أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي














المزيد.....

الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


في المجتمعات التي تتسابق نحو التقدّم الثقافي وتفاخر بمنصات الفكر والمعرفة، يبدو للوهلة الأولى أن الأفراد – لا سيما النساء – قد تجاوزوا تقاليد الغيرة المرتبطة بالمظاهر السطحية أو العلاقات العاطفية. لكن الحقيقة أن الغيرة، كعاطفة إنسانية متجذرة، لا تُمحى بمجرد اعتناق الثقافة أو حضور الندوات الفكرية؛ بل إنها تأخذ شكلاً آخر، أكثر رقة وأشدّ خفاءً، وتلبس أقنعة متعددة يصعب تفكيكها بسهولة.

في إحدى الأمسيات الأدبية، تجمع الحضور حول كاتب معروف جاء لتوقيع كتابه الجديد. لم يكن الحدث سياسيًا أو فنيًا، بل مناسبة معرفية خالصة – ظاهريًا على الأقل. لكن المتأمل في تفاصيل المشهد يلحظ أمورًا لا تسجلها الكاميرات ولا تُروى في التقارير الثقافية: امرأة تُسرع بالوصول إلى منصة التوقيع كي تكون أول من يصافحه، وأخرى تراقبها من بعيد بنظرات صامتة. ابتسامات مجاملة، تصفيق مشترك، ونقاشات حول مضمون الكتاب – كلها تُغلف ما هو أعمق: مشاعر تنافس خفية، وغيرة ناعمة تختبئ خلف الكلمات الرزينة.

وكما قالت فرجينيا وولف ذات مرة: "المرأة بحاجة إلى غرفة تخصها ومال يكفيها، كي تكتب." وربما تحتاج أيضًا إلى مساحة نفسية خالية من المقارنات والضغوط، كي تُبدع وتنجز بعيدًا عن صراع القبول والاعتراف.

الغيرة هنا لا تتعلّق بجمال أو مال أو مكانة اجتماعية. إنها غيرة من التفوق الرمزي، من نيل لحظة قُرب استثنائية من عقل نخبوي، أو من فرصة احتفاء قد لا تتكرر. كثير من النساء في الأوساط الثقافية يعشن هذه المشاعر دون أن يعترفن بها، وربما دون وعي مباشر بها. فالمصافحة التي بدت عابرة، أو الصورة مع كاتب، أو حتى مداخلة نالت إعجاب الحاضرين، قد تثير مشاعر كامنة تتعلق بالإحساس بالجدارة أو القرب من الضوء.

وقد عبّر سيغموند فرويد عن هذه الديناميكية النفسية بقوله: "نحن لا نختار مشاعرنا، بل نكتشفها عندما تتجلى في تصرفاتنا." وهكذا تبدو الغيرة الثقافية كمشاعر مؤجلة، تظهر حين لا يتوقعها أحد.

قد يبدو الأمر تافهًا لمن ينظر من الخارج، لكنه يحمل في طيّاته الكثير عن النفس البشرية. فالثقافة، رغم سموها، لا تجرّد الإنسان من طبيعته العاطفية، بل تمنحه أدوات أكثر لطفًا للتعبير عنها. الغيرة الثقافية قد لا تُصرّح بها صاحبتها، لكنها تظهر في تعليقات مقتضبة، أو في منافسة غير مباشرة، أو في انشغال بإثبات الذات داخل محيط نخبوي.

وفي هذا الإطار، ليست الغيرة أمرًا سلبيًا بالضرورة. فهي قد تدفع البعض نحو تطوير الذات، نحو القراءة الأعمق، أو المشاركة الأذكى في الحوارات الفكرية. لكنها تصبح عبئًا حين تتحوّل إلى مقارنة مفرطة، أو شعور بالنقص، أو محاولة لتحجيم نجاح الآخر باسم التوازن.

كما قالت سيمون دي بوفوار: "المرأة لا تُولد امرأة، بل تُصبح كذلك." وربما في أروقة الثقافة، تصبح المرأة أيضًا ناقدة لذاتها، تقيس قيمتها على سلم غير مرئي من القرب من السلطة الرمزية.

من المهم أن ندرك أن المرأة المثقفة ليست كيانًا منفصلًا عن الطبيعة البشرية، ولا يمكن أن تُعرّى من مشاعرها بحجة أنها “أرقى” أو “أعقل”. بل لعلّها أكثر حساسية لتفاصيل التقدير، وأشد وعيًا بإشارات القبول أو التفضيل، مما يجعل الغيرة أكثر تعقيدًا وتخفّيًا في هذا الوسط بالذات.

كما أن الساحة الثقافية، بتركيزها على الإبداع والتميّز الفردي، قد تعزز دون قصد هذا النوع من التنافس الصامت. فالتميّز هنا ليس مجرد نتيجة لمجهود، بل اعتراف نخبوي يتوق إليه الكثيرون. وعندما يدخل هذا الاعتراف في معادلة اجتماعية تحضر فيها الرموز والوجاهات، يصبح من السهل أن تتسلل الغيرة حتى في أرقى المحافل.

كما أن الغيرة، حتى حين تزدان بثوب الثقافة، تظل حاضرة. لكنها ، لا تُعبّر عن سطحية بقدر ما تكشف عن حساسية إنسانية تجاه التقدير والاعتراف. وربما تكون الخطوة الأهم ليست في إنكار هذه المشاعر، بل في فهمها وتوجيهها نحو تطوّر حقيقي، دون أن تتحوّل إلى مرآة مشوشة نرى فيها الآخرين بعيوننا لا بواقعهم.
طرابلس -لبنان الخميس 22 أيار 2025الساعة السابعة والنصف صباحًا



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما ي ...
- هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني؟
- الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش
- وهم الواقع وواقع الوهم في رواية -ترانيم التخوم-
- -وادي الفراشات- لكل من فقد شيئًا في حياته ولم يجده بعد
- الطانفا ... رواية الذات في مرايا التاريخ
- الحياة في ظل قناع رجل
- في حضرة العشق الطاهر
- الذاكرة المظلمة
- الشعر بين التقليد والحداثة قراءة في رؤية نزار دندش للأدب
- تبقى الديمقراطية هي الفاعلة
- حين تصير الموسيقى امتدادًا للروح
- الدراما السياسية في سيرة معاوية بن أبي سفيان بين التاريخ الم ...
- -البطل- معركة الإنسان مع نفسه في زمن الفوضى
- لام شمسية- وآثاره في مواجهة قضايا التحرش بالأطفال عبر الدرام ...
- الدماء التي لا تنسى -فهد البطل- وجوهر الصراع الأخوي
- أم هاشم وحقل الشوفان
- حديقة -الامريكان في بيتي- وشجرة الالوان
- خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون ...
- هل الرواي اداة وظيفية دالة..؟


المزيد.....




- مهرجان أفلام المقاومة.. منصة لتكريم أبطال محور المقاومة
- بعد أشهر من قضية -سرقة المجوهرات-.. الإفراج عن المخرج عمر زه ...
- الإمارات.. إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية
- 6 من أبرز خطاطي العراق يشاركون في معرض -رحلة الحرف العربي من ...
- هنا أم درمان.. عامان من الإتلاف المتعمد لصوت السودان
- من هنّ النجمات العربيّات الأكثر أناقة في مهرجان كان السينمائ ...
- كان يا ما كان في غزة- ـ فيلم يرصد الحياة وسط الدمار
- لافروف: لا يوجد ما يشير إلى أن أرمينيا تعتمد النموذج الأوكرا ...
- راندا معروفي أمام جمهور -كان-: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم وا ...
- جبريل سيسيه.. من نجومية الملاعب إلى عالم الموسيقى


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي