أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب














المزيد.....

مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


في رحلة الإنسان نحو البحث عن الذات، يجد الكثيرون أنفسهم في مواجهة تحديات ليست بالضرورة خارجية فقط، بل داخلية، في صراع بين القناعات، والقيم، والبيئة التي تحيط بهم. وإذا كان التحدي الأكبر في فهم الذات، فإن التحدي الآخر يكمن في نقل تلك الفهم إلى العالم الخارجي، خاصة حين تكون الرسالة مختلفة عن التيار السائد.

قصتي ليست فريدة من نوعها، لكن خصوصيتها تكمن في كونها رحلة تداخل فيها الإيمان، المعرفة، والفن في كيان واحد، ليصبح التعبير عن الذات مهمة شاقة وسط بيئة ثقافية واجتماعية لم تحتضن بعد التنوع الفكري والتعبيري.

عندما قرأتُ «نهج البلاغة» بعمر عشرين سنة، و«تفسير القرطبي» عند الخامسة والعشرين، لم يكن هدفي مجرد التعمق الديني، بل كان جزءاً من بناء وعي روحي وفكري متكامل. التزمتُ إيمانياً منذ الصبا، لكن ليس فقط كطقس خارجي، بل كحقيقة أعيشها وأستنير بها في كل ما أكتب وأفكر.

مع ذلك، كان المحيط من حولي يفتقر إلى ذلك الوعي، سواء قبل الإسلام أو حتى في إطار الممارسة الدينية نفسها، ما شكل فجوة واضحة بين ما أؤمن به وما يُتوقع مني في مجتمع يختزل الدين في طقوس شكلية أو أحكام جامدة. هذا التباين بين الذات والبيئة لم يكن فقط تحدياً نفسياً، بل انعكس بشكل حاد في تعامل الناس معي، خاصة حين بدأت أكتب عن مواضيع الفن والثقافة، التي في نظر البعض تبدو بعيدة أو حتى متناقضة مع الدين.

في ظل ما يمكن تسميته بـ«الثورة العقائدية» والهجمات المغلقة على حرية الفكر، وجدت نفسي أُتهم بالكفر والزندقة فقط لأنني طرقت أبواب الفن، وناقشت مواضيع غير مألوفة في مجتمع يختزل التعبير في نمط واحد. هذا الاتهام لا يوجه لي فقط ككاتبة، بل هو بمثابة رسالة تحذير لكل صوت مختلف يحاول الخروج من القوالب.

ولا يمكن تجاهل أن هذه المعاناة تتضاعف عند المرأة بشكل خاص، إذ أن التحديات التي تواجهها ليست فقط فكرية أو اجتماعية، بل تتجلى في شكل استهزاء وتنمر متزايد، يستهدف جسدها، مظهرها، وحتى وزنها، كما لو أن حرية التعبير والإبداع لا تجتمع مع أنوثتها. في هذا المجتمع، تصبح الكلمة أداة للتحقير، والاختلاف ذريعة للسخرية، ولا تتوقف الهجمات عند حدود النص أو الفكر، بل تمتد لتطال الشخصية والكرامة.

هنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف يمكن للمرأة أن تعيش إيمانها الحقيقي، الذي ينبع من روحانية شخصية، وتعبر في الوقت نفسه عن فنها وأفكارها بحرية، وسط موجة من الاستهزاء والتنمر التي تحاول تحجيم صوتها وتدمير ثقتها بنفسها؟ هل يُطلب منها أن تختار بين احترام ذاتها وعيشها الإيماني، أو أن تتخلى عن شغفها وعبيرها الفني؟

الإجابة ليست سهلة، لكنها تكمن في أن الإيمان الحقيقي لا يتناقض مع الفن، بل يثريه، وأن الفن أرقى أشكال التعبير عن الروح الإنسانية التي خلقها الله بكل جمالها وتعقيداتها. إذاً، لا ينبغي أن يكون الفن سبباً في وصم الإنسان بالكفر، ولا مبرراً للتحقير والتنمر عليه، بل عليه أن يكون جسراً لفهم أعمق وأشمل.

إنّ رحلتي التي تداخل فيها الدين والفن، والمعرفة والثقافة، تؤكد أن الإنسان، وخاصة المرأة، كيان متعدد الأبعاد، لا يُختزل في صورة واحدة أو قالب محدد. وأمام هذا الواقع، يبقى الأمل في أن تتسع المساحات الفكرية والثقافية، لتقبل التنوع والاختلاف، وأن يُحترم كل صوت يحمل رسالة صادقة، مهما اختلفت طرق التعبير.

في النهاية، تبقى الكتابة رسالة مقدسة، وأداة للوعي والتغيير، لا يمكن أن تُقيدها مخاوف أو أحكام جامدة، بل تحتاج إلى شجاعة وإيمان راسخين لمواجهة كل التحديات، خصوصاً في ظل مجتمع لا يزال يكافح قبول صوت المرأة كذات مستقلة ومتعددة الأبعاد.
لله الأمر



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يُمكن لشعب أن يرث نبياً دون أن يرث رؤيته؟
- الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويو ...
- كم يمكن أن نُفرّط في حرياتنا مقابل الشعور بالأمان
- ما بين قوانين النقد الصارمة و- لعبة العفريتة-
- هل من رسائل مخفية يمكن استنتاجها في رواية أوراق شمعون المصري ...
- سردية اعترافية لراوٍ عاشق ومقاوم في رواية
- عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف
- -حياة غير مكتملة-: حين يُبعث الغفران وسط رماد الحزن
- بارتلبي ورفض عالم هيرمان ميلفل الحديث والكئيب
- تيار الوعي بين الحب والصداقة والعالم الهش في رواية قلب ضعيف ...
- صوفيا رواية حرة تُحلق بنا فوق سماء الغيب
- سردية القهر والانتحار في هلوسات ترشيش للروائي حسونة المصباحي
- بنية القلب الواعي في هندسة العلاقة الإنسانية
- الطيار الذي أسقطه الزمن ق في رواية -لا لون هناك-لمحسن الغمري
- نسمات أيلول- كوميديا اجتماعية تسلط الضوء على تقلبات الحياة ا ...
- رواية -عزازيل و الانتقال بين العوالم المادية والروحية
- -عقد ونصف العقد- لجمانة حداد بين نصل الحبر ومِداد التجربة
- الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي
- هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما ي ...
- هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني؟


المزيد.....




- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...
- -عالم الديناصورات: إحياء-… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا ...
- من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القد ...
- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...
- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب