أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم الإستراتيجية إلى زمن النفوذ















المزيد.....

طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم الإستراتيجية إلى زمن النفوذ


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 15:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د.زياد الزبيدي


17 ديسمبر 2025

تستند هذه القراءة إلى مقال تحليلي للكاتب والباحث الروسي ميخائيل نيكولايفسكي، نُشر في موقع «فوينييه أبوزرينييه» (المراجعة العسكرية) في 10 كانون الأول/ديسمبر 2025، وهو من المنصات الروسية المعروفة بمتابعتها الدقيقة للشؤون العسكرية–السياسية من زاوية واقعية نقدية. ينتمي المقال إلى نمط التحليل الروسي الذي لا ينشغل كثيرًا بالأبعاد الأخلاقية أو الخطابية للصراعات، بقدر ما يركّز على حصيلة القوة، وحدود الاستراتيجية، وتحولات النفوذ في لحظات الإنكسار وإعادة التشكل. ومن هذا المنطلق، لا يتعامل الكاتب مع الحرب الإسرائيلية على غزة بوصفها حدثًا معزولًا، بل يقرأها كحلقة ضمن عملية أوسع لإعادة رسم الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط، كاشفًا مفارقات ما يسميه «الإستفادة الإسرائيلية» وحدودها الفعلية، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى فراغ إستراتيجي شامل تعيشه القوى الإقليمية والدولية على السواء.
وبالنسبة للقارئ العربي، ولا سيما الفلسطيني، تكتسب هذه القراءة أهمية خاصة لأنها تنظر إلى غزة والضفة الغربية لا كقضية أخلاقية أو إنسانية فحسب، بل كساحات إختبار قاسٍ لتحولات القوة والنفوذ الإقليمي، حيث تُدار المأساة الفلسطينية ضمن حسابات أكبر، لا تكون فيها فلسطين دائمًا هي الهدف، بل كثيرًا ما تُختزل إلى أداة أو ساحة تصادم في صراع خرائط لم تُحسم بعد.

ويبدأ الكاتب حديثه بالقول: حين خفّت وتيرة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يكن ذلك إيذانًا بنهاية الصراع، بل بإقفال فصل وفتح آخر. فعودة جثمان آخر أسير، وبدء الحديث عن عفو محتمل لبنيامين نتنياهو، لم يكونا مجرد تفاصيل إجرائية، بل علامات على أن المنطقة دخلت لحظة إعادة ترتيب هادئة بعد إنفجار عنيف. الشرق الأوسط، مرة أخرى، لا يخرج من الحروب منتصرًا أو مهزومًا، بل متحوّلًا.

في هذه اللحظة بالذات، تبدو إسرائيل — على خلاف الإنطباع الشائع — نموذجًا لدولة قوية خرجت من الحرب أقل يقينًا مما دخلتها. فعلى الورق، ما زالت تمتلك الجيش الأقوى، والإستخبارات الأكثر تطورًا، والدعم الغربي شبه المطلق. لكن تجربة العامين الأخيرين كشفت فجوة عميقة بين القدرة على التدمير والقدرة على الحسم. غزة، تلك الرقعة الصغيرة المحاصَرة، تحولت إلى متاهة إستنزاف سياسي وعسكري، لا إلى ساحة إنتصار. لم تُقضَ حماس، ولم يُعاد تشكيل القطاع، بل جرى تدميره بلا نهاية واضحة.

التحول نحو لبنان لم يُنتج إختراقًا حاسمًا أيضًا. صحيح أن إسرائيل أظهرت تفوقًا إستخباراتيًا لافتًا في ضرب بنى القيادة لدى حزب الله، لكن الجنوب اللبناني بقي عصيًا على إعادة الهندسة. كانت الضربات دقيقة، لكن الهدف الإستراتيجي غائم. وفي سوريا، حيث إنهارت الدولة بفعل إنسداد طويل الأمد أكثر مما بفعل مؤامرة خارجية، بدت الفرصة سانحة لإسرائيل كي تقفز قفزة كبرى. تقدمت من الجولان، سيطرت على مساحات ذات قيمة عسكرية عالية، وفتحت لنفسها مجال عمل أوسع ضد إيران. ومع ذلك، توقفت قبل الوصول إلى نقطة التحول الحقيقية.

ما منع القفزة لم يكن الضعف، بل السياسة. فحين بدا أن إسرائيل تستعد لإستثمار الفوضى السورية جنوبًا، إصطدمت بسقف أميركي واضح. واشنطن، وتحديدًا إدارة دونالد ترامب، لم تكن مستعدة لمنح تل أبيب حرية إعادة رسم الخريطة وحدها. السيطرة على القوى السورية الصاعدة، التي أعادت تقديم نفسها بلباس “ديمقراطي”، كانت ورقة أرادت الولايات المتحدة الإحتفاظ بها في يدها. وهكذا، تحولت إسرائيل من لاعب يسعى إلى صياغة واقع جديد، إلى قوة تُدير ما هو متاح لها ضمن هوامش مرسومة سلفًا.

ترامب نفسه دخل المشهد بلا أثقال أيديولوجية. لم يحمل مشروع تسوية، ولا رؤية شاملة، بل مقاربة بسيطة: إلتقاط ما يتشكل، ومنع الآخرين من الإنفراد به. الولايات المتحدة لم تعد تبحث عن حلول نهائية، بل عن مفاتيح التحكم. إدارة الفوضى، لا إنهاؤها، باتت جوهر السياسة الأميركية في الإقليم. الحلفاء ليسوا شركاء إستراتيجيين بقدر ما هم أدوات نفوذ مؤقتة، يُمنحون أدوارًا وظيفية بقدر إلتزامهم بالسقف الأميركي.

في هذا الفراغ، بدا المشهد الإقليمي بأكمله مرتبكًا. تركيا، التي لطالما قُدّمت بوصفها اللاعب الأكثر ديناميكية، وجدت نفسها أمام نفوذ واسع بلا بوصلة واضحة. إندفاعها السابق لم يتحول إلى مشروع مستقر، وخياراتها اليوم محكومة بكلفة الإقتصاد وحدود القوة. إيران، من جهتها، خرجت من العاصفة محتفظة بأدواتها الأساسية، لكنها لم تخرج أكثر تمددًا. إنها مرحلة الصمود والتحصين، لا التوسع. الدول العربية الكبرى آثرت التراجع خطوة إلى الخلف، وأوروبا إنسحبت من السياسة إلى البيانات، فيما بدت روسيا في وضع ترقّب بارد، تجمّد فيه أوراقها بإنتظار لوحة أوضح.

ما يجمع كل هؤلاء ليس الضعف، بل غياب الإستراتيجية. المنطقة اليوم لا تُدار بخطط كبرى ولا بتسويات شاملة، بل بسلسلة قرارات مؤقتة، وردود أفعال، ومحاولات لشراء الوقت. في مثل هذه البيئة، تفقد الإستراتيجيات الصلبة معناها. الخطة المسبقة تتحطم عند أول تغيّر في موازين القوى، وأي لاعب يظن أنه يملك الخريطة يكتشف سريعًا أن الآخرين ما زالوا يرسمونها.

هنا يظهر مفهوم النفوذ بوصفه العملة الحقيقية للمرحلة. النفوذ لا يعني السيطرة المباشرة، بل القدرة على البقاء حاضرًا حين تتغير القواعد: أن تمتلك قنوات إتصال، وأوراق ضغط، وشبكات تأثير، دون الحاجة إلى فرض حل نهائي. بريطانيا أدركت ذلك منذ زمن، فإختارت إرباك الجميع بدل محاولة قيادتهم. والولايات المتحدة اليوم تطبّق النسخة الأوسع من هذا المنطق، بينما تبحث القوى الإقليمية عن موقع لها داخله.

القضية الفلسطينية، في هذا السياق، ليست على الهامش، بل في القلب. لكنها تُعامل لا كقضية حل، بل كساحة إختبار دائمة. غزة والضفة ليستا فقط موضع مأساة إنسانية، بل مختبرًا قاسيًا لسياسات القوة، حيث تُقاس حدود الردع، ويُعاد تعريف ما هو ممكن وما هو محظور. فلسطين حاضرة في الخطاب، لكنها غائبة عن الإستراتيجيات.

وهكذا، يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة بلا منتصر واضح. إسرائيل قوية لكنها بلا أفق سياسي. أميركا ممسكة بالخيوط لكنها لا تريد الحسم. الإقليم كله يتحرك، لكن بلا قيادة جامعة. في مثل هذا المشهد، قد يكون بناء مستشفى، أو شبكة مياه، أو منظومة مصالح مدنية، أكثر تأثيرًا على المدى البعيد من السيطرة على أرض مدمّرة.

السؤال لم يعد من يربح المعركة، بل من يراكم ما يكفي من النفوذ ليبقى لاعبًا عندما تنتهي هذه الجولة… وتبدأ التي تليها.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألكسندر دوغين - ترامب يدهش العالم مجددًا
- الأقصى 801 - إستغلال هجوم أستراليا: بين الإدانة الأخلاقية وت ...
- ألكسندر دوغين - ضباب كثيف يلف الدبلوماسية - برنامج إيسكالاتس ...
- طوفان الأقصى 800 - يائير لابيد: إسرائيل عند مفترق تاريخي
- حرب أوكرانيا - وجهة نظر تاريخية سياسية دينية
- طوفان الأقصى 799 - مراجعة كتاب - بيتر بينارت: -أن تكون يهودي ...
- ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب
- طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية
- الولايات المتحدة تعيد صياغة نفسها: قراءة في «إستراتيجية الأم ...
- طوفان الأقصى 797 - عقيدة ترامب الجديدة - الخليج أولاً… وتركي ...
- طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري ...
- طوفان الأقصى 795 - سوريا بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل وُل ...
- البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية ...
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...
- ألكسندر دوغين - أوروبا تحت سيطرة الشبكة الليبرالية العالمية: ...
- طوفان الأقصى 792 - المواجهة المؤجلة: قراءة هادئة في إحتمالات ...
- طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراط ...
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...


المزيد.....




- مفاوضات السلام في أوكرانيا.. إليكم ما تم الاتفاق عليه والنقا ...
- روما تفتتح 2 محطة جديدة على خط مترو سي وتعرض آثار قديمة قرب ...
- بسبب -حق النقض- الإسرائيلي.. تركيا مستبعدة من مؤتمر قوة الاس ...
- خطأ إدراج حزب الله و-الحوثيين- على قوائم الإرهاب يطيح بمسؤول ...
- عاجل | البنتاغون: وزارة الخارجية وافقت على مبيعات عسكرية محت ...
- صحف عالمية: نتنياهو يشكل لجنة -للتستر- على تحقيقات 7 أكتوبر ...
- دول الجناح الشرقي لأوروبا تعتبر روسيا التهديد المباشر للأمن ...
- 337 أسرة سودانية وصلت كوستي بعد سيطرة الدعم السريع على هجليج ...
- أردوغان: غزة دُمّرت بقنابل تفوق هيروشيما 14 ضعفا
- -ما وراء الخبر- يسلط الضوء على تردي الأوضاع الإنسانية في قطا ...


المزيد.....

- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم الإستراتيجية إلى زمن النفوذ