أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما يشبهه؟














المزيد.....

هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما يشبهه؟


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 00:11
المحور: الادب والفن
    


تعد رواية "خضرا " للروائية اليمنية "حورية الأرياني" تجربة سردية عميقة تفتح أمام القارئ أبوابًا واسعة لفهم جروح الهوية وحروب الذات في مواجهة القيم الاجتماعية القامعة. إنها عمل أدبي يدمج بين النفس البشرية المتعذبة والمجتمع الممزق، ليُقدّم صورة مؤلمة، جمالية، وصادقة عن المرأة التي تقبع في دهاليز الذاكرة والمجتمع، تتأرجح بين محاولات التمرد والخضوع، بين القمع والحرية.
تُعتبر لغة الأرياني سلاحًا حادًا في يدها، تُبني بها عوالم الشخصية وتُعبّر عن صراعها الداخلي. لغة الرواية ليست مجرد أداة توصيل للأحداث، بل هي طريقة لكشف الكوامن النفسية للشخصيات ورؤية العالم من خلال عيون امرأة تبحث عن ذاتها في عالمٍ غارق في الصمت والسرية. استخدام ضمير المتكلمة "الأنا" في السرد يُعزز التجربة الحسية للبطلة، ويوصل القارئ إلى عمق المشاعر والآلام التي تعيشها. نجد أن هذه اللغة تتراوح بين الشاعرية والواقعية في وقت واحد، فالشاعرية تخترق النص من خلال استعارات مؤلمة مثل: "شمس متحيزة لا تعطي الفقراء دفأهم"، ما يعكس قسوة العالم الخارجي، في حين أن الواقعية تظهر في تفاصيل الحياة اليومية المأساوية التي تعيشها البطلة في أحياء المدينة.
لكن الأجمل في هذا النص الروائي هو تلك اللمسات النفسية العميقة التي تتسلل إلى أعماق الروح البشرية، حيث تجعلنا نغرق مع البطلة في تيارات الذاكرة المتشظية، والحب الممنوع، والتخلي العنيف عن الهوية. اللغة هنا تتخذ طابعًا نفسيًا جماليًا يعكس التشتت الداخلي للذات الإنسانية، في علاقة مع العدم الاجتماعي الذي يلاحقها.

أحد الأبعاد الأكثر قوة في الرواية هو تحليل الروائية لوضع المرأة في المجتمع، وخاصة في مواجهة التقاليد المتحجرة والظروف الاجتماعية القاسية. نجد في شخصية "خُضرا" تجسيدًا للمرأة المأزومة التي تحمل في طياتها أبعادًا متعددة من المعاناة والخذلان. "خُضرا" ليست مجرد أم بيولوجية، بل هي رمز للأمومة المكسورة والمرأة التي تجرّعت ألم المجتمع المعادي لها. هي ليست فقط ضحية الظروف القاسية، بل هي انعكاس للنساء اللواتي يتم قمعهن بسبب حبهن أو لأسباب قد تكون خارج إرادتهن، كأن يحببن بطريقة غير مقبولة اجتماعيًا. من خلال "خُضرا"، تقدم الأرياني صورة لامرأة ضعيفة في نظر المجتمع، لكن تمتلك قوة لا يُستهان بها في قدرتها على التمرد على هذا المجتمع في النهاية، ولو كان ذلك على حساب الاعتراف بالخطأ المتأخر.

أما البطلة، "نور"، فهي تتنقل عبر خيوط الهوية الضائعة، محكومة بذاكرة مجروحة لا تجد فيها ملاذًا آمنًا. هي نموذج المرأة الممزقة بين الجرح الداخلي والبحث عن وجودها في عالم لا يعترف بوجودها. صراعها بين الأمل واليأس يُظهر الوجه الآخر للمرأة في المجتمعات المغلقة، حيث يُنظر إليها ككائن هامشي لا يمتلك الحق في أن يكون "نفسه"، بل يجب أن يرضخ لتصورات الآخرين عن هويتها. هذا الصراع النفسي يعكس ملامح الهوية المجروحة، كما تَظهر في السؤال المتكرر الذي ترافقه طوال الرواية: "من أنا؟ من أمي؟ من أبي؟" هذه الأسئلة ليست مجرد تساؤلات عن النسب، بل عن القيمة الوجودية لهذه المرأة التي تبتعد عن ذاتها في سعي دائم للبحث عن معنى.
المدينة، بكل تفاصيلها، تأتي في الرواية كعنصر أساسي يعكس الصراع الداخلي والخارجي للبطلة. صنعاء، الجامع، السوق، هي أماكن تمثل في ذاتها سجونًا تكتنف البطلة وتفرض عليها قيودًا، لكنها في الوقت نفسه أماكن قد تمثل الفرصة الأخيرة للتعرف على الذات. المكان هنا ليس مجرد خلفية سردية، بل هو شخصية فاعلة في الرواية، المُدججة بالرمزية: السوق هو سجن مرئي، والجامع هو مكان لتبرير الخنوع، بينما المدينة نفسها تعكس الخواء الذي يتسرب إلى الروح البشرية. فهل الرواية مرآة لمجتمع النساء المنهك؟

في قلب الرواية الإجتماعية هذه ، تجد حورية الأرياني مجالًا عميقًا للتنقيب في النفس الاجتماعية للمرأة التي تعيش في مجتمعات تقيد حرية النساء تحت مظلة الأعراف والتقاليد. "خُضرا" هي المرأة التي يعاقبها المجتمع لمجرد أنها قد أحبت أو ارتكبت خطيئة متمثلة في حب ممنوع أو فعل غير مقبول. في مقابل ذلك، تُظهر الرواية صراع البطلة، التي تقف أمام حقيقة أن كلما اقتربت من الحرية كلما اغتُصِبَت هويتها أكثر. نرى في الرواية كيف تتجلى سلسلة طويلة من الخذلان الاجتماعي الموجه ضد النساء في مجتمع يتستر على الظلم بالعرف.

الأرياني من خلال نصها تعكس معاناة المرأة في مجتمعات تسلط عليها سلطات الذكورية، والتي لا تسمح لها بالعيش في أمان وحرية. هي ترى أن حرية المرأة ليست مجرد تمرد على القيم، بل هي حق في إعادة بناء نفسها بعيدًا عن قيود المجتمع الظالمة. لكن، كما تظهر الرواية، حتى في اللحظات التي تصل فيها البطلة إلى المعرفة الذاتية، تظل محاطة بالمجتمع الذي يشكك في حقها في الوجود كما هي، ويضع على عاتقها عبء التصالح مع مجتمعاتها التي لا ترى في تلك الحرية إلا تهديدًا.
رواية "خضرا" ليست مجرد سردية عن امرأة تبحث عن هويتها بين أنقاض الذاكرة، بل هي صرخة جيل كامل من النساء اللواتي وُلدن تحت نير القمع الاجتماعي، وعشن صراعًا مستمرًا بين حب الذات ورفضها، بين الحرية القسرية والاستقلال الممنوع. هي عمل فني يعكس الجرح النفسي العميق للمرأة، وتُلقي الضوء على الأبعاد النفسية والاجتماعية التي تجعل من الحرية بحثًا مستمرًا غير مكتمل، رغم الألم. الرواية لا تقدم نهاية واضحة أو نهائية، بل تفتح أبوابًا واسعة للتساؤل والتأمل في مكانة المرأة في المجتمع، وتُحيلنا إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم "الحرية" الذي لا بد أن يكون مشروطًا بالنضج الداخلي والمسؤولية الاجتماعية.
إذن، هي ليست مجرد قصة بحث عن النسب، بل هي رحلة بحث عن الذات في عالمٍ تسوده القيود والأنماط القاسية، لكن الأهم من ذلك أن الرواية تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما يشبهه؟
طرابلس- يوم السبت 17 من شهر أيار 2025 الساعة العاشرة مساء



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني؟
- الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش
- وهم الواقع وواقع الوهم في رواية -ترانيم التخوم-
- -وادي الفراشات- لكل من فقد شيئًا في حياته ولم يجده بعد
- الطانفا ... رواية الذات في مرايا التاريخ
- الحياة في ظل قناع رجل
- في حضرة العشق الطاهر
- الذاكرة المظلمة
- الشعر بين التقليد والحداثة قراءة في رؤية نزار دندش للأدب
- تبقى الديمقراطية هي الفاعلة
- حين تصير الموسيقى امتدادًا للروح
- الدراما السياسية في سيرة معاوية بن أبي سفيان بين التاريخ الم ...
- -البطل- معركة الإنسان مع نفسه في زمن الفوضى
- لام شمسية- وآثاره في مواجهة قضايا التحرش بالأطفال عبر الدرام ...
- الدماء التي لا تنسى -فهد البطل- وجوهر الصراع الأخوي
- أم هاشم وحقل الشوفان
- حديقة -الامريكان في بيتي- وشجرة الالوان
- خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون ...
- هل الرواي اداة وظيفية دالة..؟
- صلاة لبداية الصقيع


المزيد.....




- حين تصفق السينما للنجم.. -فرسان ألتو- تكريم لروبرت دي نيرو ...
- وفاة مغني الراب الفرنسي من أصل كاميروني ويرنوا عن 31 عاما
- مصر تحقق إنجازا غير مسبوق وتتفوق على 150 دولة في مهرجان كان ...
- ذكرى -السترونية-.. كيف يطارد شبح ديكتاتور وحشي باراغواي ومزا ...
- بعد وثائقي الجزيرة.. كوثر بن هنية تحوّل مأساة هند رجب إلى في ...
- «هتتذاع امتى؟» رسميًا موعد عرض الحلقة 192 من مسلسل المؤسس عث ...
- مهرجان كان: الفلسطينية ليلى عباس تتوج بجائزة أفضل مخرجة في ج ...
- مهرجان كان: الفلسطينية ليلى عباس تتوج بجائزة أفضل مخرج في جو ...
- مستوطنون إسرائيليون يستهدفون ناشطًا فلسطينيًا بعد ظهوره في ف ...
- شجرة نخيل تهوي على ضيف بمهرجان كان السينمائي نقل إثرها إلى ا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما يشبهه؟