أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل رواية- بيت الجاز- هي جولة في النفس البشرية المشتعلة؟















المزيد.....

هل رواية- بيت الجاز- هي جولة في النفس البشرية المشتعلة؟


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 22:49
المحور: الادب والفن
    


لا يمكن الفصل بين الإيقاع النفسي للشخصيات وتوتر المكان في رواية "بيت الجاز" للروائية "نورا ناجي " التي تحتضن معنى العنوان الذي يضعنا أمام مفارقة رمزية وهي "الجاز" أو "الكاز" ليس مجرد سائل مشتعل، بل يصبح استعارة لحالة الانفجار الداخلي، لتلك الرغبات المكبوتة، والأحاسيس المحترقة التي تتردد بين الجدران المظلمة للبيت. وكما في موسيقى الجاز، يتلوى النص بين لحظات السكون والانفجار، بين الصمت والكلمات المشتعلة، ليخلق ما يمكن تسميته بـ"إيقاع الانفجار النفسي". بين الإشتعال والإيقاع حيث تأخذ النيران الداخلية للنفس البشرية بالأشتعال. فهل يمكن للإشتعال أن يأخذ دور البطولة في هذه الرواية ؟ وهل هو بيت الروح المشتعلة أو البيت الذي يسكنه الجرح والرغبة في آنٍ واحد؟ أم هو بيت من نارٍ يتظاهر أهله بالسكينة؟
الرواية تصنع فضاء مزدوجاً، وهو فضاء خارجي ممتلئ بالأصوات والحركة، وفضاء داخلي صامت يغلي بالتناقضات. هذا التناقض يذكّرنا بمفهوم فرويد عن اللاوعي المكبوت، حيث تتقاطع الرغبات الممنوعة مع الخوف من الانكشاف. فالشخصيات تتحرك وكأنها على شفا احتراق داخلي، وكأن كل فعل صغير أو كلمة صامتة قد يشعل شرارة الانفجار. التكرار القهري الذي يظهر في تصرفاتهم، من التحرك بين الغرف المظلمة إلى الانسحاب المفاجئ، يعكس محاولة للسيطرة على الصراع الداخلي، لكنه في الوقت نفسه يكرسه، تماماً كما يشير فرويد في تحليله للدوافع القسرية.
كما نلاحظ تأثير لاكان في تصوير "الذات المتصدعة"؛ الشخصية في بيت الجاز لا تمتلك وحدة مستقرة، بل هي ذات مشروخة، تتنقل بين صورة الأنا والآخر، بين الإدراك والخيال، بين الرغبة في الاحتراق والرهبة من اللهب. الجدران المشتعلة بالكلمات والإيحاءات الرمزية تصبح مرآة للذات المشروخة، لكل الرغبات المزدوجة، لكل الانقسامات الداخلية التي تفتك بالوعي من الداخل. أما يونغ، فيرشدنا نحو قراءة أوسع في البيت نفسه كرمز للانزياح النفسي والأسطوري، حيث تتحرك الشخصيات بين الظل والنور، بين الغابة الداخلية وممرات الواقع، في إيقاع يشبه الأحلام. الرمزية المستمرة للجاز، للسائل المشتعل، للحرائق المحتملة، ليست مجرد حدث مادي، بل تمثل "النار الأبدية" التي تحرك اللاوعي الجمعي، كما لو أن كل غرفة في البيت هي انعكاس لمفهوم يونغ عن الظل والاندماج مع القوى المخفية في النفس البشرية.
اللغة في الرواية تنسج هذا الاحتراق الداخلي بشكل أدبي بديع في جمل طويلة متدفقة، مراوغة، تشبه الموسيقى. الانفجارات اللفظية، الصمت المفاجئ، الإيماءات الرمزية، كلها أدوات فنية تخلق "إيقاع الجاز" داخل الرواية. وكل استعارة، من اللهب الخافت في زاوية الغرفة إلى الرائحة الثقيلة للكازأو الجاز بلهجات محلية أخرى، تعمل على ربط القارئ بالجانب النفسي العميق، بطريقة تجعل النص أكثر من مجرد سرد؛ إنه تجربة شعورية، تجربة شعلة متوهجة بين الواقع والخيال.
كما هو واضح، كل شخصية في الرواية تتفاعل مع البيت باعتباره كائناً حيًّا؛ البيت لا يحتضنهم فقط، بل يحركهم، يحرقهم داخلياً، يخلق لهم متاهات من الصراعات النفسية والذكريات المشتعلة. هذه العلاقة بين المكان والذات تجعل من الرواية تجربة نفسية مكثفة، حيث تصبح الجدران مشهداً لحالة التحويل النفسي، وحيث تصبح الحرائق الرمزية بمثابة انعكاس لمواجهة الذات مع رغباتها المكبوتة وخوفها من الانكسار.
وبالعودة إلى الرمزية الموسيقية، يمكننا أن نرى كيف أن الجاز ليس مجرد عنوان موسيقي، بل أداة لتمثيل الانفجار العاطفي والتموج النفسي في كل مقام موسيقي، كل فجوة في اللحن، يعكس الفجوات داخل الشخصيات، الانكسارات اللحظية، والتحولات السريعة. في هذا الصدد، النص نفسه يصبح آلة موسيقية، نغماته تشتعل وتخفت مع مشاعر الشخصيات، وكأن كل كلمة مختارة بعناية لتكون مثل شرارة في "بيت الجاز" النفسي. فهل بيت الجاز هو مسرح الانفجار الداخلي؛ حيث تتقاطع المفاهيم النفسية مع الجمالية الأدبية، والرمزية الحسية مع الموسيقى الداخلية للشخصيات؟
في المستوى النفسي والفلسفي، تكشف "نورا ناجي " عن قطبة مخفية وهي أن الاحتراق ليس عقوبة، بل هو شكل من أشكال التواصل مع الوجود.الإنسان يحترق ليشعر أنه حيّ، والبطلة تعزف لأنها لا تطيق الصمت. وهنا تظهر لمسة لاكان بوضوح في الرغبة لا تُروى، بل تستمرّ فقط في سعيها. فالبيت لا يشتعل مرة واحدة، بل يظلّ في حالة اشتعالٍ دائمة . لأن الرغبة نار لا تُطفأ بل تُحوَّل. فالكاتبة تفهم هذا ببراعة وتحوّله إلى جمال لغويّ هو نغمةٌ، شرارةٌ، رمادٌ، صمتٌ في كل مفردةٍ تعمل كمعادل نفسيّ لإيقاع الرغبة.
أما التحولات الكبرى في الرواية عندما نصل إلى المشهد الختامي، نجد أن البيت لا يحترق فعلياً . بل هو احتراق رمزي يتحول إلى ضوء. الضوء الذي يملأ النوافذ الأخيرة ليس وهج النار، بل إشراقة الوعي بعد العزف الطويل. هكذا تختم الرواية مسارها من العتمة إلى النغمة، من الكاز إلى الجاز، من الألم إلى الجمال. ومن هنا يمكن القول إن الرواية كلها هي تمرين في التحول الجمالي للألم ؟إذ كيف يصبح الجرح موسيقى، وكيف يتحول الوقود أو" الجاز"إلى لحنٍ يضيء الليل؟
أما من حيث البنية الرمزية، فإن النار هي الشخصية الحقيقية في الرواية.النار ليست مدمّرة فقط، بل خالقة أيضًا. إنها رمز التحول، التطهير، والبعث، كما في الأساطير القديمة حيث يولد الفينيق من رماده. وفي "بيت الجاز"، نرى أن البطلة تمرّ بهذه الدورة: احتراق، رماد، ثم نغمة جديدة. هذا الإيقاع الدائري يشبه دورة التحليل النفسي نفسها فالحريق هو الجرح، الرماد هو الوعي، والنغمة الجديدة هي الشفاء المؤقت. لكن لا شفاء نهائياً، لأن الإنسان، كما تقول الكاتبة في أحد المقاطع، "يولد من ناره كل يوم ثم يعود ليحترق من جديد" هكذا يصبح البيت ذاته طقساً تطهيرياً، والجاز وسيلة للتطهر عبر الألم، تماماً كما يرى يونغ أن “التحول لا يتم إلا في النار الداخلية”.
الرواية لا تحكي فقط قصة، بل تصنع تجربة شعورية ونفسية متكاملة، تجبر القارئ على مواجهة الرغبات المكبوتة، المخاوف الخفية، والانقسامات الداخلية، وكأن كل صفحة من صفحات النص الروائي هي مرآة لنار داخلية تتأجج في كل لحظة. هكذا، يصبح "بيت الجاز" أكثر من عنوان. إنه رمز للانفجار النفسي المراقب، للذات المتصدعة، وللشغف المكبوت، للغرفة التي تحترق داخلياً، وللكاز الذي لا يشتعل إلا حين يتم الاحتكاك بالعواطف الإنسانية العميقة. فهل الرواية هي جولة في النفس البشرية المشتعلة ؟ أم قراءة في الرموز والخفايا؟ وهل الرواية تنبض بالحياة والحرائق الداخلية؟
على هذا النحو، يتحول “بيت الجاز” إلى مختبرٍ للتحليل النفسي في صيغته الأدبية.كل شخصيةٍ ثانوية (الجار، الأم، الحبيب، وحتى القط الذي يختفي في منتصف الرواية) ليست سوى تجليات لأجزاء من اللاوعي الجمعي، تعمل مثل آلات موسيقية ضمن أوركسترا واحدة اسمها الذاكرة.الجار مثلاً يمثل الآخر اللاكاني وهو ذاك الذي نراه كي نكتشف أنفسنا من خلال انعكاسه. الأم تمثل الأصل، أو النار الأولى التي كوّنت اللغة. الحبيب الغائب هو المفقود الأبدي الذي يولّد كل نغمة. حتى القطّ هو بكاءٌ مؤجل في شكل كائن حيّ. فنشهد على اتضاح الرؤية.إذ لا شخصيات في هذا البيت، بل أصواتٌ داخلية، كلّها تبحث عن نغمة واحدة مفقودة، نغمة الطفولة، قبل أن يشتعل كل شيء.فهل يمكن القول إن “بيت الجاز” هو رواية عن الطاقة النفسية (libido) وهي تتحول إلى مادة قابلة للاشتعال، وهل كلّ انفعال عاطفي في الرواية يمكن قراءته كاشتعالٍ رمزي، وكل رغبة مكبوتة هي شرارة تنتظر.؟
بيروت - لبنان- في 8 تشرين الثاني الساعة الثامنة مساء 2025



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية النفق منظومة فكرية ونفسية تُنتج عالماً موازياً للمجتمع ...
- رسالة إلى حفيدتي يارا…
- حين تتحوّل الحكاية إلى لوحة في قصة جدتي ل -بيار فاضل-
- معادلة الميتا-كود والديجا فو (Déjà Vu) والإنسان كمنتَج خوارز ...
- هل الأسطورة والمعنى تمثل بناء النظام الرمزي للعالم؟
- هل تساوي قيمة الكاتب مكانَ نشره؟
- هل يمكن للمانغا أن تولد من رحم اللغة العربية؟
- الخوف من الحياة في شعرية المقاومة لدى إدريس سالم
- الهوية الكردية كخيط ناظم في رواية كريستال أفريقي
- الطغيان كـ كود احتمالي، لا كظاهرة سياسية فقط
- هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟
- ميغيل ميهورا في مجموعة قصصية بعنوان رجل واحد
- فن الطبخ في مسلسل -هنيبعل-: الجمال الملوث بالدم
- فلسفة هنيبعل وتفسير النفس البشرية
- هل السرد البصري المكتنز هو فعل مشترك بين الفنان والمشاهد؟
- جدلية الشفاء والعجز في لقاء نيتشه وبروير في فيلم حين بكى نيت ...
- سردية التيه والوعي في هامش العالم العربي
- رحلة في عمق الحب والتواصل في عصر الذكاء الاصطناعي
- الحقيقة، حين تتأخر، تكون قد ماتت فعلاً.
- التطور القادم من التخابر


المزيد.....




- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...
- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل رواية- بيت الجاز- هي جولة في النفس البشرية المشتعلة؟