أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل يمكن للمانغا أن تولد من رحم اللغة العربية؟















المزيد.....

هل يمكن للمانغا أن تولد من رحم اللغة العربية؟


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 16:25
المحور: الادب والفن
    


عند الحديث عن "المانغا"، يتبادر إلى الذهن سريعاً طيف ثقافي ياباني كثيف، ممتدّ في قرون من التراكم البصري والسردي، يشكّل عبر صفحاته معماراً روحيًاً وفنياً لا يضاهى. لكن ماذا لو تساءلنا اليوم، في فضائنا العربي المتشابك بين الأصالة والحداثة، بين التراث والعولمة: هل يمكن للمانغا أن تولد من رحم اللغة العربية؟ هل نحن على أعتاب عصر تُكتب فيه المانغا بأقلام عربية، تنبض بنبض المكان والزمان العربي، دون أن تكون مجرّد تقليد أو ظل باهت لنموذج بعيد؟
إنّ ما نشهده اليوم من محاولات عربية لتبني المانغا ليس مجرد رغبة في الاستيراد الثقافي، بل هو، في عمقه الأبعد، سؤال عن الهوية، والانتماء، والقدرة على التحوّل من الاستهلاك إلى الإنتاج، من الهامش إلى المركز. فالمانغا ليست مجرد رسومات، بل هي بنية فكرية-سردية تحمل رؤية للعالم، ولغة ثقافية مشبعة بالقيم، والأيديولوجيات، والخيال الجمعي. فمنذ أن بدأت المانغا تأخذ شكلها الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، غدت واحدة من أعظم صادرات اليابان الثقافية، ليس فقط بفضل أسلوبها الفني، بل لأنها استطاعت أن تحمل روح الشعب الياباني، وتحكي حكاياته، أحلامه، صراعاته، وحتى سخريته من نفسه.ومع تصاعد موجة العولمة، لم تقف المانغا عند حدود الأرخبيل الياباني. لقد اجتاحت العالم، وترجمت إلى عشرات اللغات، وألهمت ملايين القرّاء والرسامين، وصنعت تيارًا عالمياً من "المانغا المُقلّدة" أو المستلهمة منها، فيما يُعرف بـ"Global Manga" أو "OEL Manga" (Original English-Language Manga). وسط هذا التدفق الكوني، دخل العالم العربي المشهد... لكن متأخراً، وعلى استحياء. فماذا عن فن المانغا عربياً من الترجمة إلى التذوّق؟
بدأت المانغا تصل إلى الوطن العربي عبر قنوات غير رسمية ترجمات المعجبين، نسخ مقرصنة، ثم شيئاً فشيئاً عبر بعض دور النشر التي قررت خوض المغامرة، مثل "دار المانغا العربية" التي ظهرت في السنوات الأخيرة بدعم مؤسساتي ملحوظ.لكن، كان الحضور العربي في عالم المانغا حتى وقت قريب محصوراً في ثلاثة أطر هي الترجمة كنقل النصوص من اليابانية إلى العربية والتلقي من جمهور كبير يستهلك المانغا والأنمي، لكنه لا يشارك في إنتاجه. والتقليد كفنانين عرب يرسمون على طريقة المانغا، لكن غالباً ما يدورون في فلك النماذج اليابانية.هذا ما جعل المانغا في الفضاء العربي أقرب إلى صدى صوت أكثر منه صوتاً أصيلًا. لكن هذا الصدى، مع الوقت، بدأ يتكثف، ويبحث عن نغمة خاصة به. فهل يمكن أن نكتب مانغا عربية؟
هذا هو السؤال المفصلي. وللإجابة عنه، لا بد أن نعي أولًا أن المانغا، وإن كانت شكلًا فنياً محدد الملامح في أبيض وأسود، تقسيمات لوحية، تركيز على التعبير البصري ! إلا أنها ليست ملكًا ثقافياَ محصوراً. المانغا ليست كرتونية عابرة، ولا اللغة اليابانية بحد ذاتها، بل هي "أداة تعبير"، يمكن تطويعها لتحمل مضموناً محلياً ولكن، ما الذي يعنيه أن تكون المانغا عربية؟ هل يعني أن تدور القصة في حيّ شعبي مصري، أو صحراء سعودية، أو مدينة مغاربية؟هل يعني أن الشخصيات ترتدي الزي العربي، وتتحدث بالعاميات؟أم أن الأهم هو القضية، الهمّ الثقافي، الطرح الفلسفي، والروح التي تنبض من داخل المجتمع العربي نفسه؟ ربما كل ذلك معاً. وربما أكثر.
رغم هذا الحلم المتوهّج، هناك عدة تحديات تقف في وجه انبثاق مانغا عربية أصيلة، منها:غياب البنية التحتية لا توجد مدارس متخصصة لتعليم فن المانغا في العالم العربي بشكل ممنهج. عدد المدربين القادرين على تعليم هذا الفن قليل جداً، ما يدفع الموهوبين للاعتماد على أنفسهم أو اللجوء إلى المحتوى الأجنبي. كما أن بعض الموضوعات التي تعالجها المانغا اليابانية (كالوجود، الجنس، الدين، السياسة) تُعد محظورة أو حساسة في المجتمعات العربية، ما يقيّد حرية التعبير. فهل ما يزال ينظر إلى القصص المصورة على أنها "للأطفال"، مما يقلل من قيمتها الثقافية أو الأدبية.
حتى وإن وُجدت أعمال جيدة، لا تجد منصة للنشر، أو تذهب إلى الجمهور المناسب، خصوصًا في ظل ضعف التوزيع وتشتت السوق.
رغم كل ما قلته ، هناك علامات مشجعة بدأت تلوح في الأفق:ظهور مجلات مثل "مانجا عربية" التي بدأت تنشر أعمالًا لفنانين عرب، بعضها يحمل طابعاً محلياً ومبادرات فردية لفنانين على "ويب تون" و"إنستغرام" و"باتريون"، ينشرون أعمالًا من إنتاجهم. اهتمام الجامعات والأكاديميين بدراسة أثر المانغا في الوعي الشبابي العربي. ازدياد ورش العمل والمهرجانات المختصة بفن القصص المصورة. كل هذا لا يزال في طور البذور. لكنه، إن أُحسن رعايته، قد ينبت شجرة وارفة تُظلل جيلًا كاملًا من المبدعين.

لا يكفي أن نقلد المانغا، بل يجب أن ننتج مدرسة عربية للمانغا، تستفيد من الشكل، لكنها تعيد إنتاج المضمون وفق خصوصياتنا الثقافية، وتطرح أسئلة واقعنا. ما معنى أن تكون شاباً عربياً في زمن الاضطراب السياسي والاقتصادي؟كيف نروي حكايات الحب، الحرب، الحلم، الغربة، أو حتى السخرية من الذات؟ما هي الرموز البصرية التي يمكن أن تُصبح "أيقونات" عربية في القصص المصورة؟
لن تقوم هذه المدرسة إلا عبر مشروع ثقافي متكامل، لا يكتفي بالفن وحده، بل يدمجه في مشروع حضاري أوسع، يُعيد الثقة للغة العربية، ويُصالح الشباب مع هويتهم، ويمنحهم أدوات للتعبير عن ذواتهم بحرية واحترافية.ربما نحن اليوم نعيش في "ظلال" الكتابة المانغاوية بالعربية: محاولات متناثرة، غير ناضجة بالكامل، لكنها حقيقية. وهذه الظلال ليست سلبية بالضرورة، بل هي الانعكاس الأول لضوء قادم.فمن بين الظلال تولد الصور، ومن بين الصور تتشكل الأحلام، ومن الأحلام تولد الحضارات.
إنّ المانغا ليست سلعة نستهلكها فحسب، بل مساحة يمكن أن نحتلها، ونحوّلها إلى أرض خصبة للتعبير، للتخييل، وللتحرر من عقد النقص.أن تكتب مانغا عربية لا يعني أن تُقلد يابانياً، بل أن تدخل في حوار معه، وتأخذ منه ما يفيدك، ثم تعيد تشكيله بلغتك، برموزك، وبقلقك الوجودي الذي لا يشبه أحداَ سواك.ربما لن تكون الطريق سهلة، ولن يكون القبول سريعاً، لكن كل ظاهرة ثقافية عظيمة بدأت بحلم صغير، وقلم واحد، ورسمة أولى خجولة في دفتر طفل لم يتجاوز الخامسة عشر.فمن يدري؟ ربما يكون الكاتب أو الرسام العربي الذي سيؤسس مانغا العرب الآن في هذه اللحظة يقرأ هذه الكلمات، يتنفس الحلم، ويشحذ إرادته. ليس المهم أن نكون كاليابانيين، بل أن نكون نحن… بأنامل عربية، وقلوب ترسم العالم من جديد، لوحةً لوحة، حلماً حلماً.
بيروت-لبنان - الأربعاء15 تشرين الأول الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من الحياة في شعرية المقاومة لدى إدريس سالم
- الهوية الكردية كخيط ناظم في رواية كريستال أفريقي
- الطغيان كـ كود احتمالي، لا كظاهرة سياسية فقط
- هل ما بين الكراهية والإعتراف عقدة نقص ؟
- ميغيل ميهورا في مجموعة قصصية بعنوان رجل واحد
- فن الطبخ في مسلسل -هنيبعل-: الجمال الملوث بالدم
- فلسفة هنيبعل وتفسير النفس البشرية
- هل السرد البصري المكتنز هو فعل مشترك بين الفنان والمشاهد؟
- جدلية الشفاء والعجز في لقاء نيتشه وبروير في فيلم حين بكى نيت ...
- سردية التيه والوعي في هامش العالم العربي
- رحلة في عمق الحب والتواصل في عصر الذكاء الاصطناعي
- الحقيقة، حين تتأخر، تكون قد ماتت فعلاً.
- التطور القادم من التخابر
- السرد الرمزي العربي في رواية- الولد الذي حمل الجبل فوق ظهره ...
- هل التحليل الجيومتري الديناميكي في لوحة جبران طرزي يعزز الإي ...
- مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب
- هل يُمكن لشعب أن يرث نبياً دون أن يرث رؤيته؟
- الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويو ...
- كم يمكن أن نُفرّط في حرياتنا مقابل الشعور بالأمان
- ما بين قوانين النقد الصارمة و- لعبة العفريتة-


المزيد.....




- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- الوجه المظلم لـ-كريستوفر كولومبوس- و-عالمه الجديد-
- قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
- المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
- إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر ...
- وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية - ...
- موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - هل يمكن للمانغا أن تولد من رحم اللغة العربية؟