أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب














المزيد.....

ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 17:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


13 ديسمبر 2025


في مقال جديد مثير للجدل نشره في 4 ديسمبر 2025، يقدّم المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين واحدة من أكثر قراءاته قتامة وحسمًا لمسار الصراع بين روسيا والغرب. المقال، الذي جاء بعنوان «تأمّلات حول الحرب…»، لا يعرض موقفًا سياسيًا فحسب، بل يشيّد رؤية كونية للحرب بإعتبارها شرطًا وجوديًا و«قدرًا» لا يمكن الفكاك منه.
منذ الجملة الأولى، يعلن دوغين أن المواجهة مع أوروبا وبريطانيا ليست محتملة، بل «عمليا غير قابلة للتجنّب». يقول: «الحرب مع الإتحاد الأوروبي وبريطانيا شبه حتمية… وهم يريدون بدأها، وسيبدأونها ما إن يشعروا بالقوة الكافية.»
بهذا التقدير، يضع دوغين القارئ أمام فرضية مركزية: الغرب – في نظره – لم يعد يبحث عن التهدئة، بل عن لحظة الهجوم المثلى، وأن روسيا دخلت مسارا لا رجعة فيه.


أولًا: رؤية دوغين للعالم – حربٌ بلا ضفاف

يؤكد دوغين أن فكرة «السلام التفاوضي» التي يجري الحديث عنها في الإعلام ليست واقعية. إتفاق «بوتين – ترامب» المحتمل، برأيه، محكوم بالإنهيار قبل أن يولد: «هدنة بوتين – ترامب قد لا تتم… أُدرجت فيها بنود كثيرة لا يمكن لروسيا قبولها.»
أما في حال تمت الهدنة على «الشروط الروسية»، فإن دوغين يراها هشة قابلة للنسف الفوري من أطراف متعددة: «قد ينسفها النازيون غير الخاضعين لزيلينسكي، أو أجهزة إستخبارات الإتحاد الأوروبي وبريطانيا، أو حتى الأميركيون أنفسهم… فترامب له سبع جمعات في الأسبوع.»
الإستنتاج الذي يبنيه دوغين على ذلك واضح وحاسم: «ولذلك فإن أمامنا الحرب فقط. ومن المرجّح أنها ستصبح حربًا بلا نهاية.»
إنه لا يدعو القارئ إلى الإستعداد لجولة عسكرية جديدة، بل إلى قبول فكرة الحرب الممتدة التي لا تتوقّف عند حدود سياسية أو جغرافية.

ثانيًا: الحرب كقدر مكتوب

يدفع دوغين بفكرته إلى مستوى أعلى، معلنًا أن روسيا دخلت حرب لا يمكن التراجع عنها: «لقد دخلنا حربًا لا يمكن الخروج منها.»
ويشير إلى أن القيادة الروسية، وعلى رأسها فلاديمير بوتين، تدرك هذا التحول، وينقله «بأسلوبه الخاص» ديمتري ميدفيديف «لكل من له أذنان يسمع بهما»، كما كتب حرفيًا.
بهذه العبارة، لا يقدّم دوغين تحليلًا سياسيًا بقدر ما يقدّم تأويلاً أنثروبولوجيًا لدور الدولة الروسية: روسيا ليست في نزاع مرحلي، بل في قدر تاريخي له جذور ميتافيزيقية عميقة.


ثالثًا: من السياسة إلى الميتافيزيقا — لحظة عودة “التقاليد”

جوهر المقال – ورأس حربته الفكرية – يتمثّل في الإنتقال من تحليل سياسي واقعي إلى مرافعة وجودية حول الموت والحرب.
يكتب دوغين: «الناس يموتون. الموت يرافقنا منذ صرخة الولادة الأولى… لم يتركنا يومًا.»
ثم يحمّل الحداثة مسؤولية «الهروب من الموت» وإنبثاق «الذهنية السلمية اللاعنفية pacifist» التي تقول: «لا للحرب، لا للموت». لكنه يسقط هذا الموقف من جذوره معلنًا: «لكن هناك نعم للحرب، وهناك نعم للموت. وما ليس موجودًا هو عصر الحداثة … لقد إنتهى.»
برأيه، الحداثة – التي بنت وهم التقدم والسلام العالمي – سقطت، والعالم يعود إلى التقاليد (traditions)؛ حيث الموت جزء من النظام الكوني، والحرب ليست حدثًا عرضيًا، بل شكلًا من أشكال الوجود.


رابعًا: الحرب الروحية — من بولس الرسول إلى الجبهة الحديثة

يبلغ دوغين ذروة خطابه حين يدمج الحرب العسكرية بالحرب الروحية: «في التقاليد كل شيء هو حرب — حرب الأرواح والأجساد.
"إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرئاسات والسلطات…" (الرسول بولس).»
بهذا الإقتباس، يضع الحرب الروسية – في وعيه – ضمن صراع كوني بين «قوى النور والظلام». ويضيف: «وكذلك ضد أولئك الذين لهم دم ولحم ويخدمون بصدق حُكّام هذا العالم من الظلمة.»
هنا يتحول الصراع من جيوسياسي إلى أنثروبولوجي – لاهوتي: الحرب ليست فقط مواجهة بين دول، بل بين «قوى» تتجاوز الطبيعة البشرية.

خامسًا: “نهاية التاريخ” ليست هنا — بل “نهاية العصر”

ينتهي دوغين إلى نتيجة وجودية شديدة الجذرية: «وهكذا سيبقى الأمر إلى نهاية الدهر. عندها فقط سنحرز “الإنتصار”.
نحن نقاتل من أجله… ونموت من أجله.»
بهذه الخاتمة، يقدّم دوغين تصورًا أبوكاليبتيًا: الحرب ممتدة إلى «نهاية الزمن»، والنصر المستقبلي ليس سياسيًا، بل ميتافيزيقي، والموت ليس خسارة، بل مشاركة في معركة كونية.
إنه يعيد روح «الأسطورة الدينية للحرب» ويصبّها في الواقع الجيوسياسي المعاصر.

الخلاصة: ماذا يقول دوغين فعلاً؟

إن قراءة دوغين في «تأمّلات حول الحرب» ليست مقالًا سياسيًا بقدر ما هي بيان ميتافيزيقي يحدّد:
1. الحرب مع الغرب بإعتبارها حتمية.
2. الهدنة بإعتبارها وهمًا أو فرصة قصيرة قابلة للإنهيار.
3. الحرب كقدر تاريخي لروسيا.
4. عودة «التقاليد» حيث الموت والحرب جزء من النظام الكوني.
5. صراع روحي – أبدي – لا يُحسم إلا عند «نهاية الدهر».
إنه خطاب موجّه ليس إلى العقل السياسي فقط، بل إلى الإحساس الجمعي الروسي ومحاولة تشكيل «وعي الحرب» ليصبح جزءًا من الهوية الوطنية.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 798 - ما لا نسمعه عن الضفة الغربية
- الولايات المتحدة تعيد صياغة نفسها: قراءة في «إستراتيجية الأم ...
- طوفان الأقصى 797 - عقيدة ترامب الجديدة - الخليج أولاً… وتركي ...
- طوفان الأقصى 796 - «وجه واحد للنازية»: قراءة في مقالة دميتري ...
- طوفان الأقصى 795 - سوريا بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل وُل ...
- البيريسترويكا بعد أربعين عاماً: سقوط الإمبراطورية السوفياتية ...
- طوفان الأقصى 794 - بين الرياض وتل أبيب: طريق محفوف بالتوترات
- طوفان الأقصى 793 - العلاقات التركية–الأذربيجانية في ضوء “الع ...
- ألكسندر دوغين - أوروبا تحت سيطرة الشبكة الليبرالية العالمية: ...
- طوفان الأقصى 792 - المواجهة المؤجلة: قراءة هادئة في إحتمالات ...
- طوفان الأقصى 791 - «إسرائيل الجديدة: دولة صغيرة بدورٍ إمبراط ...
- ألكسندر دوغين - -وإذا لزم الأمر، فسنمحو أوروبا من على وجه ال ...
- طوفان الأقصى 790 - الذهب الدامي والنفط المحترق: حرب السودان ...
- تحرير كراسنوأرميسك: قراءة تحليلية في دلالات الإختراق الميدان ...
- طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة تر ...
- ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح ...
- طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
- ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله ...
- طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ ...
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...


المزيد.....




- إعلام رسمي: إصابة جنود أمريكيين وسوريين في إطلاق نار قرب تدم ...
- فوضى خلال زيارة ميسي إلى الهند.. غضب جماهيري وأعمال شغب
- الجيش الإسرائيلي يوجّه إنذاراً عاجلاً لسكان قرية يانوح جنوب ...
- ماذا يعني إعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر؟ هل يؤثر مش ...
- ميسي يزور الهند: الجماهير تغضب على -معبودها-
- مشاركة عزاء للرفيق مفيد سرسك بوفاة زوجته
- أردوغان يؤكد أن السلام بين روسيا وأوكرانيا -ليس بعيداً- ويدع ...
- إعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي لأول مرة منذ سقوط نظام الق ...
- الركراكي والطرابلسي وحسام حسن... هل تكتب كأس الأمم الأفريقية ...
- معرض 241 بالدوحة يكرّم يتامى استشهدوا في غزة


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين…تأمّلات حول الحرب