أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - عالم الصيادين الجزء الثاني يُكافىء من ينجو لا من يتزن















المزيد.....

عالم الصيادين الجزء الثاني يُكافىء من ينجو لا من يتزن


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


يعكس أنيمي عالم الصيادين Solo Leveling تصوراً داروينياً قاسياً ، فمن زاوية نقدية، يمكن قراءة ذلك بوصفه إسقاطاً على عالم حديث يُكافئ من ينجو لا من يتّزن، ومن يتحمّل لا من يختار. فشخصية جينو، كما وردت في الجزء الثاني من مسلسل عالم الصيادين ، ليست مجرد نموذج للبطل القوي في سياق ألعاب الفيديو أو قصص الصيادين، بل هي مادة غنية للتحليل النقدي العميق، إذ تجمع بين الواقعية اليومية والفانتازيا الرمزية، وتطرح أسئلة فلسفية وأخلاقية واجتماعية متشابكة. تبدأ من لحظة يومية صغيرة، محادثة هاتفية مع الأخت، حيث يظهر التوتر النفسي والتعب الجسدي للبطل، وهو في الوقت نفسه ملتزم بمسؤولياته العائلية تجاه والدته المريضة وأخته الطالبة، فتتضح لنا مباشرة الخلفية الإنسانية للبطل، وهو عنصر مهم في الأدب الحديث الذي يسعى إلى خلق تمازج بين الواقع والخيال. هذه البداية اليومية، التي قد تبدو بسيطة أو تافهة، تتحول إلى مقدمة لإطار عالمي واسع ومعقد من بوابات تظهر في شتى أنحاء العالم، زنزانات مليئة بالوحوش، ومعارك مستمرة بين هؤلاء الوحوش والبشر الذين اكتسبوا قدرات خارقة، أي ما يعرف بالـ"صيادين بتقنية سردية مزدوجة بصرياً وسردياً من فعل وكلمة، تجمع بين الواقعي الصغير واليومي والملحمي الكبير والفانتازي، ما يخلق شعوراً بالاتساع العالمي بينما يحافظ على الارتباط الإنساني العاطفي بالبطل.
يبدأ جينوا كشخصية من أدنى الرتب ، يمر بتطور غير معتاد من اكتساب قوة للتقدم في المستويات أثناء المعارك، وهو تحول يوازي ما نراه في ألعاب الفيديو، لكنه هنا يمتزج بالبعد النفسي والأخلاقي؛ فالقوة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الخير وحماية الضعفاء. يمكن قراءة البوابات والزنزانات ليس فقط كأماكن للصراع البدني، بل كرموز للتحديات الوجودية كل بوابة تمثل اختباراً للقدرة على التكيف، على اتخاذ القرارات الصعبة، وعلى مواجهة الذات في ظل الضغط والأزمات. إن السرد هنا يحاكي فلسفة الوجودية، حيث يتحقق الإنسان في مواجهته للأزمات، ويكتسب معناه في صراعه مع القوى التي تحاول تحديد مصيره.
تتضح طبقات الصراع بشكل أكبر في الجزء الثاني، حيث ينتقل الحدث من الصراع الفردي إلى صراع مؤسسي-اجتماعي. إذ يظهر البطل في مواجهة السلطة المباشرة من المدرسة، جمعية الهانتر، النظام الطبقي الخاص بالرتب، والتوجيهات السلطوية المعلنة وغير المعلنة. الرتبة E، التي تصف البطل بأنها لا تستطيع العيش، لا تعمل فقط كتصنيف قتالي، بل كأداة اجتماعية لإقصاء وإدانة الفرد. إنها وصمة اجتماعية، حكم على الفرد مسبقاً ، شهادة ضمنية بأن وجوده غير قابل للاستمرار، وأن مجتمعه يرفضه. لكن البطل يرفض قبول هذا الحكم، ليس بالقوة العضلية أو الخارقة، بل بإرادته الصامتة. لن يعود إلى المدرسة، لن يعتزل كصياد، ولن يسمح لأي سلطة أن تقرر مصيره. إذ يتضح البعد الأخلاقي لرفضه؛ إنه رفض وجودي، يعلن أن الإنسان لا يحق لأحد أن يحدد له ما إذا كان مؤهلًا للحياة أو للنجاح، وأن القوة الحقيقية تكمن في السيادة على الذات قبل أي معركة خارجية.
المفارقة الأخلاقية تظهر في الحوار حين تلفت حلقات المسلسل من الجزء الثاني الانتباه إلى أن من يوبخ البطل ويطالبه بالانسحاب ليس أعلى منه رتبة، بل هو أيضاً من الرتبة E. هذا الكشف عن النفاق المؤسسي هو لحظة فلسفية مهمة فالسلطة لا تعتمد دائماً على القوة، بل على القدرة على إقناع الآخرين بالامتثال أو على الخضوع لتسلسل هرمي مزيف. البطل، في رفضه، لا يكتفي بكشف النفاق، بل يشكل تهديداً للنظام من خلال رفضه الاستسلام، وهو ما يجعل معنى هذا الأنيمي ينفتح على قراءة اجتماعية نقدية، حيث يعكس الصراع بين الفرد والنظام علاقة الإنسان بالسلطة، والصراع بين الذات والهيمنة في مواجهة سلطة مجتمعية وسياسية عليا، ممثلة في جمعية الهانتر، التي يظهر مديرها يستقبل الضيوف بنفسه، مع نصيحة ضمنية بعدم الثقة. هذا المشهد الرمزي يعكس ديناميات السلطة الحقيقية من القوة ليست في الإعلان عن نفسها دائماً ، بل في القدرة على المراقبة والإحكام، وفي القدرة على إضعاف الإرادة الفردية دون اللجوء للعنف المباشر. عبارة "لا تثق" في نهاية المقطع هي إعلان فلسفي ضمني، تحذر من الاعتماد على أي مؤسسة، مهما بدت رسمية أو ودية، وتشير إلى أن الحكم على القيم لا يأتي من السلطة، بل من إرادة الفرد وأخلاقياته الخاصة.
من زاوية السرد البصري والحكائي، يبرز استخدام الأسلوب المختصر والمباشر في الحوار مع الحفاظ على التوتر النفسي، وتحريك الأحداث بسرعة، مما يولد ديناميكية قوية تشد المشاهد. الحوارات اليومية المختصرة في البداية تجعل الانتقال للعالم الملحمي أكثر تأثيراً، حيث يصبح المشاهد مدركاً للفجوة بين الحياة اليومية البسيطة والبنية العالمية المعقدة، وهي تقنية إبداعية تسهم في تعميق الانغماس في الدراما. كما أن المزج بين الواقعية العاطفية (العائلة، الفقر، المرض) والخيال الرمزي (الزنزانات، الوحوش، القوة الخارقة) يجعل الأنيمي أكثر إقناعاً، ويحول القوة المكتسبة من مجرد عنصر سردي إلى أداة للتفكير الفلسفي والأخلاقي.

الجزء الثاني من هذا الأنيمي يعكس أيضاً أبعاداً رمزية متعددة: البوابات والزنزانات كرمز للتحديات الوجودية، المستويات والترقي كرمز للنمو الشخصي وتجاوز القيود، الجنود الظليون كرمز للسلطة الأخلاقية والانضباط الداخلي، ووسام الحياة كرمز للمسؤولية الحقيقية تجاه الآخرين. كل هذه الرموز تتداخل مع الواقع الاجتماعي، حيث الرتبة E والموظفون السلطويون يمثلون العقبات اليومية التي يواجهها الفرد في مجتمعه، مما يجعل النص أكثر ثراءً وعمقًا من مجرد سرد فانتازي. لكن من منظور فلسفي، يمكن قراءة سون جينوا كبطل وجودي يتجاوز القيود المفروضة عليه. على الرغم من أن قدراته الأصلية محدودة، إلا أنه يكتسب القدرة على النمو وتجاوز الرتبة المحددة، مما يعكس مفهوم الحرية الفردية في مواجهة القواعد الميتة والسلطة المؤسسية. إن رفضه العودة للمدرسة أو ترك العمل كصياد ليس مجرد عناد، بل موقف أخلاقي واعي، يعلن أن الإنسان قادر على تحديد معاييره الخاصة للعيش والنجاح، وأن السلطة الخارجية ليست مقياساً للقيمة الإنسانية كما أن نظام الرتب، التقييم، والوصم الاجتماعي هم أدوات للسيطرة، لكن الإرادة الفردية والتحدي الأخلاقي يمكن أن يكسر هذا النظام. البطل ليس مجرد صائد وحوش، بل صائد للنفاق الاجتماعي، وكاشف للقيود المجتمعية، وممارس للحرية الأخلاقية في أصعب الظروف. هذا يجعل القصة مادة خصبة لتحليل نقدي متعدد الأبعاد، يجمع بين الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة الرمزية.

أما الندوب الجسدية والنفسية فتبرز حين يقول البطل " للأسف، لم أعد صالحاً للقتال في ذلك الوقت. جسدي لم يعد قادراً على المواصلة." هذه الجملة تعكس حقيقة بشرية صارمة؛ حتى الأبطال، الذين نراهم أقوياء خارقين، معرضون للحدود الطبيعية. وبهذا يلتقي الضعف الجسدي مع الندوب النفسية التي يخلفها البقاء على قيد الحياة بعد الصدمات المتكررة "ذلك الانهيار في الدهليز حصد عدداً هائلًا من الأرواح، والذين تمكنوا من النجاة ما زالوا يحملون ندوبه النفسية حتى الآن." فالناجون من الغارات لا ينجون فقط جسدياً ، بل يواجهون إرثاً من الذكريات المؤلمة التي تشكل عائقاً مستمراً أمام التقدم. فهل الصدمة النفسية الحادة يمكن أن تؤثر على الأداء البدني والفكري للفرد فعلا كما هي الحال في عالم الصيادين؟
عالم الصيادين هو أداة لنقد السلطة، وفهم الطبيعة الإنسانية، واستكشاف مفاهيم الحرية والمسؤولية وكسر الأسطورة من خلال شخصية جينوا التي تمثل نموذجاً معاصراً للبطل الذي لا يُقاس بقوته البدنية أو الخارقة، بل بإرادته المستقلة، ورفضه للوصم الاجتماعي، وقدرته على مواجهة النظام دون فقدان إنسانيته. إن دراسة هذه الأنيمي يمكنها أن تكشف عن طبقات متعددة من المعاني، حيث تتقاطع القوة الخارقة مع القوة الأخلاقية، والعالم الخيالي مع الواقع الاجتماعي، والرحلة الشخصية مع الصراع المؤسسي، مما يجعل العمل نموذجاً متكاملًا للتحليل النقدي العميق، ورؤية ابتكارية لسرد الفانتازيا الحديثة. بالقدرة على تحويل كل لحظة ضعف إلى استراتيجية، وكل هزيمة إلى خطوة نحو الفهم الأعلى للقوة. فهل القوة ليست ملكاً لأحد، بل ظاهرة عالمية مستمرة، والمشاهد لعالم الصيادين ، مجرد شاهد على ولادة عصر جديد من الصيادين، حيث كل اختيار، كل اسم، وكل ظل يكتب التاريخ مرة أخرى.؟
بيروت-لبنان الجمعة في 19 كانون الأول 2025 الساعة الثالثة عصراً





#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنت زهرة ميلادي دائما يا بني
- هل أراد صبحي الفحماوي تفكيك التاريخ لا عبر نفيه، بل عبر مساء ...
- مفهوم -اللاهوت الأسود- في الأنيمي الحديث عالم الصيادين Solo ...
- مفهوم -اللاهوت الأسود- في الأنيمي الحديث عالم الصيادين
- هل يمكن أن تُختزل الحياة إلى تطبيقات ذكية ومعادلات رأسمالية ...
- البراءة كعدسة لفهم الألم البشري في الأنيمي تاكوبي ومسألة الس ...
- الحاجة الملحّة لإعادة اختراع التاريخ حين يصبح الحاضر خانقاً.
- صراع الأبعاد المقلوبة في مسلسل أشياء غريبة (الجزء الأول)
- هل الطفولة هي مصنع الحطام الأول للإنسان في مسلسل الآثم؟
- مسلسل الآثم - The Sinner- نافذة على عالم عائلي داخلي مضطرب
- الرواية البوليسية وتقنيات الإخفاء في رواية مجهولة نهر السين
- الكاتب اليوم لا يمكنه أن يعيش في عصر الحريم
- وهم النجاح الأدبي لدى الكتاب والموضة الرقمية
- التنمّر الأدبي
- بين الخوف والرغبة في الحياة في فيلم فيلم Love Me Tender 2019
- هل رواية- بيت الجاز- هي جولة في النفس البشرية المشتعلة؟
- رواية النفق منظومة فكرية ونفسية تُنتج عالماً موازياً للمجتمع ...
- رسالة إلى حفيدتي يارا…
- حين تتحوّل الحكاية إلى لوحة في قصة جدتي ل -بيار فاضل-
- معادلة الميتا-كود والديجا فو (Déjà Vu) والإنسان كمنتَج خوارز ...


المزيد.....




- أفغانستان تودع ثالث سينما تاريخية بعد إزالتها من قبل طالبان. ...
- الممثلة الأممية: عدم الثقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة ي ...
- نقطةُ ضوءٍ من التماعات بدر شاكر السيَّاب
- ماذا قال تركي آل الشيخ عن فيلم -الست-؟
- مدينة مالمو تستضيف الفنان السوداني محمد برجاس كـَ ”فنان مُحت ...
- مسابقة -يوروفيجن- تواجه الانهيار بسبب مشاركة إسرائيل
- في يومها العالمي: اللغة العربية بين التطوير وخطر التراجع
- الموسيقى تقلل توتر حديثي الولادة وذويهم في غرف الرعاية المرك ...
- من الجبر إلى التعرفة الجمركية.. تعرف على كلمات عربية استوطنت ...
- بوتين: أوكرانيا غير مستعدة للسلام.. وزيلينسكي فنان موهوب


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - عالم الصيادين الجزء الثاني يُكافىء من ينجو لا من يتزن