ضحى عبدالرؤوف المل
الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 22:12
المحور:
الادب والفن
هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني وما الفارق بين الفيلم ورواية لورين وايسبرغر
فيلم "الشيطان يرتدي برادا" (2006) THE Devil Wears Prada”"هو واحد من أشهر الأفلام التي تناولت صناعة الموضة، واستحوذ على اهتمام العديد من المشاهدين بسبب قصته المليئة بالتحديات المهنية والشخصية التي تواجهها فتاة شابة تدخل عالم الموضة. وقد قام المخرج "ديفيد فرانكل" بتقديم هذا العمل السينمائي بناءً على رواية "لورين وايسبرغر"، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا عندما نُشرت عام 2003. ومع ذلك، يظل هناك فارق كبير بين الكتاب والفيلم في تقديم الشخصيات، وتسلسل الأحداث، والطريقة التي تم بها تناول المواضيع الرئيسية.
في فيلم "الشيطان يرتدي برادا"، تُمثل" آن هاثاواي" شخصية "آندي ساكس" ، وهي خريجة حديثة من جامعة نورث وسترن تسعى للحصول على وظيفة في مجال الصحافة. تتعرض آندي لمواقف قاسية منذ بداية الفيلم، عندما يتم تعيينها كمساعدة لرئيسة تحرير مجلة "رانواي" ميرندا بريستلي، التي تلعب دورها "ميريل ستريب" . ميرندا هي شخصية قوية، صعبة، تفرض سيطرتها على كل من حولها، وتُظهر الستريب ببراعة شخصية صارمة تجمع بين الرقة والتسلط في آن واحد.فماذا عن الصيحات في الموضة التي لم تعد فقط تتبع خطوط الجمال الكلاسيكي أو مواسم الألوان، بل باتت تعكس توتر العالم، تمرده، ألمه، رغبته في التغيير. نرى ذلك في أزياء تمزج بين العنف والنعومة، بين الجنون والانضباط، بين صمت القماش وصراخه. على منصات العرض، تتحول العواطف الخام إلى تصميمات تفضح الغضب التمرد أو تحتفل بالتحرر.؟
يترجم فيلم الشيطان يرتدي براردا صيحة الموضة اليوم، كما الصرخة بالأمس، قد تكون نداءً سياسياً، اجتماعياً، نسوياً، بيئياً. هي دعوة للانتباه، للتماهي، للتمرّد. وهكذا، تتجسد "الصرخة" كصيحة في مجلات الموضة العالمية: غوتشي تصرخ بأسلوب ما بعد الحداثة، وبالنسياغا تصرخ ضد النُظم، وراف سيمونز يصرخ باسم الشباب.إنها الموضة حين تصبح أكثر من لباس. إنها صرخة ترتدي قماشًا وتُعرض على منصات، لتقول ما لا يُقال. بل وتأكل العمر من خلال سرعة ما تحتاجه صيحات الموضة من اعلام عالمي وصورة وسلوك وغرائب وغير ذلك .
من خلال أداء مميز لآن هاثاواي، يبدأ الفيلم في تسليط الضوء على الفوارق بين آندي، الشابة البريئة وغير المهتمة بعالم الموضة، وبين عالَم "رانواي" الذي يشبع بالمنافسة الحادة والأنانية. طوال الفيلم، نرى تحول آندي بشكل تدريجي، من الشابة التي ترفض الانغماس في هذا العالم السطحي إلى امرأة تتبنى أزياءه وأسلوبه الحياتي، ما يُعد تحولًا يتوازى مع رحلة اكتشافها لذاتها ومهنتها.لكن عند مقارنة الفيلم بالرواية، نجد أن الكثير من التفاصيل قد تغيرت بشكل ملحوظ. فهل الرواية هي نقد حاد لصناعة الموضة؟ أم للإنسانية وتآكلها في عالم الصيحات بشكل عام؟
في الرواية الأصلية، تقدم" لورين وايسبرغر" Lauren Weisberger”" القصة من منظور آندي، لكن الرواية تقدم صوتًا أقوى لآندي كمحور رئيسي في السرد. هي ليست مجرد شخصية تخضع لضغوطات ميرندا، بل هي تملك صوتًا نقديًا تجاه العالم الذي تعمل فيه أو صرخة في عالم الصيحات. الرواية تعكس بوضوح استهزاء آندي من عالم الموضة، بينما تعبر عن مشاعرها من خلال مذكرات يومية تجعل القارئ يشعر بأنها شخصية واقعية وقريبة.
في الرواية، يُبرز النقد الاجتماعي بشكل أكبر. وايسبرغر تعرض ما هو أبعد من الحياة داخل عالم الأزياء، مسلطة الضوء على التوترات بين الحياة المهنية والشخصية وكيف أن التوترات العاطفية والنفسية تتصاعد نتيجة الضغط المستمر لتحقيق معايير الجمال والنجاح في هذا المجال. في الرواية، لا تُختصر حياة آندي على تحولها من فتاة غير مهتمة بالأزياء إلى فتاة "عصرية" فقط، بل تُناقش أيضًا علاقة آندي مع صديقها نيت، وأصدقائها، والمفارقة التي تحدث عندما تشعر بأنها تضحّي بكل شيء مقابل الوظيفة في "رانواي". فماذا عن المفارقات الرئيسية بين الفيلم والرواية؟
في الفيلم، كان التركيز الأكبر على الشخصيات الداعمة مثل ميريل ستريب (ميرندا) وإميلي بلانت (إميلي)، لكن الرواية تمنح مساحة أكبر لشخصية آندي، التي تظهر بشكل أكثر تعبيرًا عن مشاعرها الداخلية. يُلاحظ أن الفيلم يضع آندي في مواقف درامية معينة، لكنه في النهاية لا يغوص بشكل عميق في رغباتها الحقيقية أو قلقها حول الخيارات التي تقوم بها. في الرواية، تستعرض آندي صراعًا داخليًا مستمرًا بين ما تريده حقًا من الحياة وبين ما يجب عليها تقديمه للحفاظ على عملها.
في الرواية، يتمكن القارئ من بناء تعاطف حقيقي مع آندي، وخاصة عندما تشعر أنها أصبحت جزءًا من آلة صناعية لا ترحم. الفيلم، رغم أنه يقدم آندي بشكل مقنع، إلا أن ثقل الأداء التمثيلي لميريل ستريب يجعل المشاهدين أكثر اهتمامًا بميرندا وكأنها الشخصية الرئيسية. الفرق يكمن في أن الرواية تتيح للقارئ استكشاف أفكار آندي بعمق أكبر، بينما الفيلم يقدّمها كبطلة تحاول البقاء على قيد الحياة في عالم قاسي.
واحدة من المفارقات الجوهرية بين الرواية والفيلم هي في النهاية. في الرواية، يكون الخاتمة أكثر مرارة وغموضًا، حيث تستمر آندي في إعادة تقييم خياراتها بينما تتساءل عن دور الموضة في حياتها. أما في الفيلم، فإن النهاية أكثر تفاؤلاً، حيث يتم تصعيد الشخصيات إلى مستويات أكثر دراماتيكية ويظهر تحول آندي بطريقة أكثر إيجابية. تحولها إلى شخصية أكثر أناقة ونجاحًا لا يرتبط فقط بمسيرتها المهنية بل أيضًا بالتحول الشخصي الذي يُوحي بالنهاية السعيدة.
في الرواية، يتم توجيه نقد شديد لصناعة الموضة، بما في ذلك تركيزها على الجمال المادي والنجاح على حساب القيمة الإنسانية. لكن الفيلم، رغم أنه يُظهر بعض الانتقادات لهذه الصناعة، إلا أن تأثيره أقل وضوحًا. يقتصر انتقاد الفيلم على تقديم صورة ساخرة عن الحياة داخل "رانواي" دون تقديم منظور أكثر عمقًا حول العواقب الاجتماعية والاقتصادية للمهنة. فهل تعكس الشاشة ما هو موجود في الكتاب؟
رغم أن "الشيطان يرتدي برادا" تم تغييره بشكل كبير في ترجمته إلى الفيلم، إلا أن الفيلم نال إعجاب الجماهير وسجل نجاحًا جماهيريًا واسعًا، بسبب الأداء التمثيلي الاستثنائي لميريل ستريب وآن هاثاواي. لم تقتصر جاذبية الفيلم على محبي الموضة فحسب، بل جذبت أيضًا جمهورًا أوسع بسبب رسالته الشاملة حول الضغط الاجتماعي والتوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.
على الرغم من أن الفيلم "الشيطان يرتدي برادا" يقدم للجمهور تجربة مرحة وساخرة عن عالم الموضة، إلا أن الرواية الأصلية من لورين وايسبرغر تقدم نقدًا اجتماعيًا أكثر وضوحًا. الفيلم قد يُضيع بعض من تعقيد الشخصيات والصراع الداخلي الذي تعرضه الرواية، لكنه يظل مثالًا جيدًا لكيفية تحويل مادة أدبية إلى عمل سينمائي يجذب جماهير مختلفة.فهل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني ؟
طرابلس -لبنان- الأربعاء من شهر أيار مايو الساعة الثامنة إلا ربع مساء
#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟