سهام يوسف علي
الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 11:10
المحور:
الادارة و الاقتصاد
حين يقول البنك المركزي إن انخفاض أسعار النفط وسحب السيولة من السوق يؤثران سلبًا على الاحتياطي الأجنبي، فهو لا يقدّم مجرد مبرر، بل يشرح آلية الخلل القائم. هذه قراءة اقتصادية تفصيلية، تختلف عن صورة الاستقرار التي حاول رئيس الوزراء تقديمها أمس.
أولًا: من أين يأتي الاحتياطي؟
الاحتياطي الأجنبي ليس مالًا مدّخرًا من إنتاج صناعي أو صادرات متنوعة، بل هو دولارات النفط بالدرجة الأولى. عندما يكون سعر البرميل مرتفعًا، يتدفق الدولار ويزداد الاحتياطي، وعندما ينخفض السعر، يتباطأ التدفق وينخفض الاحتياطي. انتقال سعر النفط من 81 إلى 69 دولارًا خلال عام واحد خفض الاحتياطي من نحو 143 إلى 126 تريليون دينار. هذه أرقام حقيقية توضح هشاشة الاعتماد على النفط وحده.
ثانيًا: سحب السيولة ليس مجانيًا
سحب السيولة يعني أن البنك المركزي يأخذ دنانير من السوق مقابل بيع دولارات. الهدف هو حماية سعر الصرف ومنع التضخم، لكنه يتم على حساب الاحتياطي نفسه. الاستقرار النقدي الحالي مدفوع من رصيد الاحتياطي، وليس نتيجة قوة اقتصادية أو إنتاجية. كل دولار يُباع مقابل الدينار يقلّص قدرة البنك على حماية الاقتصاد مستقبليًا.
ثالثًا: مبيعات الدولار وارتفاع الطلب عليها
الدولة تصرف دنانير أكثر مما تجني. الرواتب، التقاعد، الدعم، وعجز الموازنة يخلق طلبًا مرتفعًا على الدولار للاستيراد. البنك المركزي يتدخل لتلبية هذا الطلب، فيرتفع بيع الدولار وتنخفض الاحتياطيات، مما يضعف القدرة على مواجهة أي صدمة نفطية مستقبلية.
رابعًا: عجز الموازنة يتحول إلى ضغط نقدي
عجز الموازنة لا يبقى مجرد رقم في وزارة المالية، بل ينتقل تدريجيًا إلى البنك المركزي: زيادة الطلب على الدولار، زيادة تعقيم نقدي، تآكل تدريجي للاحتياطي. أي خلل مالي يتحول بمرور الوقت إلى خلل نقدي، مما يوضح أن الاستقرار النقدي الحالي هش ومكلف.
خامسًا: التناقض مع تصريح رئيس الوزراء
رئيس الوزراء ركّز على أرقام الاحتياطي (108 مليار دولار)، انخفاض التضخم (2.7%) وتقليص فجوة سعر الصرف، ليقدم صورة منسقة عن الاستقرار المالي. لكن قراءة البنك المركزي توضح: الاحتياطي ينخفض بشكل ملحوظ، وارتفاعه السابق كان نتيجة أسعار النفط المرتفعة لا بسبب إصلاح اقتصادي أو إنتاج محلي متنوع. بمعنى آخر، ما يُعرض على الجمهور كـ”استقرار” هو في الحقيقة إدارة نتائجه فقط وليس حلًا هيكليًا.
بمعنى أبسط: رئيس الوزراء يقرأ الأرقام؛البنك المركزي يقرأ السبب وراء الأرقام.
وهذا الفرق تحديدًا هو ما يطرح السؤال الأهم:
هل نحتفل بما هو قائم… أم نحلّل ما وراءه؟
#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟