أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سهام يوسف علي - ليس في الجراب غير الطائفية














المزيد.....

ليس في الجراب غير الطائفية


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 08:58
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في كل موسمٍ انتخابي، يخرج الساسة من خيامهم كالسحرة.
ينفضون الغبار عن جرابٍ عتيقٍ يزعمون أنه مليءٌ بالوعود،
ثم ما يلبث الشعب أن يكتشف أن الجراب هو ذاته:
لا يحمل إلا الرماد، ولا يخرج منه إلا الدخان ، دخان الطائفة الذي يخنق الوطن منذ أن ظنّ أن الديمقراطية يمكن أن تُزرع في أرضٍ لم تجفّ بعد من دم الفتنة.
الطائفية في العراق ليست رأيًا دينيًا ولا خلافًا سياسيًا؛
إنها نظامٌ اقتصادي–اجتماعي متكامل يقوم على مبدأ الغنيمة لا الخدمة،
ويُدار كما تُدار الشركات المافيوية: رأس مالها الولاء، وسوقها الخوف، وربحها الدائم هو استمرار الفوضى.
كل شيء هنا يُقاس بالانتماء قبل الكفاءة.
المناصب تُباع بعملة الطائفة، والمشاريع تُمنح باسم “التوازن الوطني” الذي لا يوازن شيئًا سوى كفة الفساد.
حيث تُفصَّل الوزارات على مقاس الأحزاب،
ويُفصَّل الفقر على مقاس الفقراء كي يبقوا فقراء.

أليس غريبًا أن دولةً بهذه الثروات تُدار بعقلية القبيلة؟
أن يكون رئيس الجمهورية كرديًا بامتياز قومي، ورئيس الوزراء شيعيًا بامتياز مذهبي، ورئيس البرلمان سنيًا بامتياز طائفي،
ثم يُقال لنا إن هذا هو “التنوع الوطني”؟
إنها هندسة دقيقة لتوازن الخراب، تُبقي الجميع راضين بالحصص، وغارقين في اللا دولة.

في هذا المشهد، المواطن ليس سوى دمية صغيرة في مسرحٍ كبير،
يقف في طابورٍ طويلٍ ليمنح صوته لا لمن يمثّله، بل لمن يدفع له أكثر أو يخيفه أكثر.
فالخوف هنا سلعة، والولاء يُشترى بسلال غذائية أو وعودٍ بالوظيفة،
حتى غدت الديمقراطية سوقًا موسمية تُعرض فيها الأصوات بالمزاد،
والزعيم لا يُنتخب لأنه الأصلح، بل لأنه الأقدر على تمويل الخوف وتسويقه.
لقد تحوّل الخوف إلى رأسمالٍ سياسيٍّ ضخم،
والفقر إلى وسيلةٍ ناجعة لتثبيت النفوذ،
فمن يملك المال يملك الولاء،
ومن يملك الخوف يملك الناس.

ولأن كل سلطةٍ طائفية تحتاج إلى اقتصادٍ طائفيٍّ يحميها،
تحوّل النفط إلى عملةٍ للولاء السياسي،
والمنافذ الحدودية إلى مزارع مالية للميليشيات،
والعقود الحكومية إلى غنائم توزّع تحت الطاولة.
حتى البنك المركزي لم يسلم من روح المحاصصة،
فصار المال العام يُدار كغنيمة مقدسة لا كأداة لبناء الدولة.

لقد صُنع وعيٌ عام يربط الاستقرار ببقاء الفساد،
ويُقنع الناس أن الطائفية “ضرورة” لحفظ الأمن.

اليوم، لا يسأل العراقي متى تتحسّن الأمور،
بل متى كانت على ما يرام أصلًا؟
فمنذ أن قُسّمت الدولة على مقاسات الطوائف،
أُقصي أصحاب الكفاءة والمعرفة،
وصار الخبير عبئًا على النظام، والمستقل خطرًا على التوازن.
حتى أصبح الوطني في العراق بلا وظيفة ولا حزب ولا صوت،
غريبًا في وطنٍ قُسّم اسمه بين المذاهب.

إن أخطر ما في الطائفية أنها تُميت الفكرة لا الإنسان فقط؛
تُميت فكرة المواطنة، وفكرة العدالة، وفكرة الدولة.
وحين تموت هذه الأفكار، يصبح الوطن خيمةً بلا أعمدة،
تتّسع لكل شيءٍ إلا للكرامة.

فيا أيها الذين ما زالوا يفتشون في الجراب عن أمل،
اعلموا أن الجراب خاوٍ،
وأن مَن يمسكونه لا يريدون أن يملؤوه إلا بما يُبقيهم على الكراسي.
أما الوطن… فصار هو الثمن المدفوع في كل صفقة،
والحلم المؤجل إلى إشعارٍ آخر.

ليس في الجراب غير الطائفية،
ولا في السياسة غير إعادة تدوير الخراب،
ولا في الناس ، بعد كل هذا ، إلا صبرٌ أُفرغ من معناه.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يبكي العراق: أسطورة الأنهار والدموع
- اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية
- الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهر ...
- العراق في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي 2 ...
- فتاوى ضد التغيير: حين صار الوطن كافرا والفساد مؤمنا-
- العراق: دولة غنية بالفقر
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...


المزيد.....




- بين التخطيط والتنفيذ.. رحلة معقدة خلف كواليس معرض -فن أبوظبي ...
- ترامب بعد الانتصارات الديمقراطية الكبيرة بليلة الانتخابات: - ...
- -قف يا جاريد-.. شاهد ما قاله ترامب لزوج ابنته ووصفه بـ-أبو ا ...
- فندق لأصغر النزلاء في فناء هذا المنزل.. جميع غرف -فيلا الأقز ...
- الخطوط الجوية القطرية ستبيع حصتها بكاثي باسيفيك.. إليكم قيمت ...
- النزاع في السودان: هل تستطيع القوى الأجنبية المعنية إيقاف ال ...
- غزة: مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يدعم -مجلس السلام- الذي ...
- واشنطن توزع رسميا مشروع قرار بشأن غزة على مجلس الأمن
- ترامب يقاطع قمة مجموعة الـ20 لانعقادها في جنوب أفريقيا
- يونيسيف: احتياجات نازحي الفاشر تتجاوز المساعدات المتاحة


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سهام يوسف علي - ليس في الجراب غير الطائفية