ضحى عبدالرؤوف المل
الحوار المتمدن-العدد: 8300 - 2025 / 4 / 2 - 21:42
المحور:
الادب والفن
يبرز مسلسل "لام شمسية" كأحد الأعمال التي تلامس القضايا الاجتماعية والنفسية بطريقة مبتكرة وعميقة، متجاوزا كونه مجرد عمل ترفيهي ليصبح أداة تحليلية تفتح أمام المشاهدين العديد من القضايا الحاسمة التي يعاني منها المجتمع. المسلسل لا يروي مجرد قصة، بل يشكل مرآة لواقع معقد، يعكس مشكلات تتشابك مع التحولات الاجتماعية الراهنة، مما يطرحه كعمل درامي يتجاوز التقليدية، ويضع أمامنا تساؤلات حول مدى الجرأة في طرح القضايا الاجتماعية الحساسة والتمثيل الدقيق لتفاصيل الحياة اليومية للمحيط الذي يعيش فيه المتحرش به. فكيف تفاعل "لام شمسية" مع هذه القضايا؟ وهل استطاع أن يكشف ما وراء الستار الاجتماعي؟
الدراما، التي لا تقتصر على كونها وسيلة للترفيه فحسب، إذ تصبح في هذا المسلسل أداة قوية لعرض المشاعر والأزمات التي يعايشها المجتمع. في "لام شمسية"، تتداخل الأحداث في قصة معقدة تعكس العلاقات الأسرية، التربوية، والاجتماعية،والأخلاقية، وتستعرض من خلالها رحلة شخصية "نيللي"، التي تمثل نموذجًا للمرأة المدركة لدورها الأمومي المهم، المرأة التي تكافح في عالم مليء بالتحديات. المسلسل يسلط الضوء على قضايا الحرية الشخصية وحمايتها، والثقة بالآخرين، والظلم الاجتماعي، والخوف من الناس بما يعزز منصة للحديث عن هذه القضايا التي غالبا ما تُغيّب في الأوساط التقليدية.
نجاح المسلسل لا يكمن فقط في حبكته المثيرة، بل في عمق تناول الصراع الداخلي الذي يعيشه الأفراد، حيث يشعر المشاهدون بأن ما يحدث على الشاشة يعكس مواقف الحياة اليومية، خاصة في العلاقات الأسرية. بين الآباء والأبناء، وبين الأزواج، يحمل المسلسل رسائل قوية حول الضحية ومعاناة الأهل في الإفصاح أو التستر. فهل نجح "لام شمسية" في تفكيك الشخصيات وعرض تأثيراتها في المجتمع؟
من أبرز الشخصيات التي أضاء عليها "لام شمسية"، نجد شخصية "نيللي "، التي تعتبر تمثيلا حقيقيًا لشخصيات تعيش تحت وطأة التحديات الاجتماعية والضغوط اليومية. طرح المسلسل من خلال "نيللي" التي تقوم بدورها الممثلة أمينة خليل تساؤلًا محوريًا: كيف يمكن للفرد أن يحقق ذاته بحرية في مجتمع تقليدي يفرض عليه القيود؟ هذا الصراع الذي يواجهه الفرد في محاولته للحفاظ على استقلاله في ظل قوى اجتماعية تحاول تقيده، هو جوهر المسلسل، مما يجعله ليس مجرد عمل درامي، بل دراسة اجتماعية ونفسية في الطبيعة الإنسانية. فهل هذا المسلسل حفر في أعماق المجتمع المعاصر جريمة ستلقي بظلالها الثقيلة على الوعي الجمعي؟ وهل المشاهد التي تصور معاناة يوسف ونيللي وحتى أم المتحرش هي تشابك درامي نفسي اجتماعي يثير جدليات كثيرة ويُجبر المشاهد على تأملات في طبائع النفس البشرية؟
تتجسد هذه الصراعات أيضًا في تفاعلات الشخصيات الأخرى مثل "طارق" الذي يقوم بدوره الفنان أحمد صلاح السعدني ويسرا اللوزي التي تقوم بدور رباب، اللذين يمثلان محورا آخر للمسلسل، حيث تتراوح علاقاتهما بين الحب والخيانة والتضحية، مما يعزز الأبعاد العاطفية للمسلسل. فهل استطاع العمل أن يعكس ما يحدث في المجتمع من صراعات داخلية؟ وهل أحاطت الكاتبة بوجوه عدة قتلة شاركوا في هذه الجريمة بسبب الإهمال أو عدم التصديق أو حتى الخوف من المواجهة، والأهم الخوف من عدم التصديق والوقوع في المحاكم بسبب التشهير؟
"لام شمسية" لا يتوقف عند مجرد سرد حكاية خيالية، بل يسبر أغوار الواقع الاجتماعي ويكشف عن مشكلات عدة مثل الطبقية والفقر، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها المجتمع في مجالات التعليم والعمل. عبر هذه القضايا، يطرح المسلسل تساؤلات حول العدالة والمساواة في مجتمع يعاني من أوضاع عصرية وتربوية وفكرية صعبة. وقد خرج صناع العمل من النمطية الدرامية حيث تجسد الشر في أبهى تجلياته وهذا التصور سكن في ذهن المشاهد، لأنه يمثل جزءًا من الواقع المظلم والمعقد. فهل للأهل والإعلام وحتى المحيط القريب من الضحية الدور الأساسي في تشكيل الصورة العامة لهذه الجرائم المسكوت عنها؟
عالج المسلسل أيضا قضايا المرأة في المجتمعات العربية كما رباب، وهي ضحية أخرى كونها زوجة المتحرش التي تعاني من خوف على ابنتها، مشيرة الكاتبة إلى المعاناة التي تواجهها النساء في بيئات ثقافية تحكمها قيم قمعية أو محافظة. إذ في "لام شمسية"، تظهر الشخصيات النسائية بشكل قوي مثل نيللي ورباب وحتى عشيقة الزوج، حيث يكسرن القيود الاجتماعية المفروضة عليهن، ويؤكدن العمل على أن النضال من أجل التغيير يتطلب شجاعة وصمود. "نيللي"، على سبيل المثال، تصبح رمزًا للمرأة التي ترفض التقييد في حياتها المهنية والشخصية وتنتفض في سبيل الدفاع عن ابنها. فما هو الدور الذي يلعبه المسلسل في توعية المجتمع بهذه القضايا؟ وهل من الصعب التمييز بين الضحية وبين الفاعل أو المتحرش المريض نفسيا والمتستر تحت ثوب الدكتور المتعلم الجامعي والأخلاقي جدا؟ وهل يمكن أن تتجاهل العدالة التفاصيل الدقيقة للواقع الاجتماعي والنفسي للمتحرش؟
من خلال أحداثه وشخصياته، "لام شمسية" يظهر بوضوح تأثيره في تغيير النظرة التقليدية تجاه بعض القضايا المجتمعية. موضوعاته، على الرغم من حساسيتها، تفتح الباب أمام نقاش حقيقي قد يكون مغلقا في أوساط المجتمع التقليدية. يساهم المسلسل في نشر الوعي ويحفز المشاهدين على التفكير في جوانب حياتهم الشخصية والمجتمعية. فالمسلسل لا يعكس فقط الواقع المعقد للمجتمع، بل يقدم أيضا رسالة أمل وإصرار على التغيير. فهو لا يترك المشاهد في حالة من اللامبالاة أو الجمود الفكري، بل يدفعه للتفكير في كيفية تغيير سلوكياته والتفاعل مع قضايا المجتمع بشكل أكثر فاعلية. في الوقت الذي تركز فيه الكثير من الأعمال الدرامية العربية على التسلية والقصص الخيالية، يُعد "لام شمسية" خطوة مهمة نحو تقديم محتوى مدمج بين الترفيه والتثقيف في قضايا مهمة كالتحرش بالطفل.كما يسلط الضوء على تحول هام في صناعة الدراما، حيث أصبح الاهتمام بالقضايا المجتمعية الشائكة عربيا بشكل جاد وواقعي يشكل جزءًا أساسيًا من الإنتاج الفني العربي.
لقد فتح نجاح "لام شمسية" رؤية لتعقيدات مجتمعية عربية تحديدا لاستكشاف قضايا قد تكون محورية ولكنها صعبة أو حتى مثيرة للجدل. ورغم أن بعض هذه المواضيع قد لا تحظى بشعبية كبيرة في البداية، إلا أن المسلسل يعزز من قدرتنا على الدخول في حوار صريح حول القضايا التي تهم مجتمعنا. إذ يُعد "لام شمسية" أكثر من مجرد عمل درامي، إنه أداة ثقافية تعكس القضايا المجتمعية المهمة التي نعيشها، وتدعو إلى إعادة التفكير في تأثير تلك القضايا على الأفراد والمجتمع ككل. من خلال شخصية "يوسف" والصراعات التي تعيشها نيللي أيضًا، فالفكرة هي قوة دافعة للتغيير والتحول الاجتماعي، ويعيد الأمل في أن الدراما يمكن أن تكون أداة فعالة للتوعية والتغيير. وهي الأرض الخصبة لفهم العوامل الاجتماعية التي تقف خلف هذه الجرائم وتوجيه الأنظار إلى ضرورة إصلاح الأطر الاجتماعية والثقافية التي تساهم في هذه الظواهر.
لا يمكن القول إلا أن المسلسل متزن في رؤيته الدرامية من حيث عناصره الكتابية والإخراجية وأركانه الأخرى من موسيقى تصويرية وعنوانه المرتكز على "لام شمسية" ومعناها المجازي والاستعاري لأن "لام شمسية" يبدو معبرًا بشكل جميل ومؤثر، خصوصًا إذا كان يعكس فكرة معينة عن الفروق أو التناقضات، أو ربما يرمز إلى طاقات بشرية مختلفة. كما أن استخدام "اللام" في السياق العربي يشير إلى شيء محوري أو مهم. من خلال ربط "الشمسية"، يمكن أن يكون العنوان استعارة عن أشياء ظاهرة وخفية، أو ربما يرمز إلى شيء في حياة الإنسان يعيش بين النور والظلام، بين الأمل واليأس. فكيف إذا كان المسلسل يتناول موضوع التحرش؟ الاستعارة العميقة تبرز التناقضات بين الأضواء والظلال في حياة الضحايا، وبين المعاناة التي يعانونها في الخفاء (كما القمر) والتحديات التي يقومون بمواجهتها علنًا (كما الشمس). قد يسلط الضوء على النضال بين الظلام والنور، والطرق التي يواجه بها الأفراد هذه التجارب الصعبة في المجتمع. فماذا عن كلمات أغنية التتر؟
بدا تتر المسلسل مؤثرا للغاية والكلمات حملت عمقا كبيرا، تناغمت بشكل رائع مع الموضوع الذي تناوله المسلسل، وخاصة قضية التحرش والمعاناة الداخلية التي واجهها الضحايا. فالكلمات التي تذكرها الأغنية توحي بصراع داخلي طويل، شعور بالضياع والشتات بين الحقيقة والكذب، وأيضا قد تعكس الارتباك والتشتت الذي يعيشه الشخص الذي مر بتجربة مؤلمة. أنا مضطرة قول أن الحكاية هنا قد تكون بداية إعلان عن الحقيقة أو بداية التحرر من الصمت، و"كنت بحر مالوش نهاية" تعبر عن عمق المعاناة التي لا تنتهي. "لا أنا معايا ومش معايا" هي عبارة مؤلمة قد تشير إلى الشعور بالتضارب الداخلي بين القوة والضعف، وبين رغبة الضحية في المضي قدمًا بينما تشدها القيود الداخلية والخارجية. أما "الكدب أحيانًا مريح"، فهي تعبير عن الطريقة التي يهرب بها بعض الأشخاص من مواجهة الواقع المؤلم. الكذب يمكن أن يكون نوعًا من الهروب المؤقت من الحقيقة التي قد تكون مؤلمة جدًا.
فقد عزز تتر "لام شمسية" من الأجواء العاطفية والدرامية للعمل، وأضاف له بعدا إنسانيًا قويًا. فهذه الكلمات بدت كأنها تعبير صادق عن الصراع الداخلي الذي واجهه الأفراد الذين يتعاملون مع قضايا مثل التحرش أو غيرها من التجارب المؤلمة. فهل يمكن التصفيق بقوة لصناع هذا المسلسل الذي تم عرضه في رمضان 2025؟
#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟