أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويوتيوب















المزيد.....

الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويوتيوب


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


في عصر تُقاس فيه الشعبية بعدد المشاهدات، والاعتراف المجتمعي بعدد المتابعين، أصبحت منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام فضاءً جديداً، لا للترفيه فقط، بل أيضاً لـ تفريغ القهر، والسخرية من كل ما هو مقترن بقرارات منع أو غيرها، وفضح اللامعقول في واقع النساء. وسط هذا الفضاء الصاخب، ولدت الكوميديا السوداء الأنثوية كأحد أخطر وأذكى أشكال المقاومة الاجتماعية. فهل الضحك استجابة بيولوجية من كل هذا ؟ أم موقف سياسي مدفوع بأجندات معينة ؟
الضحك يبدو في ظاهره فعلًا بسيطاً، بل لا إرادياً. لكن حين تستخدمه امرأة ساخرة من عبء الأنوثة المفروض عليها، أو من تحكّم المجتمع بجسدها أو سلوكها أو من صورة المرأة "المثالية" المفروضة على الإنستغرام... يصبح الضحك فعلاً ثورياً بامتياز.
المئات من صانعات المحتوى النساء يستخدمن في هذه اللحظة سلاح الكوميديا السوداء لإبراز التناقضات المؤلمة في حياتهن اليومية. امرأة تحاكي بروح ساخرة "حوار أمها وجدتها وخالتها" حين يسألنها لماذا لم تتزوج بعد. فتاة تُقلّد بصوت رخيم إعلاناً تجميلياً شهيراً، لكنها تتحدث عن "الضغط النفسي الناتج عن الدورة الشهرية" بدلًا من مزايا كريم الليل. أخرى تسخر من معايير الحياء، وهي ترتدي عباءةً طويلة وتشرح "كيف ينبغي لها أن تمشي دون أن تُتهم بالإغراء". فهل السخرية من الجسد كتحرّر من سلطته عند البعض؟

الجسد الأنثوي، في مجتمعاتنا، ليس مجرد كيان بيولوجي. إنه ساحة صراع، وموضع مراقبة دائمة. وأنا لا أهاجم ذلك إنما الإنفلات الجسدي غير الأخلاقي والمحتوى القائم على ضحكات فارغة هو بمثابة سخرية من العصر الذي سمح بذلك ورغم أننا في عصر الذكاء الأصطناعي الذي يستطيع تعديل كل ذلك ليكون مادة راقية بناءة . ما زالت المحتويات على شبكات التواصل الإجتماعي تحتاج لعقلنة أكثر من ضحكات فارغة تؤدي إلى خسارة الحياة بأكملها .على تيك توك، ظهرت موجة من الفيديوهات الساخرة التي تقوم بها نساء يحاكين مشهد ارتدائهنّ للملابس في الخفاء، أو يتظاهرن بأنهنّ "ينشفن العرق" بطريقة كوميدية بعد صعود الدرج... تجسيدًا لمقدار القمع الذي تمارسه الصورة النمطية لجسد المرأة لتي باتت تريد الخروج من القوقعة بانفلات غير مدروس حتى أدى عند بعضهن للقتل وهذا محزن وكئيب في حين أن بعضهن قدمن الكثير من اللقطات القائمة على فهم لمعنى الكوميديا خاصة الممثلات منهن أو المؤديات لأدوار تقمص فنانات وبأسلوب راق وجميل وكوميدي بناء.

ضحك المرأة على جسدها لا يعني أنها تحتقره؛ بل يعني أنها استعادت السيطرة عليه. السخرية من الجسد هي شكل من أشكال تحريره، وفك ارتباطه بصورته "المُعدّة مسبقًا" في عين الآخر.ولكن ماذا لو رفض الآخر ذلك ووقعت المرأة في أزمة نفسية أو تهكم وسخرية من الآخرين ألم يؤدي بعض ذلك للانتحار ؟ وماذا عن الساحة الرقمية النسوية غير المؤدلجة؟

ما يميّز هذا الشكل من الكوميديا السوداء الأنثوية على تيك توك ويوتيوب هو أنه لا يأتي من نخب نسوية مؤطرة، بل من نساء عاديات، بلا خطاب منظّر، لكن بوعي يومي حادّ عند بعضهن وباستهتار مفرط عند بعضهن الآخر . إنهن لا يرفعن شعارات، ولا يحتجن إلى فصول كتب؛ فقط كاميرا هاتف وموقف ساخر.
تتحدث إحداهنّ عن تعليقات الرجال "الناصحين" في قسم الرسائل، وتقلدهم بطريقة لاذعة.أخرى تحاكي رد فعل المجتمع حين تتأخر في الزواج أو تعيش وحدها في العاصمة.ضحك، لكنّه ليس ترفًا؛ إنّه شكل جديد من إعلان الذات.فهل عندما يضحك المهمّشون يعني ذلك أنهم ينتقلون من الهامش إلى القوة؟

الكوميديا السوداء، تاريخياً، هي أداة الفئات المهمشة السود في أمريكا، الفقراء في الدول العربية والدراويش ، اللاجئون في أوروبا. واليوم، النساء في فضاء الإعلام الرقمي. فالسخرية تعطي المرأة سلطة. حين تضحك من "الرجل المثقف الذي يشرح لها feminism"، أو من "الخطّاب الذين يرونها صالحة للزواج فقط عندما تنقص وزنها"، فإنها لا تطلب الاعتراف؛ بل تفضح آلياته وتُسقِطه.
في النهاية أريد القول أن الضحك ليس ضعفًا. بل نضال وضحك النساء في الفيديوهات الساخرة ليس وسيلة للهروب من الألم؛ بل هو تعبير عنه. هو اعتراف بالعبث، وفضح لقواعد اللعبة الاجتماعية.الضحك لا ينكر القمع، بل يُظهره بحجمه الحقيقي، ويقلّب صورته حتى تبدو مضحكة، وبهذا تُفقده قداسته.

في النهاية، نحن أمام ثورة أنثوية رقمية لا ترفع رايات، ولا تشتبك في سجالات فكرية، بل تضحك من قلب القمع، وتسخر من أبسط أمور الحياة حتى الجنسي منها، وتنتصر لنفسها كل مرة تنشر فيها امرأة فيديو تنشر فيه محتوى يسىء للرجل أو تقمص رجل أو حتى شعارات الجمال كتغير الشكل نهائياً.

كما أنه في العالم العربي، ولوقتٍ طويل، كانت الكوميديا حكراً على الرجال. لم يكن حضور النساء في هذا الفضاء ممكناً إلا كـ"نكتة"، أو مفعول به ساخر. لكن مع صعود موجة الستاند أب كوميدي النسائي، تغيّر المشهد، وانقلبت المعادلة المرأة أصبحت الراوية، وليست المروي عنها.

من لبنان إلى المغرب، من السعودية إلى الأردن، نشهد تصاعداً في عدد النساء اللواتي يعتلين المسرح، حاملات تجاربهن الشخصية، مغطّساتها في ضحك لاذع لا يخلو من مرارة اجتماعية وذكاء ساخر. فما تفعله النساء في عروض الستاند أب ليس مجرد ترفيه؛ هو في جوهره تفكيك للخطاب الأبوي من داخل التجربة.
فهي لا تسخر من النكات التقليدية، بل من المواقف اليومية التي تُمارَس عليها كأنثى كالتعليقات عن جسدها.أونظرة المجتمع للمرأة المطلقة أو غير المتزوجة أو العانس أو حتى السمينة او القبيحة، فالتناقض في توقعات المجتمع (اعقلي! زيني حالك! لا تكوني جريئة! كوني أنثى ولكن لا تبالغي!).المفارقة أن الكثير من هؤلاء الكوميديات يُواجهن هجوماً قاسياً يُتهمن بـ"قلة الأدب". يُسخر من شكلهن بدل من الاستماع لكلامهن يُنتقدن لأنهن "يضحكن على أشياء جادة"، كالدين، أو الأسرة، أو الزواج.لكنّ هذا بالتحديد هو ما يجعل الكوميديا النسائية في الستاند أب خطيرة ومهمة في آن واحد هي تلامس ما لا يقال، وتجعله يُضحك بدلاً من أن يُبكي. فهل هذا يمكن أن يُسمى التحرر الرمزي؟ وهل هو مقبول اجتماعياً؟

كما أنه في عرض ستاند أب، لا توجد وسائط لا مونتاج، لا فلاتر، لا "إعادة تصوير".المرأة هنا تواجه الجمهور مباشرة، وتقول "هذه أنا، وهذه حياتي، واسمعوا جيدًا لأنني سأسخر من كل ما جعلني أبكي بالأمس". فهل الستاند أب النسائي ليس فقط أداة سرد، بل أداة إعادة تمثيل للهوية الأنثوية من خارج القوالب؟ أم أن الضحك النسائي ثورة مستمرة حتى في عصر الذكاء الأصطناعي؟

سواء كانت المرأة تمارس الكوميديا على تيك توك، أو على يوتيوب، أو تقف وحدها على خشبة مسرح في عرض مباشر، فإنها تمارس شيئاً جوهرياً تملك صوتها، وتستخدم الضحك لتفكيك السلطة بكل أنواعها الأب التقاليد الخ..، وتعيد رسم حدود ما يُعتبر "مقبولًا" في مجتمع يحاول إسكاتها ولكنها أحيانا تتمادى أكثر من ذلك فتسىء لنفسها عندما يرفضها الجمهور أو يتنمّر عليها عندها يتحول الضحك إلى بكاء مستمر قد يقضي حتى على حياتها وهذا ما لمسناه مؤخرا في عدة قضايا قتل على تيك توك مباشرة وأمام جمهورها للأسف.
لبنان - بيروت - الخميس في 23 تموز 2025 الساعة العاشرة والنصف صباحا



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كم يمكن أن نُفرّط في حرياتنا مقابل الشعور بالأمان
- ما بين قوانين النقد الصارمة و- لعبة العفريتة-
- هل من رسائل مخفية يمكن استنتاجها في رواية أوراق شمعون المصري ...
- سردية اعترافية لراوٍ عاشق ومقاوم في رواية
- عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف
- -حياة غير مكتملة-: حين يُبعث الغفران وسط رماد الحزن
- بارتلبي ورفض عالم هيرمان ميلفل الحديث والكئيب
- تيار الوعي بين الحب والصداقة والعالم الهش في رواية قلب ضعيف ...
- صوفيا رواية حرة تُحلق بنا فوق سماء الغيب
- سردية القهر والانتحار في هلوسات ترشيش للروائي حسونة المصباحي
- بنية القلب الواعي في هندسة العلاقة الإنسانية
- الطيار الذي أسقطه الزمن ق في رواية -لا لون هناك-لمحسن الغمري
- نسمات أيلول- كوميديا اجتماعية تسلط الضوء على تقلبات الحياة ا ...
- رواية -عزازيل و الانتقال بين العوالم المادية والروحية
- -عقد ونصف العقد- لجمانة حداد بين نصل الحبر ومِداد التجربة
- الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي
- هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما ي ...
- هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني؟
- الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش
- وهم الواقع وواقع الوهم في رواية -ترانيم التخوم-


المزيد.....




- وداع مؤثر من فرقة Black Sabbath ونجوم الموسيقى لأسطورة الروك ...
- مهرجان -ثويزا- بطنجة ينطلق الخميس -نحو الغد الذي يسمى الإنسا ...
- راغب علامة يتلقى الدعم من نقابة -محترفي الموسيقى والغناء- في ...
- الشاعرة السعودية ميسون أبو بكر تُسحر الريفييرا الفرنسية بنبض ...
- صدوق نور الدين يقرأ عالم كيليطو في كتاب جديد.. تأملات من قلب ...
- أبوظبي تفتتح قريبًا أحد أكبر تجمعات التجارب الثقافية بالعالم ...
- إحالة وزيرة الثقافة الفرنسية وكارلوس غصن للمحاكمة بتهمة الفس ...
- الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة ت ...
- الموسيقى الأفريقية.. بين طقوس الأسلاف والنضال والتحرر الوطني ...
- القدس في السينما المغربية.. حين تقتحم الكاميرا أسوار الوجدان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويوتيوب