم تسمح به الإيديولوجيا".

أدى ذلك إلى نقاشات إصلاح زمن أندروبوف عام 1983، بما في ذلك الإنتقال إلى إقتصاد السوق وشرعنة الملكية الخاصة. "في الواقع، كانت هذه أجندة البيريسترويكا الناشئة. الشعار الشائع عام 1988 البيريسترويكا تبدأ اليوم! كانت قد بدأت بالفعل أمس – في فترة إدراك إستحالة تمديد نظام بريجنيف"، يؤكد فينينكو.
كانت الإيديولوجيا في ركود؛ منذ إعادة تسمية الحزب عام 1952 إلى (كي بي إس إس)، أعلن "نحن لسنا بلاشفة بعد ذلك"*. "في 1956، أدانت الحزب (KPSS) عصر ستالين، في 1964 – إرادية خروتشوف، في 1983 – ركود بريجنيف. بقيت فقط الفترة اللينينية مشروعة، وهي بدون تروتسكي"، يكتب فينينكو، مما أثار تساؤلات: "ما هو حزبنا إذا كان تاريخه كله خاطئاً وغير مشروع؟".

أدى ذلك إلى نخبة براغماتية خالية من "التعصب والغلو"*. "بعد 1956 وخاصة 1964، فهمت النخبة الحزبية: غداً سيأتي قائد جديد يدين الفترة الحالية أيضاً"، يقول الكاتب. تغيرت التركيبة الإجتماعية؛ غادر جيل الثورة، وجاء أبناء الريف البراغماتيين. "الفلاح في جوهره بعيد عن أي تعصب إيديولوجي، ويهتدي بحكمة الحياة: الأفضل عدو الجيد *، فقط ألا تكون هناك حرب *، هل أنت الأكثر حاجة؟ *، يصف المؤلف. كما تغيرت الأعياد؛ أصبح عيد النصر في 9 أيار مايو هو الرئيسي، وتراجع عيد الثورة 7 تشرين الثاني نوفمبر. "لم يكن هناك متاحف مخصصة لثورة أكتوبر أو الحرب الأهلية، رغم أنها كانت الحدث التأسيسي"، يلاحظ فينينكو.


إنتشرت آراء لتقييد صلاحيات الحزب منذ السبعينيات، خاصة بعد دستور 1977 الذي جعل الحزب "القوة الرائدة"، مما جعله مسؤولاً عن كل المشاكل. ويقتبس من لوكيانوف: "الإقتصاد الشعبي، إمداد السكان، العقد الرئيسية في العلاقات الدولية – كل ذلك كان في مجال نظر البوليتبورو والسكرتاريا المركزية". ضرب أندروبوف ضربة نهائية بقوله عام 1983: "نحن لا نعرف المجتمع الذي نعيش فيه"*، مما أثار تساؤلات عن دور الحزب.

في عصر بريجنيف المبكر، زادت الليبرالية؛ إعتنقت المعاهد نظرية التقارب، وتعاونت مع الولايات المتحدة. "في نهاية الستينيات، قاد كوسيغين مفاوضات مع الولايات المتحدة لإنشاء معهد علمي دولي لنمذجة المشكلات العالمية"، يكتب، مشيراً إلى المعهد الدولي للتحليل النظامي التطبيقي. صدرت "مكتبة الأدب العالمي" في 200 مجلد عام 1967-1977، مدمجة الأدب السوفياتي في العالمي. إنخفض القمع، لكن "النقد النظامي" إزدهر عبر "الماركسية النقية" مقابل الماركسية-اللينينية الرسمية.

شكل ذلك ثقافة "شبه معارضة": "أدب الملازم"* عن أخطاء القيادة في الحرب، الأدب الريفي بنوستالجيا للقرية، إعادة تقييم "البيض" ، وخيال علمي ساخر. "كل ذلك أدى ليس فقط إلى تآكل الإيديولوجيا الشيوعية، بل إلى إعتبارها شيئاً بعيداً مع اللينينية"، يقول الكاتب. ومع تشديد الرقابة بعد 1976، إزداد إستياء النخبة الفكرية، التي أصبحت ساخرة تجاه الإيديولوجيا، مع إنتشار النكات عن البوليتبورو والإستماع الجماهيري للإذاعات الغربية. "أصبح المنشق النظامي * شائعاً بين النخبة الفكرية: شخص يعبر عن الولاء للحزب خارجياً، لكنه يتعاطف مع المنشقين والحياة الغربية داخلياً"، يضيف فينينكو، مشيراً إلى أن هذه النخبة كانت جاهزة للبيريسترويكا منذ زمن، حيث "في نهاية الثمانينيات، كان شعار البيريسترويكا تبدأ اليوم! يكمل بـ ابدأ بنفسك! ، لكن النخبة السوفياتية نفذت ذلك بالفعل".

في الجمهوريات، يرى فينينكو الفرق مع الصين: "الوحدة الإدارية الأساسية كانت الجمهوريات الإتحادية، التي تمتلك سمات الدولة". كانت لديها دساتير، عواصم، لغات، وحق الخروج من الإتحاد السوفياتي. "في منتصف السبعينيات، بدأت بعض الجمهوريات (خاصة الأوكرانية والأوزبكية، والبلطيق) توسيع صلاحياتها بشكل غير رسمي"، يكتب فينينكو. دساتير 1978 أثارت نزاعات، كما في جورجيا عام 1978 حيث إحتج الشباب القوميون ضد منح اللغة الأبخازية والروسية وضعاً رسمياً. وبعد غورباتشوف، تصاعدت التوترات: "كان قادة الجمهوريات يخشون إستمرار سياسة أندروبوف المضادة للفساد، إذ جعل إنتشار إقتصاد الظل النخب الجمهورية عرضة للخطر". أحداث ألما أتا في كازاخستان عام 1986*، مع إزاحة دينموحاميد كوناييف وتعيين غير محلي، أثارت احتجاجات "جيلتوزغان" الفومية، وأدخلت القوات. "أدت هذه الأحداث إلى مخاوف قادة الجمهوريات الأخرى من السيناريو الكازاخستاني "، يقول الكاتب. وأدى "إجتثاث الستالينية" إلى صراعات في مولدوفا، جورجيا، ناغورنو كاراباخ، ودول البلطيق، حيث أصبح نقد ميثاق مولوتوف-ريبنتروب* ذريعة لـ"جبهات الشعب"* الرامية للخروج من الإتحاد. "في 1988-1989، أصدرت مجالس أعلى في إستونيا، جورجيا، أرمينيا، أذربيجان إعلانات السيادة"، يلاحظ المؤلف. وفي 1990، تبعت روسيا الآخرين* (التي شعرت بالتمييز بسبب عدم وجود حزب شيوعي خاص بها) ومعظم الجمهوريات، وإتفق ممثلو الجميع (عدا البلطيق) على معاهدة إتحادية جديدة. "بدأ التفكك الحقيقي قبل إتفاقية بيلوفيجسكايا* لإنهاء الإتحاد السوفياتي: كانت نهاية عمليات بدأت عام 1978".

في الخاتمة، يؤكد فينينكو أن البيريسترويكا لم تكن مصادفة أو خيانة، بل نتيجة منطقية لأزمة نظام بريجنيف. "كانت البيريسترويكا تظهر كيف تتحول النظريات السياسية المجردة بسهولة إلى واقع سياسي"، يختم حديثه.
أما دروسها للعالم فهي: الإنهيارات تأتي من عمليات رمادية غير ملحوظة، وتجاهلها يؤدي إلى أخطاء نظامية لا رجعة فيها. في زمننا، حيث تواجه الدول تحديات مشابهة، يبقى تحليل فينينكو تذكيراً بأن التغيير، مهما كان ضرورياً، يمكن أن يؤدي إلى تفكك إذا لم يدار بحكمة.

*****

هوامش


1) أندريه كورتونوف هو دبلوماسي وخبير روسي في العلاقات الدولية، مولود عام 1957، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ، وعمل مديراً عاماً للمجلس الروسي للشؤون الدولية (ريسمد) من 2011 إلى 2025. يُعتبر من أبرز المحللين الروس في السياسة العالمية، وهو عضو في نادي فالداي الدولي للحوار.

أما نصه "فالستارت غورباتشوف: مراجعة بعد عقود" (نُشر في 3 مارس 2025 في مجلة "روسيا في السياسة العالمية")، فهي مراجعة نقدية موجزة لكتاب ميخائيل غورباتشوف "البيريسترويكا والتفكير الجديد لدولتنا وللعالم" (1987). يصف كورتونوف أفكار غورباتشوف حول قضايا مثل سباق التسلح، النزاعات الإقليمية، أزمة البيئة، والفجوة بين الغنى والفقر بأنها "فالستارت" – أي بداية خاطئة أو مبكرة – لأنها وقعت على أرض غير مستعدة، مشابهة لتقرير نادي روما في السبعينيات، ولم تحقق تأثيراً دائماً رغم صحتها. يُبرز كورتونوف أن العالم في الثمانينيات تجاهل هذه الاقتراحات، مما ساهم في فشل الإصلاحات.

2) فيودور لوكيانوف هو محلل سياسي روسي بارز، رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية" (Russia in Global Affairs) منذ 2002، ورئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي (SVOP)، وأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو. مولود عام 1967، وهو خبير في السياسة الخارجية الروسية والعلاقات الدولية، عضو في نادي فالداي، وكتب مئات المقالات حول الجيوسياسة والأمن العالمي.

أما مقالته "البيريسترويكا؟ بيس!" (Perestroika? Bis!، معناها "البيريسترويكا؟ مرة أخرى!" كإشارة موسيقية للتكرار)، المنشورة في 3 مارس 2025 في مجلته، فهي تحليل نقدي موجز لعصر البيريسترويكا كدرس للأزمات الحالية، يربط بين فشل الإصلاحات الغورباتشوفية (مثل "التفكير الجديد") والتوترات العالمية اليوم، محذراً من تكرار "البداية الخاطئة" (falstart) في السياسات الدولية، ويؤكد أن العالم يعيد تمثيل تلك الفوضى على نطاق أوسع.

3) إيغور ليغاتشوف (1920-2021) كان أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي السوفياتي في عصر البيريسترويكا، عضو المكتب السياسي (1985-1990)، وسكرتير اللجنة المركزية المسؤول عن الإيديولوجيا.
يُعتبر رمز "الجناح المحافظ" داخل قيادة غورباتشوف، لكنه في الواقع كان من أوائل داعمي التسريع والإصلاح في 1985-1986، ثم أصبح معارضاً للتطرف الليبرالي والتفكك.

4) نادي روما (The Club of Rome) هو منظمة فكرية دولية غير حكومية أُسست عام 1968 على يد رجل الأعمال الإيطالي أوريليو بيتشي والعالم الاسكتلندي ألكسندر كينغ.
اشتهر بتقريره الشهير "حدود النمو" (1972) الذي حذر من انهيار الحضارة إذا استمر النمو السكاني والاقتصادي والتلوث بالوتيرة نفسها، وأثر تأثيراً كبيراً على النقاش العالمي حول التنمية المستدامة.

5) النومنكلاتورا البريجنيفية هي الطبقة الحاكمة من كبار المسؤولين الحزبيين والحكوميين والعسكريين والاقتصاديين الذين تشكلوا وترسخوا في السلطة خلال حكم ليونيد بريجنيف (1964-1982).
تميزت بكونها جيلاً براغماتياً غير إيديولوجي، يركز على الاستقرار والامتيازات الشخصية، وأصبحت رمزاً للركود والفساد والشيخوخة السياسية في السبعينيات والثمانينيات.

6) المادة السادسة من دستور الاتحاد السوفييتي لعام 1977 تنص على أن «الحزب الشيوعي السوفياتي هو القوة الرائدة والموجهة للمجتمع السوفياتي ونواة نظامه السياسي وكل المنظمات الحكومية والاجتماعية».
كانت هذه المادة تكريساً قانونياً لاحتكار الحزب الشيوعي للسلطة، وأُلغيت رسمياً في مارس 1990 خلال البيريسترويكا كخطوة نحو التعددية السياسية.

7) البوليتبورو (المكتب السياسي) هو الهيئة العليا الفعلية للحزب الشيوعي السوفييتي، وكان يضم عادة 10-15 عضواً من أكبر قادة الحزب.
خلال العهد السوفياتي، كان هو صاحب القرار النهائي في كل شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ويُعتبر أعلى سلطة فعلية في الإتحاد السوفياتي، فوق الرئيس والحكومة رسمياً.

7) "الحرس البريجنيفي" هو التعبير الذي يُطلق على المجموعة المقربة من ليونيد بريجنيف (مثل تشيرنينكو، غروميكو، أوستينوف، سوسلوف، تيخونوف) التي سيطرت على البوليتبورو في السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
كانوا رمزاً للشيخوخة والمحافظة والتمسك بالامتيازات، وتم إقصاء معظمهم أو تهميشهم بسرعة في عهد أندروبوف (1982-1984) ثم غورباتشوف.

8) نيكولاي ريجكوف (1929-2024) كان رئيس وزراء الإتحاد السوفياتي من 1985 إلى 1991، أي آخر رئيس حكومة في تاريخ الإتحاد السوفياتي.
عُين من قبل غورباتشوف، وكان مهندساً صناعياً ومديراً لمصنع «أورالماش» العملاق، ثم وزيراً، ويُعتبر من أبرز أعضاء «فريق أندروبوف» الإصلاحي في البداية، لكنه أصبح لاحقاً رمزاً للمقاومة المعتدلة للتطرف الاقتصادي في سنوات البيريسترويكا الأخيرة.

9) يقصد أن الأدب الأوروبي الكلاسيكي (من بالزاك إلى ريمارك) مليء بشخصيات من القرى أو الطبقات الفقيرة تتحمل المعاناة الشديدة في المدن (السكن الرديء، الجوع، العمل الشاق) فقط لكي «تتشبث بالمدينة» وتحقق حلم الارتقاء الاجتماعي، تماماً كما فعل الفلاحون السوفيات في عصر التصنيع الستاليني (الثلاثينيات–الخمسينيات).

لكن جيل السبعينيات–الثمانينيات (أبناء وأحفاد هؤلاء) أصبحوا بالفعل حضريين، يعيشون في شقق منفصلة، ولم يعودوا مستعدين لتحمل نفس التضحيات، فتحولت طموحاتهم من «مجرد البقاء في المدينة» إلى «شقة أفضل، سيارة، أثاث، تعليم للأولاد»، تماماً كما انتهى عصر «القروي في المدينة الكبيرة» في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

10) ميخائيل بوغاكوف (1891-1940) هو أعظم كاتب ساخر روسي في القرن العشرين، مؤلف رواية "المعلم ومارغريتا" (كُتبت 1928-1940 ونُشرت كاملة فقط عام 1966-1967).

في الرواية، هناك جملة شهيرة يقولها وولاند (الشيطان): «المسألة السكنية أفسدت سكان موسكو أخلاقياً»، ويقصد بها أن نقص الشقق والبيروقراطية السوفياتية حوّلت الناس إلى أنانيين وفاسدين. فينينكو يستخدمها ليقول إن بوغاكوف كتبها في الثلاثينيات عندما كانت المشكلة السكنية موجودة لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الجنون في السبعينيات–الثمانينيات، حيث أصبحت السبب الرئيسي للاستياء الشعبي اليومي من النظام.

11) بوريس ميجوييف (مواليد 1969) هو فيلسوف وسياسي روسي محافظ بارز، أستاذ في كلية الفلسفة بجامعة موسكو الحكومية، ونائب رئيس تحرير صحيفة "إزفيستيا".
اشتهر بتحليلاته للأيديولوجيا السوفياتية المتأخرة، ويُعتبر من أوائل من أشار إلى أن النخبة الفكرية السوفياتية في الثمانينيات كانت تحسد الولايات المتحدة على الجيش المتعاقد (بدلاً من التجنيد الإجباري لمدة سنتين)، وترى الخدمة العسكرية السوفياتية عبئاً يعيق التعليم والحياة المهنية.

12) - بالبلاط (по блату): يعني الحصول على سلع نادرة أو خدمات من خلال «العلاقات الشخصية» أو «المعارف» داخل النظام.
كان الطريقة الرسمية غير الرسمية لتجاوز الطوابير والنقص: تعرف مدير متجر، طبيب، مسؤول تذاكر، فتحصل على الشيء «بالبلاط» دون دفع زيادة كبيرة.

- من الفارصوفشيك (у фарцовщиков): الفارصوفشيك هو المضارب في السوق السوداء الذي يبيع السلع المستوردة (جينز، أحذية، أسطوانات، علكة، ساعات...) بأسعار مرتفعة جداً.
كانوا يشترونها من الأجانب (سياح، بحارة، دبلوماسيين) أو يهربونها، ويبيعونها سراً في الشوارع أو الأسواق الخلفية، وكان التعامل معهم خطراً قانونياً لكنه شائع جداً في السبعينيات–الثمانينيات.

باختصار: «بالبلاط» = بالواسطة والمعارف، «من الفارصوفشيك» = من السوق السوداء بفلوس كثيرة.
هاتان الطريقتان كانتا الوسيلتين الوحيدتين تقريباً للحصول على أي شيء غربي أو نادر في الاتحاد السوفييتي المتأخر.

13) فلاديمير فوينوفيتش (1932-2018) كاتب ساخر روسي سوفياتي شهير، مؤلف الثلاثية الكوميدية الشهيرة «حياة ومصير الجندي إيفان تشونكين».
طُرد من الاتحاد السوفياتي عام 1980 بسبب كتاباته الساخرة، وعاش في المنفى حتى 1990، وكان أحد أبرز أصوات المعارضة الأدبية في عصر الركود البريجنيفي.

14) ضمانات الاشتراكية التي كان السوفياتي في السبعينيات–الثمانينيات يعتبرها «أمراً مفروغاً منه»:

- عمل مضمون للجميع (المادة 40 من الدستور)
- شقة مجانية (ولو بعد سنوات طويلة في الطابور)
- تعليم عالٍ مجاني + منحة دراسية
- علاج مجاني كامل
- رياض الأطفال ورياض الأطفال الصيفية شبه مجانية
- إجازة مدفوعة شهر كامل (أحياناً 40 يوماً)
- معاش تقاعدي مبكر (55 للنساء، 60 للرجال) + علاج منتجعات مجاني
- أسعار رمزية للنقل، الكهرباء، الخبز، الحليب للأطفال

كانت هذه الحزمة تبدو «طبيعية» للسوفياتي، لكنها كانت في الواقع استثنائية مقارنة بباقي العالم، واعتبرها الناس «حقاً مكتسباً لا يمكن المساس به»، حتى عندما انهار النظام واختفت معه.

14) إصلاح كوسيغين (1965) هو الاسم الشائع للإصلاح الاقتصادي الذي قاده رئيس الوزراء أليكسي كوسيغين في منتصف الستينيات.

الجوهر باختصار شديد:
- تقليص الأوامر المركزية من موسكو وإعطاء المصانع حرية أكبر في التخطيط والأرباح.
- ربط أجور العمال والمديرين بالربح الحقيقي بدلاً من مجرد تنفيذ الخطة بالطن.
- السماح للمصانع ببيع جزء من إنتاجها مباشرة وبأسعار أعلى.

كان أكبر محاولة لإدخال عناصر «سوقية» داخل الاشتراكية السوفياتية، ونجح جزئياً في 1966-1970، لكن تم تجميده تدريجياً بعد أزمة تشيكوسلوفاكيا 1968 خوفاً من «الانحراف الليبرالي»، وانتهى عملياً بحلول 1972-1973.

16) القضية الأوزبكية وقضية القطن هما نفس القضية الكبرى، واسمها الرسمي «قضية القطن الأوزبكية» (1983-1989)، وكانت أكبر فضيحة فساد في تاريخ الاتحاد السوفييتي.
باختصار شديد:
- قيادة الحزب في أوزبكستان (بقيادة شاروف رشيدوف لسنوات طويلة) كانت تزوّر أرقام إنتاج القطن لعقود، فتبلغ موسكو أرقاماً خيالية (ملايين الأطنان غير موجودة) لتحصل على مكافآت وميزانيات ضخمة.
- المال كان يُسرق بالمليارات، ويُوزّع على شبكة فساد هائلة تصل إلى موسكو (بما في ذلك أقارب بريجنيف).
- اكتُشفت القضية في عهد أندروبوف (1983)، فتم إعدام نائب وزير داخلية الاتحاد وعدد من كبار المسؤولين الأوزبك، وسُجن الآلاف.
- استمر التحقيق حتى 1989، واعتُبر رمزاً لمدى فساد «النومنكلاتورا البريجنيفية» في الجمهوريات، وكانت واحدا من المسامير الأخيرة في نعش النظام القديم.

17) قضية متجر إليسيفسكي (1982-1984) هي أشهر قضية فساد في موسكو أواخر عهد بريجنيف.

باختصار شديد:
- متجر إليسيفسكي الشهير في شارع غوركي (الآن تفيرسكايا) كان يبيع المنتجات النادرة «تحت الطاولة».
- مدير المتجر يوري سوكولوف وشبكته كانوا يسرقون بمئات الملايين من الروبلات (بالأسعار القديمة)، يشترون السلع النادرة من المصانع والمزارع ويبيعونها بأسعار السوق السوداء، ويوزعون الرشاوى حتى مستوى أعلى قيادات موسكو.
- اكتُشفت القضية في عهد أندروبوف، فتم إعدام سوكولوف رمياً بالرصاص عام 1984 (آخر إعدام بتهمة اقتصادية في الاتحاد السوفييتي)، وسُجن المئات.
- القضية ضربت سمعة قيادة موسكو (فيكتور غريشين) ووصلت حتى عائلة بريجنيف (ابنته وابن زوجها كانا متورطين بشكل غير مباشر)، وأصبحت رمزاً لفساد النخبة البريجنيفية في العاصمة نفسها.

18) نيكولاي كوسولابوف (1940-2012) كان عالم سياسة سوفياتي/روسي بارز، أستاذاً ومديراً لمعهد الفلسفة في أكاديمية العلوم السوفياتية، وأحد أبرز منظّري «المرحلة المتأخرة» للاشتراكية.

اشتهر في عصر البيريسترويكا بتحليلاته الجريئة عن إقتصاد الظل والأزمة الجهازية، وكان من أوائل من قال علناً إن الاقتصاد الخاضع للتخطيط المركزي لا يستطيع العمل بدون السوق السوداء، وإن «إدخال اقتصاد السوق» كان مستحيلاً بسبب الإيديولوجيا (وهو الاقتباس الذي يستخدمه فينينكو).

19) "نحن لسنا بلاشفة".

يقصد أن الحزب الشيوعي السوفياتي، عندما غيّر اسمه رسمياً في المؤتمر التاسع عشر عام 1952 من «الحزب البلشفي الشيوعي لعموم الاتحاد» إلى «الحزب الشيوعي السوفياتي» فقط، أعلن عملياً أنه تخلى عن الطابع الثوري-القتالي-الراديكالي الذي كان يحمله لقب «البلشفي» (أي «الأكثرية» المتشددة في زمن لينين).

بكلمة واحدة:
«نحن لم نعد ثواراً متشددين، بل حزب دولة إداري مستقر»، وهذه كانت أول إشارة رسمية إلى نهاية «الروح البلشفية» وتحول الحزب إلى جهاز بيروقراطي عادي.

20) نخبة براغماتية خالية من الفاناتيكية.
يقصد أن قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي بعد ستالين (خاصة من منتصف الخمسينيات فصاعداً) لم يعد فيها «فاناتيكيون ثوريون» مستعدون للموت من أجل الفكرة كما في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

بدلاً من ذلك، أصبحت النخبة مجموعة من البراغماتيين المهنيين الذين:
- يهمهم أولاً الحفاظ على السلطة والامتيازات والكرسي.
- يطبّلون لأي قائد جديد مهما كان اتجاهه (خروتشوف → بريجنيف → أندروبوف → غورباتشوف).
- لا يؤمنون فعلياً بالشيوعية كعقيدة، بل يستخدمونها فقط كشعارات لتبرير بقائهم في السلطة.

باختصار: «لم يعد أحد يموت من أجل الشيوعية، الكل يريد فقط أن يعيش جيداً ويحافظ على منصبه».

21) «الأفضل عدو الجيد» (بالروسية: Лучшее — враг хорошего) هو المثل الروسي الشائع الذي يعني:

«لا تحاول تحسين شيء جيد بالفعل، لأن المحاولة غالباً ما تفسده وتؤدي إلى الأسوأ».

كان هذا المبدأ هو فلسفة الحياة اليومية للنومنكلاتورا البريجنيفية والمواطن العادي في عصر الركود:
«الأمور ماشية؟ لا تعبث، لا تجازف، لا تطلب المزيد، لأنك قد تخسر حتى القليل الذي لديك».

هو عكس تماماً للشعار البلشفي القديم «كلما زاد سوءاً، كلما كان أفضل».

22) «فقط لا تكن حرب» (лишь бы не было войны)
كان هذا الشعار الأول والأهم للمواطن السوفياتي العادي في عصر بريجنيف والثمانينيات.

المعنى باختصار شديد:
«كل شيء مقبول (النقص، الطوابير، الفساد، الرواتب الضعيفة، الكذب الرسمي…) طالما لا تقوم الحرب».

بعد 30 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، صار الخوف من حرب جديدة (نووية أو تقليدية) هو الكابوس الأكبر، فتقبل الناس الركود والقمع مقابل «السلام» ولو كان زائفاً.
كان هذا الموقف هو الدعامة النفسية الأساسية التي حافظت على استقرار نظام بريجنيف لعقود.

23) «هل أنت الأكثر حاجة؟» (тебе что, больше всех надо?)
هي العبارة الروسية الساخرة الشهيرة التي كان يقولها السوفياتي لأي شخص يحاول يشتكي أو يطالب بحق أو ينتقد النظام أو يحاول يغير شيئاً.

المعنى باختصار شديد:
«اسكت وتواضع، لا تبرز رأسك، لا تكن أذكى من الجميع، خذ نصيبك وخلّص، لأن الذي يحاول ان يكون بطلا سيخسر».
كانت هذه العبارة هي صمام الأمان النفسي والاجتماعي لعصر الركود: كل من يخرج عن القطيع يُتهم بأنه «متكبر» أو «مختل»، فيُعاقب أو يُهمَّش.
بكلمة واحدة: «لا تبرز راسك».

24) «نحن لا نعرف المجتمع الذي نعيش فيه»
هي العبارة الشهيرة التي قالها يوري أندروبوف علناً في اجتماع اللجنة المركزية يوم 15 يونيو 1983.

المعنى باختصار شديد:
«بعد 66 سنة من الحكم، نحن (الحزب والدولة) لا نفهم فعلياً كيف يعيش الناس، وما هي احتياجاتهم الحقيقية، وكيف يعمل المجتمع فعلاً، وكل إحصاءاتنا وتقاريرنا كذب وتزييف».

كانت هذه أول اعتراف رسمي من أعلى هرم السلطة بأن النظام فقد الاتصال بالواقع تماماً، وأن كل شيء مبني على أوهام وأكاذيب، وهي الجملة التي فتحت الباب عملياً للبيريسترويكا وانهيار الثقة في النظام كله.

25) أدب الملازم (лейтенантская проза) هو تيار أدبي سوفياتي ظهر في الخمسينيات–الستينيات، كتبه ضباط شباب شاركوا في الحرب العالمية الثانية (مثل يوري بونداريف، فاسيل بيكوف، غريغوري باكلانوف).

الموضوع الأساسي: يروون الحرب من وجهة نظر الملازم الصغير في الخطوط الأمامية، ويكشفون الأخطاء الفادحة والخسائر غير الضرورية بسبب غباء القيادة العليا والستالينية، مما كان يُعتبر نقداً خفيفاً للنظام تحت ستار «الواقعية الحربية».

26) المنشق النظامي (системный диссидент) هو الشخص في زمن الاتحاد السوفياتي المتأخر الذي:
- يحتل منصباً رسمياً محترماً (عالم، أستاذ، كاتب، صحفي، مسؤول ثقافي).
- يبدي الولاء الكامل للنظام ظاهرياً، ولا يوقّع عرائض ولا يشارك في مظاهرات.
- لكنه في أعماله وكتاباته ينتقد النظام بشكل غير مباشر، مستخدماً التلميح والسخرية والأسلوب «الإيسوبي» أو «الماركسية النقية» ضد الماركسية-اللينينية الرسمية.

باختصار: معارض من الداخل يعمل داخل النظام ويأكل من خيراته، لكنه يُضعف النظام فكرياً يوماً بعد يوم دون أن يُعتقل عادة.
أشهر الأمثلة: الأخوة ستروغاتسكي، فاسيل بيكوف، بعض كتاب «القرية» المتأخرين، وبعض العلماء في المعاهد.

27) أحداث ألما آتا (ديسمبر 1986) – أول مظاهرات عنيفة في عصر البيريسترويكا.

باختصار شديد:
- 16 ديسمبر 1986 أقال غورباتشوف الزعيم الكازاخي القديم دينموحاميد كوناييف (الذي كان في السلطة منذ 1964).
- عيّن بدلاً منه الروسي غينادي كولبين (من خارج كازاخستان تماماً).
- في 17-18 ديسمبر خرج آلاف الشباب الكازاخي (خاصة الطلاب) في ألما آتا (العاصمة آنذاك) يهتفون «كازاخستان للكازاخ!» ويحتجون على التعيين «الاستعماري».
- تدخلت الشرطة والجيش بعنف، قُتل رسمياً 3 أشخاص وجُرح المئات وسُجن أكثر من 2400 (الأرقام الحقيقية أعلى بكثير).

تُعتبر هذه الأحداث (المسماة «جيلتوزغان» = ديسمبر) أول انفجار قومي علني في عصر غورباتشوف، وأول إشارة واضحة أن الجمهوريات لن تقبل «التدخل المركزي» بهدوء.

28) ميثاق مولوتوف-ريبنتروب هو الاسم الشائع لـ«معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي» التي وقّعها وزيرا الخارجية ريبنتروب ومولوتوف في 23 أغسطس 1939.

الجزء العلني: عدم اعتداء لمدة 10 سنوات.
الجزء السري (البروتوكول الإضافي): تقسيم شرق أوروبا بينهما (بولندا، دول البلطيق، فنلندا، بيسارابيا)، وهو ما نفّذ فعلاً بعد أسبوعين عندما غزت ألمانيا بولندا وتبعها الإتحاد السوفياتي من الشرق.
وكان نقده في البيريسترويكا (خاصة في دول البلطيق) شرارة إنفجار الحركات القومية ضد موسكو.

29) «جبهات الشعب» (Народные фронты)
هي التنظيمات الشعبية الكبرى التي أُسست في جمهوريات البلطيق الثلاث عام 1988:

- إستونيا: Rahvarinne
- لاتفيا: Latvijas Tautas fronte
- ليتوانيا: Sąjūdis

بدأت كحركات «دعم البيريسترويكا»، ثم تحولت في أشهر إلى قوى انفصالية تطالب بالاستقلال التام عن الإتحاد السوفياتي.
كانت أول منظمات جماهيرية قانونية تتحدى موسكو علناً، ونجحت فعلاً في إعلان الإستقلال عام 1990-1991.
إنتشر الاسم لاحقاً على حركات مشابهة في جمهوريات أخرى (مولدوفا، جورجيا، أرمينيا...) لكن الأشهر والأقوى ظلت في جمهوريات البلطيق الثلاث .

30) في 1990، تبعت روسيا الكل
القصد بإختصار شديد:
روسيا الفيدرالية (РСФСР) كانت الجمهورية الوحيدة في الإتحاد السوفياتي بدون حزب شيوعي خاص بها؛ كل جمهورية أخرى لها حزبها الشيوعي المستقل (الحزب الشيوعي الأوكراني، الكازاخي، الأوزبكي... إلخ)، أما روسيا فكان الحزب الشيوعي السوفياتي كله هو «حزبها» فعلياً.

هذا جعل النخبة الروسية تشعر بأنها «مواطن من الدرجة الثانية» داخل الإتحاد: لا حزب خاص، لا لجنة مركزية خاصة، لا رئيس جمهورية حتى 1990، وكانت موسكو «عاصمة الإتحاد» وليست «عاصمة روسيا».

لذلك في يونيو 1990، عندما أعلنت معظم الجمهوريات «سيادتها» (أن قوانينها فوق قوانين الإتحاد)، سارعت روسيا بقيادة يلتسين إلى إعلان سيادتها أيضاً (12 يونيو 1990)، وكان أحد دوافعها الرئيسية هو «تعويض التمييز التاريخي» وإنشاء مؤسسات روسية مستقلة، مما ساهم بقوة في تفكك الإتحاد.

31) إتفاقيات بيلوفيجسكايا (8 ديسمبر 1991)
في منتجع بيلوفيجسكايا بوشتشا في بيلاروسيا، وقّع ثلاثة رؤساء:
- بوريس يلتسين (روسيا)
- ليونيد كرافتشوك (أوكرانيا)
- ستانيسلاف شوشكيفيتش (بيلاروسيا)

القرار الوحيد والحاسم:
«الإتحاد السوفياتي ككيان جيوسياسي توقف عن الوجود»، وأُعلن تأسيس «رابطة الدول المستقلة» (СНГ) كبديل فضفاض غير ملزم.
كانت هذه الورقة التي حُلّ بها الإتحاد السوفياتي رسمياً، وفي اليوم التالي إستقال غورباتشوف، وانتهى الإتحاد السوفياتي فعلياً في 25 ديسمبر 1991.

32) الأخطاء النظامية (системные сбои) في سياق فينينكو تعني باختصار شديد:

«المشاكل التي ليست عشوائية أو فردية، بل ناتجة عن بنية النظام نفسه وطريقة عمله».

أمثلة سريعة من النص:
- الإقتصاد المخطط يولّد نقصاً دائماً → إقتصاد ظل → فساد → لا يمكن إصلاحه دون هدم النظام كله.
- الحزب يحتكر كل شيء → يُلام على كل شيء → يفقد الشرعية.
- الجمهوريات لها مؤسسات دولة لكن بدون سيادة حقيقية → عندما تُعطى الحرية تنفصل فوراً.

النتيجة: هذه الأخطاء تتراكم سنوات طويلة بصمت، ثم تنفجر دفعة واحدة وتُسقط النظام كله، ولا يمكن إصلاحها جزئياً لأنها «مبرمجة» في DNA النظام نفسه.
هذا بالضبط ما حدث للإتحاد السوفياتي 1985-1991.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...
- ألكسندر دوغين - أوروبا تحت سيطرة الشبكة الليبرالية العالمية: ...
- طوفان الأقصى 792 - المواجهة المؤجلة: قراءة هادئة في إحتمالات ...
- طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراط ...
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...
- تحرير كراسنوأرميسك: قراءة تحليلية في دلالات الإختراق الميدان ...
- طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة تر ...
- ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح ...
- طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
- ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله ...
- طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ ...
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...
- ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ ...
- طوفان الأقصى 785 - السعودية في موقع الحليف الأول؟ قراءة في ا ...
- طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها
- طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا - ملف خاص - الجزء 6
- طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية ...


المزيد.....




- مطوّر تطبيق تتبع الهجرة والجمارك ICEBlock يقاضي إدارة ترامب. ...
- كايلي جينر وتيموثي شالاميه بإطلالة برتقاليّة منسّقة في لوس أ ...
- ارتفاع حصيلة القتلى في الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايل ...
- لماذا يتجه أوليغارش أوكرانيا إلى إسرائيل.. وهل يدخل زيلينسكي ...
- د. عزوز صنهاجي: انتخابات 2026 معركة ديمقراطية لإستعادة الثقة ...
- مباشر: حكومة ليتوانيا تعلن حالة الطوارئ بسبب مناطيد تهريب قا ...
- ماذا يريد بوتين؟ وما هي استراتيجيته في التفاوض؟
- الجنائية الدولية: السجن 20 عاما بحق علي كوشيب أحد أكبر قادة ...
- جلسة وزارية استثنائية بعد إحباط محاولة انقلاب دامية في بنين ...
- إصابة الحامل باضطرابات الغذاء تزيد مخاطر إصابة الطفل بالربو ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية من الداخل – دروس في الركود، الإصلاح، والانهيار الحتمي