أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش















المزيد.....

الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


تتأرجح رواية "الجرس الأخير" للروائي صالح إبراهيم بين العوالم المتشابكة للذاكرة والحاضر، حيث نجد الشخصية الرئيسية، عماد، في مواجهة مع صراعاته الداخلية التي تمثل جزءًا أساسيًا من تجاربنا الإنسانية. من خلال سرد مشوق ومليء بالعواطف المتناقضة، تسلط الرواية الضوء على مفاهيم مثل الحب والخيانة والندم والتضحية، وتفتح الباب أمام القارئ ليغوص في أعماق النفس البشرية. الراوي في الرواية هو عماد، الذي يمثل تمثيلًا واقعيًا لشخصية يعاني من التردد والتشابك بين مشاعر الحب والكره. يشكل عماد نقطة انطلاق الرواية، حيث نجد أنفسنا مدفوعين لرؤية عالمه من خلال عينيه، فيصبح القارئ جزءًا من صراعه الشخصي. لكن الرواية لا تقتصر على عماد فقط، بل تحتوي على شبكة من الشخصيات الأخرى التي تؤثر في مجرى الأحداث.

كما أن ملاك، الشخصية التي تعتبر محورًا في حياة عماد، تمثل الندم والخيانة، وهي الشخص الذي يعلق في ذهنه ولا يستطيع نسيانه رغم مرور الوقت. تعامل الرواية مع هذه الشخصية يشبه إلى حد بعيد علاقة الإنسان بالذكريات التي لا يمكن الهروب منها، تلك الذكريات التي قد تكون مريرة لكنها تمثل جزءًا لا يتجزأ من هويتنا. توضح الرواية كيف أن الحب، رغم كونه شعورًا جميلًا، قد يتحول إلى عبء ثقيل عندما يتداخل مع الخيانة.

في مقابل "ملاك"، نجد شخصيات أخرى مثل "حسام" و"سهى"، اللذين يمثلان واقع الحياة اليومية لعماد، حيث يشكلان معًا مرآة لعلاقاته مع العالم الخارجي. حسام يبدو وكأنه شخصية محورية في حياة عماد، ربما يقدم له المساعدة والمشورة في فترات الألم، لكنه في الوقت نفسه يمثل التحدي للعلاقة المتوترة بين عماد وملاك. بينما سهى تمثل الشخصية التي تخدم كداعم، حيث يجد عماد نفسه مشتتًا بين التوجه نحوها كبديل، وبين الاستمرار في عشقه غير المحقق لملاك.

ما يميز الرواية هو الطريقة التي يسلط بها الكاتب الضوء على الصراع الداخلي الذي يعاني منه عماد. هذا الصراع ليس فقط على مستوى عاطفي، بل يتعدى ذلك ليكون صراعًا بين الرغبة في البقاء في الماضي والاضطرار إلى التقدم نحو المستقبل. إن البعد النفسي للشخصية يشكل أساسًا لفهم الرواية، حيث نرى كيف أن عماد لا يستطيع التحرر من قيده العاطفي رغم رغباته المتناقضة. في العديد من المواقف، يظهر عماد وهو غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، حتى وإن كان يدرك تمامًا ما يجب عليه فعله.

هناك عنصر آخر يعزز من هذا الصراع الداخلي وهو العلاقة بين الحب والحرية. عماد يعتقد أن استمراره في علاقته مع ملاك قد يظل يشبع احتياجاته العاطفية، لكنه في نفس الوقت يدرك أنها علاقة مسمومة تبقيه في دائرة من الألم والذكريات الموجعة. الرواية هنا تعكس تساؤلات فلسفية حول معنى الحب: هل هو ببساطة "إحساس"، أم أنه مسؤولية، أم أنه فخ لا يمكن الهروب منه؟

تتجسد هذه الأفكار في أسلوب السرد المتقطع والذاتي، حيث يجد القارئ نفسه في حالة مشابهة لعماد، مشوشًا بين فترات من السكون والتفكير العميق، ثم قفزات نحو المستقبل حيث يتم اتخاذ القرارات الصعبة. عماد يمثل في هذه الحالة كل شخص في الحياة يواجه حالة من الاغتراب الداخلي، حيث يطرح السؤال الكبير: "هل يمكن للإنسان أن يتخلص من آثام الماضي، أم أنه محكوم عليها إلى الأبد؟"

من حيث الأسلوب، تستخدم الرواية لغة سردية بسيطة لكنها غنية بالتفاصيل التي تغمر القارئ في حالة من التشويش العاطفي. الكاتب يتقن استخدام الحوار الداخلي والوصفيات الدقيقة ليصوّر حالة عماد النفسية. الرواية لا تسير في خط زمني ثابت، بل تتنقل بين الماضي والحاضر، مما يعزز من حالة الارتباك في ذهن القارئ، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لعماد. هذا التلاعب بالزمن يمثل انعكاسًا لصراع الشخصية بين ما هو واقعي وبين ما هو متخيل أو ماضٍ.

كما يحرص الروائي صالح إبراهيم على استخدام الصور الأدبية بشكل مكثف؛ حيث تأتي بعض العبارات معبرة عن صراع عماد الداخلي، مثل "قلبه الذي ينبض بالندم"، أو "عينيه الغارقتين في الذكريات التي لا تشفي". هذه الصور تزيد من عمق النص وتجعله يثير التفكير في معاني أعمق للحب والخيانة والحزن. فماذا عن الموضوعات الكبرى: الحب والخيانة والبحث عن الذات؟

على الرغم من أن الرواية تتمحور حول تجربة عماد الشخصية، إلا أن الموضوعات التي تطرحها تتجاوز هذا الإطار الفردي إلى عوالم أكثر عمومية. الموضوع الأكبر الذي تدور حوله الرواية هو علاقة الإنسان بالماضي. كيف يمكن للماضي أن يشكل حاضرنا؟ وكيف تؤثر الذكريات في طريقة تعاملنا مع الواقع؟

الحب والخيانة هما الثيمات المركزية التي تتداخل بشكل معقد داخل القصة. الحب الذي يعيشه عماد ليس مجرد شعور عاطفي عابر، بل هو جرح مفتوح يظل ينزف ويؤثر في مجمل حياته. الخيانة، على الرغم من كونها غائبة بشكل مباشر، إلا أن تأثيرها يظهر في كل جانب من جوانب حياة عماد. هذه الخيانة لا تأتي فقط من الأشخاص، بل من الذات، من القرار الداخلي الذي يتخذه عماد بالبقاء في حالة الحزن والندم بدلاً من المضي قدمًا.

إضافة إلى ذلك، هناك موضوع البحث عن الذات، حيث نرى عماد في رحلة طويلة من الاكتشاف، يحاول من خلالها فهم هويته الحقيقية بعيدًا عن تأثيرات الآخرين. هي رحلة مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا رحلة ضرورية لكل شخص ليعيد بناء ذاته بعد التجارب العاطفية المؤلمة.

رواية "الجرس الأخير" ليست مجرد قصة حب تقليدية أو سرد لحياة شخصية مفككة، بل هي رحلة في أعماق النفس البشرية التي تتأرجح بين الأمل واليأس. من خلال تصوير الصراع الداخلي والتشويش العاطفي للشخصيات، تطرح الرواية أسئلة فلسفية عميقة حول الحب والخيانة والذاكرة، وتدعو القارئ للتفكير في علاقاته الخاصة، سواء مع نفسه أو مع الآخرين. من خلال هذه الرواية، يمكننا أن نتأمل في الحقيقة البسيطة: أن الحب ليس دائمًا مصدرًا للسعادة، وأن خيانة الذات قد تكون أخطر من أي خيانة أخرى. فماذا عن دلالة العنوان الرمزية للجرس الأخير؟

الجرس في الأدب غالبًا ما يكون رمزًا لعلامة أو إشارة على انتهاء شيء ما أو قدوم حدث ما. في العديد من الروايات، قد يرتبط الجرس بمشهد الوداع أو الخوف أو حتى الفقدان. وفي سياق "الجرس الأخير"، قد يكون العنوان إشارة إلى اللحظة التي يتعين على الشخصيات مواجهة مصيرهم، سواء كان ذلك توديعًا لشخص عزيز أو نهاية علاقة أو بداية لمرحلة جديدة من الحياة. قد يكون الجرس أيضًا علامة على النهاية الحتمية للشيء الذي لا يمكن التراجع عنه.

بما أن الرواية تتناول الصراع الداخلي بين الحب والخيانة، والتضحية والمصالحة، يمكن ربط العنوان بمرحلة حاسمة في حياة الشخصية الرئيسية، عماد. "الجرس الأخير" قد يكون إشارة إلى لحظة قرار حاسمة في حياته، تلك التي يختار فيها عماد بين العودة إلى ماضيه المؤلم وبين اتخاذ خطوة جديدة نحو المستقبل. قد يكون الجرس أيضًا دلالة على ذلك الفقد الكبير أو الخيانة التي تؤثر عليه بشكل عميق وتغير مجرى حياته.

كما أن الجرس في بعض الأحيان يمكن أن يرمز إلى دعوة للاستيقاظ أو للوعي بشيء ما كان غائبًا، وهو ما قد يعكس تحولًا في الشخصية، مثل إدراك عماد للألم الذي يعيشه أو الفهم العميق لقراراته السابقة التي أدت به إلى هذه اللحظة الحاسمة. عند الحديث عن "الجرس الأخير"، يمكن أن نتصور أن هذه اللحظة تمثل وقتًا محددًا، أو نقطة فاصلة في حياة الشخصية. قد يصف الجرس في هذه الحالة صوت القرار الأخير، سواء كان اتخاذ خطوة نحو التغيير أو الاستسلام للواقع. قد يكون هذا التغيير مرتبطًا بمصالحة الذات، أو حتى قرارًا مفاجئًا يغير مجرى الأحداث ويمنح الرواية منحنى جديدًا.

في النهاية، يحمل عنوان "الجرس الأخير" دلالة على اللحظة التي تتقاطع فيها الذكريات مع الحاضر، حيث يضطر الشخص إلى مواجهة ماضيه وقراراته بطريقة حاسمة. هذا العنوان يدعو القارئ إلى التفكير في اللحظات التي نقف فيها على عتبة اتخاذ قرار مؤلم أو حاسم. هذه اللحظات، التي قد تكون مربكة وصعبة، هي التي تحدد مصير الشخصيات في الرواية وتجعل من "الجرس الأخير" رمزًا لما هو أبعد من مجرد حدث عابر، بل لحظة محورية في الحياة.
إن "الجرس الأخير" هي رواية تشبع الذهن وتثير الوجدان، تترك القارئ في حالة من التأمل والبحث عن الإجابات في عالم مليء بالتناقضات.
طرابلس-لبنان السبت 10 أيار2025 الساعة العاشرة صباحا



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم الواقع وواقع الوهم في رواية -ترانيم التخوم-
- -وادي الفراشات- لكل من فقد شيئًا في حياته ولم يجده بعد
- الطانفا ... رواية الذات في مرايا التاريخ
- الحياة في ظل قناع رجل
- في حضرة العشق الطاهر
- الذاكرة المظلمة
- الشعر بين التقليد والحداثة قراءة في رؤية نزار دندش للأدب
- تبقى الديمقراطية هي الفاعلة
- حين تصير الموسيقى امتدادًا للروح
- الدراما السياسية في سيرة معاوية بن أبي سفيان بين التاريخ الم ...
- -البطل- معركة الإنسان مع نفسه في زمن الفوضى
- لام شمسية- وآثاره في مواجهة قضايا التحرش بالأطفال عبر الدرام ...
- الدماء التي لا تنسى -فهد البطل- وجوهر الصراع الأخوي
- أم هاشم وحقل الشوفان
- حديقة -الامريكان في بيتي- وشجرة الالوان
- خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون ...
- هل الرواي اداة وظيفية دالة..؟
- صلاة لبداية الصقيع
- زمن ما قبل الذاكرة – قراءة في رواية ساق البامبو
- المشرقي القادم من شريط حدودي محتل


المزيد.....




- المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي ...
- تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ ...
- حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا ...
- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش