أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟















المزيد.....

هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 18:14
المحور: الادب والفن
    


هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟

ندخل متاهة النساء في كتاب "كراهية النساء" للدكتورة "عايدة الجوهري "ورواية "ما يحدث في دبي يبقى في دبي "للروائية صوفي غرافيا ففي الأدب كما في الحياة، لم تكن يوماً مجرد جسد أو كائن عابر، بل كانت دوماً مسرحاً تُكتب عليه صراعات المجتمع، وتُختبر عبره حدود القيم. الجسد الأنثوي تحديداً ظلّ، على مرّ التاريخ، نصاً يكتبه الآخرون، يزيّفونه أو يمحونه أو يفرضون عليه صوراً جاهزة. حين قرأت رواية ما يحدث "في دبي يبقى في دبي "عصفت بي الكثير من التساؤلات عن الجرأة التي عالجت فيها "صوفي" مواضيع خاصة بالمرأة واختيارها لدبي تحديداً. وما عصف بي أكثر عندما قرأت كتاب "كراهية النساء" للدكتورة "عايدة الجوهري" لأن كل منهما تجربتان أدبيتان مختلفتان شكلاً وزمناً ، لكنهما تلتقيان عند الجرح ذاته. كتاب عايدة الجوهري "في كراهية النساء"، ورواية صوفي غرافيا "ما يحدث في دبي يبقى في دبي".الأول نصّ تحليلي نقدي يشرّح الجذور العميقة لكراهية النساء في التربية والعائلة والنظام الرمزي؛ والثاني رواية معاصرة تحكي عن امرأة شابة، زارا، تبحث عن ذاتها في مواجهة معايير الجمال والحب والخيبة في مدينة تلمع لكنها تجرح. وبين مشرط الجوهري وحكاية غرافيا يتشكل حوار خصب، يكشف كيف أن الجرح واحد، وإن اختلفت صوره وسياقاته. فهل الفرق كبير جدا بين زارا في رواية صوفي غرافيا وبين جنان في كتاب كراهية النساء لعايدة الجوهري؟
ترى عايدة الجوهري أن المرأة تُزرع في داخلها بذرة الشعور بالنقصان منذ طفولتها الأولى. ليس المجتمع الخارجي وحده هو الذي يمارس القهر، بل البيت، والأم تحديداً، حين تعكس كراهيتها لابنتها" إنّ نفور الأم من ابنتها وكراهيتها لها، يؤسّس لهزيمتها الوجودية، التي سوف تكون أشد مضاضة إذا اقترنت بهزيمتها الأنثوية" (في كراهية النساء). إذاً الجرح ليس حادثة، بل بنية. الطفلة تكبر وهي تحمل شعوراً بأنّها ناقصة، وأن وجودها نفسه عبء أو عار. إنّه جرح وجودي قبل أن يكون عاطفياً، جرح يتجسد في الوعي منذ الطفولة، فينبت معه شعور دائم بالهزيمة. فهل من جرح حديث سببه الحبّ والذات في رواية غرافيا؟
تقدّم صوفي غرافيا جرحاً آخر، أقرب إلى التجربة الفردية. بطلتها زارا لا تحمل عقدة الطفولة بالمعنى المباشر، لكنها تواجه جرحاً نابعاً من الحبّ والفقد والخيبة. تتساءل باستمرار عن جسدها وصورتها، وتجد نفسها محاصرة بمعايير الجمال المثالية التي لا ترحم. تقول زارا في وصف الصور التي عُلّقت على جدران العيادة "كل امرأة منهن لا ترتدي سوى ملابس داخلية، وقد برزت بوضوح الندوب والبثور والسيلوليت وعلامات التمدّد... بدت رؤيتي ملهمةً ومميزة، تباهيهنّ بعيوبهنّ غير نظرتي لجسدي أنا أيضاً" (ما يحدث في دبي يبقى في دبي)." إذ يتحول الجسد إلى مرآة للجرح الحديث. ليس القمع المباشر من الأم أو الأب، بل الرقابة الداخلية والخارجية في عصر الصورة والمثالية الرقمية. زارا لا تُجلد لأنها أنثى فحسب، بل لأنها لا تشبه الصورة المثالية التي يفرضها الإعلام والمجتمع.

لكن عند الجوهري، البيت هو الأصل، المكان الذي يفترض أن يمنح الأمان لكنه يغرس بذور القمع. الأم والأب والأخ يشكلون شبكة رمزية تُعيد إنتاج كراهية النساء. البيت هنا ليس ملاذًا بل جرحاً.أما في رواية غرافيا، فالمكان هو المدينة. دبي بكل ما تمثله من ترف واستهلاك وصور لامعة. تقول زارا "شعرتُ فجأة وكأنني سجينة هذا الشاطئ… أحتاج إلى البقاء وحدي أكثر من أي وقت مضى" المكان الذي يفترض أن يكون فضاءً للراحة والاستجمام يتحول إلى سجن رمزي، حيث تُراقب زارا صورتها باستمرار، وحيث تُفرض عليها المقارنات بين جسدها وأجساد الأخريات. إذا كان البيت هو جرح الطفولة، فالمدينة عند صوفي هي جرح الحاضر. فهل من عقدة الدونية إلى الاعتراف بالندوب نستمتع في الكتابين جداً؟
في كتاب الجوهري، الجسد يُختن ويُحجب ويُراقَب، وتُغرس فيه مشاعر العار. إنه موضوع للسيطرة المباشرة: جسد لا يُسمح له بأن يكون حراً أو مرئيًا إلا كموضوع للآخر.أما في رواية غرافيا، فالجسد موضوع للصورة وللاستهلاك. الجرح ليس في محوه بالكامل، بل في تضخيمه ومراقبته الدائمة. تقول زارا"اشتقتُ إلى كمية الثياب التي كنت أرتديها لأخبئ شكل جسدي البغيض عن العالم" لكن بين الاختفاء القسري (عند الجوهري) والظهور القسري (عند غرافيا) يتشكل خيط واحد الجسد لا يُترك ليكون كما هو. دائمًا هناك عين أخرى تفرض عليه أن يكون مختلفًا، مثالياً، خاضعاً للمعايير.
كلا الكتابين يكشف أن السلطة الذكورية ليست في الرجل الفرد وحده، بل في النظام كله. عند الجوهري، الأب الغائب أو المتسلّط جزء من منظومة تُعيد إنتاج دونية المرأة. أما عند غرافيا، فتظهر السلطة في صورة راج، المدير والصديق الذي يرفض فكرة زارا التجميلية، لا لأنها سيئة، بل لأنه لا يثق أن السوق أو المجتمع سيتقبلها. تتساءل زارا هل يؤخذ رأيي على محمل الجد؟.
هذا السؤال يعكس جوهر القمع الحديث. ليس أن المرأة لا تفكر، بل أن تفكيرها لا يُعترف به. إنها ليست ناقصة عقل، بل مُعتبَرة كذلك. وهذا يلتقي مباشرة مع ما تقول الجوهري عن التنشئة التي تجعل الطفلة تعيش وكأنها أقل قيمة. فهل المنافسة بين النساء هي من الأم إلى كلوديا؟
في كتاب الجوهري، الأم نفسها تكره ابنتها لأنها تراها انعكاساً لهشاشتها. المنافسة تبدأ من العلاقة الأمومية، حيث الأنثى تعيد إنتاج قمع الأنثى. وفي رواية غرافيا، تظهر المنافسة في صورة كلوديا المرأة المثالية، الشقراء، الضاحكة، التي تجسّد الصورة التي يُحتفى بها اجتماعياً. وجودها يُشعل غيرة زارا، ويضعها في مقارنة مستمرة. "بينما زارا تتصبب عرقاً وتحاول جاهدة أن تبدو جميلة بما يكفي" كلتاهما تكشف أن المرأة لا تُقهر فقط من الرجال، بل من نظام يجعل النساء أنفسهن في منافسة غير عادلة، حيث تُقسم إلى فائزات وخاسرات وفق معايير ذكورية.
لغة الجوهري جافة، حادة، أشبه بمشرط جراح يفتح الجرح ليريه واقعها أو حقيقتها الفعلية . اقتباسها عن الأم النافرة مثال. جملة قصيرة، تحليلية، لا تحتمل الزخرفة. بينما لغة غرافيا حكاية معاصرة. مليئة بالتساؤلات، بالأحاسيس المباشرة، بلغة الصور والعدسات والكاميرات. تقول زارا: "هل يمكنني أن أكون حقيقية، غير مصقولة، غير مستعدة، وأن أظل محبوبة ومقبولة؟" الجوهري تسائل المجتمع كله. غرافيا تسائل الذات في مرآة المدينة. الأولى تنظّر أو تحفر في باطن الواقع، الثانية تروي. لكنهما يلتقيان عند سؤال واحد وهو كيف يمكن للمرأة أن تعيش حقيقتها؟
تمرد الجوهري جذري ناعم رغم قوته أو حدته بالأحرى. لأن بحثها ينطوي على الحقيقة المجتمعية وأيضاً تفكيك البنية، تغيير العلاقة بين الأم وابنتها، ثورة على الخطاب الأبوي. إنه مشروع تحرر طويل، صعب، لا يرضى بأنصاف الحلول. أما تمرد غرافيا ناعم عبر العيادة، عبر إعادة تعريف الجمال، عبر نشر صورة على وسائل التواصل. لكنه تمرد له أثره، لأنه يلمس القارئات في حياتهن اليومية. تقول زارا في ذروة الرواية: " شعرت أنني أُمكّن النساء، وأشجّعهنّ على احتضان فرادتهنّ، بدلًا من تشجيعهن على الظهور كشخص آخر" .
بين التمرد النظري العميق والتمرد العملي الناعم، يتكامل الكتابان إذ الأول يعطي البنية، الثاني يعطي التجربة.في النهاية، يتفق الكتابان على أن الاعتراف بالجرح شرط للتحرر. الجوهري تعترف به كجرح بنيوي في الطفولة. غرافيا تعترف به كجرح معاصر في زمن الصورة. كلاهما يكسر الصمت. الأول بصوت التحليل، الثاني بصوت الحكاية. إنهما معاً يقدّمان للمرأة طريقين متكاملين. أن تفهم جذور جرحها (الجوهري)، وأن تحكي تجربتها في العالم المعاصر (غرافيا). بين المشرط والمرآة يتشكل نص واحد هو نص الاعتراف، الذي قد يكون بداية الشفاء.
يمكن القول إن كتاب "في كراهية النساء" ورواية "ما يحدث في دبي يبقى في دبي" ليسا متعارضين، بل متكاملين. الأول يكشف البنية العميقة لكراهية النساء منذ الطفولة، والثاني يعرض كيف تتجلى هذه الكراهية في أشكال جديدة في زمن الاستهلاك والصورة.من الأم النافرة التي تقول عنها الجوهري إنها تؤسس لهزيمة ابنتها، إلى زارا التي تبكي على الشاطئ وتشعر بأنها سجينة الصورة، هناك خيط واحد وهو الجسد الأنثوي كموضوع للقهر والرقابة. لكن هناك أيضاً خيط آخر: الرغبة في الاعتراف والتمرد، سواء عبر التحليل النظري أو عبر السرد الروائي.الجسد إذن ليس ملكاً للآخرين. هو نصّ مفتوح، يُكتب ويُعاد كتابته، يجرَح لكنه يُشفى، يُراقَب لكنه يقاوم. وكما تسأل زارا: "هل يمكنني أن أكون حقيقية، غير مصقولة، غير مستعدة، وأن أظل محبوبة ومقبولة؟"، يمكن أن نسمع صدى الجوهري وهي تجيب: نعم، إذا تحررنا من عقدة النقصان المزروعة منذ البداية.
بيروت - لبنان- الساعة الرابعة عصراً في 26 أيلول 2025



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميغيل ميهورا في مجموعة قصصية بعنوان رجل واحد
- فن الطبخ في مسلسل -هنيبعل-: الجمال الملوث بالدم
- فلسفة هنيبعل وتفسير النفس البشرية
- هل السرد البصري المكتنز هو فعل مشترك بين الفنان والمشاهد؟
- جدلية الشفاء والعجز في لقاء نيتشه وبروير في فيلم حين بكى نيت ...
- سردية التيه والوعي في هامش العالم العربي
- رحلة في عمق الحب والتواصل في عصر الذكاء الاصطناعي
- الحقيقة، حين تتأخر، تكون قد ماتت فعلاً.
- التطور القادم من التخابر
- السرد الرمزي العربي في رواية- الولد الذي حمل الجبل فوق ظهره ...
- هل التحليل الجيومتري الديناميكي في لوحة جبران طرزي يعزز الإي ...
- مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب
- هل يُمكن لشعب أن يرث نبياً دون أن يرث رؤيته؟
- الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويو ...
- كم يمكن أن نُفرّط في حرياتنا مقابل الشعور بالأمان
- ما بين قوانين النقد الصارمة و- لعبة العفريتة-
- هل من رسائل مخفية يمكن استنتاجها في رواية أوراق شمعون المصري ...
- سردية اعترافية لراوٍ عاشق ومقاوم في رواية
- عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف
- -حياة غير مكتملة-: حين يُبعث الغفران وسط رماد الحزن


المزيد.....




- ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ ...
- خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
- أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية ...
- طريق الحرير.. القصة الكاملة لأروع فصل في تاريخ الثقافة العال ...
- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...
- عبد الكريم البليخ في -بكاء الحقل الأخير-... ثلاثون قصة عن ال ...
- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟