أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف














المزيد.....

عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


يُكثف ميخائيل شولوخوف الصور البلاغية في قصة الشامة مع الاحتفاظ بالانتقالات المفاجئة بين المشاهد من دون فواصل واضحة، مما يخلق إحساساً بالتوتر أو الضياع ، كما أن الحنين والفقد يظهر في وصف الأم التي " تبتسم من باب المطبخ" و "الدموع" و" العجوز الذي يبكي " فالبيئة الروسية في أوائل القرن العشرين ، أثناء أو بعد الحرب الأهلية الروسية ( 1917-1923) كما يتضح ذلك من الإشارات المتكررة إلى "الجيش الأحمر"، "الحرس الأبيض" و"فرنجل" ( فرنجل قائد معروف في قوات الحرس الأبيض المضادة للبلاشفة). بالتالي ، الشامة تنتمي إلى أدب ما بعد الحرب "تحديداً " أدب ما بعد الصدمة " الذي يوثق الانهيار الإنساني والنفس في ظل الفوضى السياسية. فالسرد الواقعي للأسلحة ،الجنود، الطقس، والحصان النازف، والصور المشوشة من الحلم، دموع العجوز، تتبع نوعاً من التقطيع البصري الشبيه بما في السينما مشهد،انقطاع،انتقال، مشهد كما أن الانتقالات بين السارد والمشاهد تتم بلا تمهيد ما يعكس حالة التشظي الذهني والنفسي. فهل الجمل الطويلة والمضغوطة تعكس التوتر العقلي والفكري؟

حركة درامية تضفي طابعاً قصصياً مؤثرا كما هي الحال في الشيخ العجوز أو الطحان وهو يمضغ ويبكي، ما يجعله رمزاً للارتباط بالأرض والتاريخ الريفي، لكنه مسحوق تحت ثقل العنف والحرب والعدو والأشباح أو الفرسان وهم يظهرون من الغابة بلا ملامح واضحة،أقرب للكوابيس .إذ يتكرر هذا الظهور الشبحي ، مما يجعل الحرب تبدو وكأنها لعنة لا تنتهي. فشولوخوف يوّثق آثار الحرب على الجسد والروح والطبيعة عبر مشاهد كالدم النازل من منخري الحصان" و أشباح الفرسان " كما أن الطبيعة القاسية في التراب المتجمد ، والصقيع، والأشجار العالية كلها تعكس بيئة قاسية تحتضن موت الأنسان ولا تعارضه. فهل الحنطة هي الحياة الأولى التي تحولت إلى خمر، ثم إلى دم ؟ وهل الحصان الميت هو انهيار الفروسية والقيم النبيلة؟ أم أن القصة توثق انهيار الوعي تحت تأثير الخوف والشعور باللاجدوى وفقدان الانتماء( جنود لا يعرفون من يطاردون ، عجائز لا يعرفون من يصدقون) وغياب الحدود بين الحلم والواقع ؟
ترمز الشامة إلى رابط بيولوجي وجسدي مباشر بين نيكولاي وأبيه،رغم غيابه. فوجود الشامة في نفس الموضع الذي كانت فيه عند الأب، يجعلها رمزاً للاستمرارية والوراثة، وكأن نيكولاي يحمل شيئاً من روح أبيه في جسده. فالشامة عادة توضع في الأدب الشعبي أو التراثي كعلامة فارقة تشير إلى شخصية متميزة أو صاحب " قدر خاص" كما أن مكانها ( فوق الركبة اليسرى تماماً) كأنها تخبرنا أن هذا الفتى سيكمل ما لم يكمله والده،وربما يسلك طريقاً مشابهاً له في المغامرة والحرب وفي بعض الثقافات ،ترتبط الشامة الكبيرة بعلامة مميزة وقد تكون إما بشارة بقوة خاصة، أو نذيراً بمصير صعب، وفي هذه القصة هي علامة البطل المتألم الذي ورث الشجاعة والألم معاً . فهل الشامة هي رمز للدم والوراثة وعلامة على المصير المشترك مع الأب ؟ أم هي ترمز إلى نيكولاي الذي يحمل داخل جسده عبء الماضي ومهمة المستقبل ؟
إن قصة شولوخوف هي لوحة روحية رمزية لأمة تعيش على أنقاض الحرب، وناس فقدوا أسماءهم وأحلامهم ، وحتى واقعهم .إنها استدعاء لفوضى زمنية ، وفقد للثقة بالمطلق فكتلة المشاعر المكثفة لا تخضع لترتيب قصصي بل لعدسة حسية ومشاعر تمثل وثيقة أدبية من عالم انكسر لا يعرف كيف يبدأ من جديد ، فما هو ملفت حقا في هذه القصة هي غياب التسلسل الزمني لأن القارىء سيحاول أن يكتشف إن كانت القصة في بداية الحرب أم نهايتها في بيت أم خندق في حلم أم يقظة فالشخصيات تدخل وتخرج ، تصرخ وتموت ،دون تمهيد وهذا بعكس وعياً أدبياً حديثاً يتجاوز التقليد الزمني للقصة فالزمن هنا "دائري" أشبه بما وصفه بول ريكور ب" الزمن السردي المفكك" حيث يفقد الحدث معناه، ولا يعود يحمل من الدلالة سوى أثره في النفس المضطربة فنقطة الارتكاز السردي هي نيكولاي فهو ليس بطلا بل شبح بطل، قائد سرية سكير، ساكن ، لا يحمل مشروعاً ولا خطة. حوله جنود يتساقطون ، حصان يحتضر، وأم تبتسم بصمت شاحب من خلف باب المطبخ . وكل هذا يشير إلى تفكيك مفهوم " الرجولة المقاتلة " في أدب ما بعد الحرب. فهل يشعر القارىء بأن شخصا ما يحدثه من الداخل وكأننا داخل ذهنه ؟ وهل الرواي رجل مضطرب ، لا يفصل بين الفكرة والانطباع، ولا بين الذكرى والواقع؟

بين الأمس واليوم، لا تزال الحروب تخلّف وراءها أجيالاً تبحث عن معنى لدماء سالت، وأمهات ينتظرن، وأبناء يولدون حاملين آثار صراعات لم يعيشوها، لكنهم لا يستطيعون الفكاك منها. فالرموز التي يستخدمها شولوخوف ـ كالشامة، والحصان، والعجوز، والأم ـ تتكرر بأشكال مختلفة في واقعنا المعاصر، فكل مجتمع يمرّ بمرحلة صدمة ما بعد الحرب، أو ما بعد الانهيار، يحتاج إلى استعادة صوته. لذا، فإن نيكولاي لا ينتمي فقط إلى روسيا القرن العشرين، بل يمكن أن يكون صورة لأي إنسان اليوم يعيش في عالم متصدع، يحمل في داخله ثقل ماضٍ لم يصنعه، لكنه مكلف بتجاوزه أو إعادة صياغته.فالقصة تطرح تساؤلًا وجودياً ما زال قائماً: كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز ماضيه دون أن يفقد صلته بجذوره؟ وكيف يمكن له أن يصنع مستقبله في عالم لا يمنحه يقيناً؟
بين الأمس واليوم، يبقى الألم مشتركاً، لكن التعبير عنه يتحول من خطاب البطولة إلى خطاب الهشاشة، ومن صورة المحارب إلى صورة الإنسان الذي يبحث عن ذاته وسط الركام.



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حياة غير مكتملة-: حين يُبعث الغفران وسط رماد الحزن
- بارتلبي ورفض عالم هيرمان ميلفل الحديث والكئيب
- تيار الوعي بين الحب والصداقة والعالم الهش في رواية قلب ضعيف ...
- صوفيا رواية حرة تُحلق بنا فوق سماء الغيب
- سردية القهر والانتحار في هلوسات ترشيش للروائي حسونة المصباحي
- بنية القلب الواعي في هندسة العلاقة الإنسانية
- الطيار الذي أسقطه الزمن ق في رواية -لا لون هناك-لمحسن الغمري
- نسمات أيلول- كوميديا اجتماعية تسلط الضوء على تقلبات الحياة ا ...
- رواية -عزازيل و الانتقال بين العوالم المادية والروحية
- -عقد ونصف العقد- لجمانة حداد بين نصل الحبر ومِداد التجربة
- الغيرة الناعمة في الفضاء الثقافي
- هل يمكن للمرأة أن تكون حرّة حقًا في مجتمعٍ لا يتقبل إلا ما ي ...
- هل عالم الصيحات هو عالم التآكل الأنساني؟
- الجرس الأخير وصراع الذات والحب في عالم مشوش
- وهم الواقع وواقع الوهم في رواية -ترانيم التخوم-
- -وادي الفراشات- لكل من فقد شيئًا في حياته ولم يجده بعد
- الطانفا ... رواية الذات في مرايا التاريخ
- الحياة في ظل قناع رجل
- في حضرة العشق الطاهر
- الذاكرة المظلمة


المزيد.....




- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف