أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأول 2025














المزيد.....

الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأول 2025


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 22:43
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تكشف بيانات المالية العراقية للنصف الأول من عام 2025 عن واقع صعب يواجه الاقتصاد الوطني، ويؤكد محدودية قدرته الاستيعابية في ظل الهيكل الريعي المعتمد على النفط. إذ بلغ إجمالي الإيرادات 62 تريليون دينار، معظمها من الإيرادات النفطية التي بلغت 56.7 تريليون دينار، بينما بلغت الإيرادات غير النفطية 6.2 تريليون دينار فقط. هذا التفاوت الكبير يعكس ضعف القطاعات الإنتاجية غير النفطية، ويشير إلى أن الاقتصاد يعتمد بشكل شبه كامل على النفط لتغطية احتياجات الإنفاق العام، ما يجعله في حالة حرجة عند أي زيادة في الطلب على الموارد المالية.
فمع اعتماد الإيرادات الحكومية بنسبة 91.5% على النفط، وتراجع الإيرادات غير النفطية بنحو 14%، يتضح أن الاقتصاد الوطني لم يعد يعمل ضمن قدرته الإنتاجية الفعلية، بل تجاوزها إلى مساحة خطرة من الاختلال الهيكلي.
هذا التجاوز يتجسد في فجوة متنامية بين الإنفاق والقدرة الإنتاجية المحلية، إذ يقود التدفق المالي النفطي إلى تحفيز الطلب الكلي عبر الأجور والإنفاق الاجتماعي، فيما يعجز القطاع غير النفطي عن تلبية هذا الطلب. النتيجة هي تضخم ضغوط الاستيراد، حيث تتسرب الثروة إلى الخارج بدلاً من تدويرها محلياً. وهنا يظهر جوهر المشكلة: اقتصاد يستهلك أكثر مما ينتج، ويموّل هذه الفجوة عبر إيرادات خارجية لا تمت بصلة إلى النشاط الإنتاجي المحلي.

إن هذا الوضع لا يشير إلى خلل عابر في دورة اقتصادية قصيرة، بل إلى حالة من الخلل البنيوي المزمن، حيث أصبح الاقتصاد يعمل بما يفوق طاقته الاستيعابية الحقيقية. فالإنفاق الحكومي المرتفع يعكس قوة نقدية متولدة من الريع النفطي، لكنه لا يجد مقابلاً في الإنتاج المحلي، ما يؤدي إلى تضخم مستورد، واستنزاف للاحتياطيات الأجنبية، وانفصال بين الاقتصاد النقدي والاقتصاد الحقيقي.

على جانب الإنفاق، بلغ إجمالي النفقات 56.69 تريليون دينار، مع استحواذ النفقات الجارية على الجزء الأكبر لتصل إلى 52.75 تريليون دينار، بما فيها الرواتب والأجور البالغة 30 تريليون دينار والرعاية الاجتماعية 13 تريليون دينار. بينما تراجعت النفقات الاستثمارية إلى 3.94 تريليون دينار فقط، وهو ما يعكس تحوّل التركيز نحو تغطية الالتزامات الجارية على حساب دعم الإنتاجية وتنمية الاقتصاد. هذا النمط من الإنفاق يشير إلى أن الاقتصاد العراقي لا يوسع قاعدة إنتاجه بما يكفي لاستيعاب الطلب الإضافي، ما يجعل أي زيادة في الإنفاق تتحول إلى ضغط على الموارد والاحتياطيات بدلاً من تحفيز نمو حقيقي.

تشير بيانات السلف والفائض المالي أيضًا إلى حدود القدرة الاستيعابية، حيث بلغت السلف 4.22 تريليون دينار فقط، والفائض المالي 5.3 تريليون دينار، ما يدل على أن الاقتصاد يقترب من حدود ما يمكن دعمه من الإنفاق دون توليد اختلالات مالية أو نقدية. بالتالي، يظهر أن الطلب على الموارد النقدية والسلعية يفوق قدرة الاقتصاد على توفيرها، وهو ما يمثل تجاوزًا فعليًا للطاقة الاستيعابية للاقتصاد العراقي.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الدين الداخلي إلى 92.200 ترليون دينار في نهاية آب 2025، مع ارتفاع أقساط خدمة الدين الداخلي إلى أكثر من 3 ترليون دينار خلال الفصل الأول من 2025. هذا الارتفاع يعكس اعتماد الحكومة على الاقتراض الداخلي لتغطية فجوة الإنفاق، وهو مؤشر مباشر لتجاوز الطاقة الاستيعابية للاقتصاد ,فالاعتماد على الدين الداخلي يضع ضغوطا على الموازنة المستقبلية ويحد من القدرة على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تدعم النمو المستدام.
من منظور اقتصادي، يمكن استنتاج تجاوز الطاقة الاستيعابية من ثلاثة مؤشرات رئيسية: أولاً، الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية مع ضعف الإيرادات غير النفطية، مما يحد من قدرة الاقتصاد على تمويل الإنفاق من الداخل. ثانيًا، ارتفاع النفقات الجارية مقابل ضعف الاستثمار الإنتاجي، ما يمنع الاقتصاد من امتصاص الطلب الإضافي على الموارد. ثالثًا، محدودية أدوات التمويل المتاحة، مثل السلف والفائض المالي، التي تجعل أي دعم إضافي للإنفاق ممكنًا فقط عبر ضغط على الاحتياطيات أو تراكم الدين الداخلي، مع آثار محتملة على التضخم واستقرار سعر الصرف.

في ضوء هذه المعطيات، يظهر أن النصف الأول من عام 2025 يمثل مرحلة حرجة للاقتصاد العراقي، إذ تجاوز الإنفاق العام الموارد الفعلية للاقتصاد، بينما الاستثمار الإنتاجي محدود، ما يترك الاقتصاد في حالة هشاشة أمام أي زيادة إضافية في الطلب على الموارد. الحفاظ على الاستدامة المالية واستقرار الاقتصاد يتطلب إصلاحات حقيقية، تشمل ضبط الإنفاق، تعزيز الإيرادات غير النفطية، وتحفيز الاستثمار الإنتاجي لتوسيع الطاقة الاستيعابية، وهو ما يعد ضرورة عاجلة لتجنب آثار سلبية على التضخم واستنزاف الاحتياطيات واستقرار سعر الصرف.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...
- تصريحات وزيرة المالية حول تأخر جداول الموازنة: قراءة في المب ...
- سنأخذ النفط العراقي-... هل ستتحقق نبوءة ترامب؟
- التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة: فائض رقمي يخفي ...
- العراق بين شبح العجز وغياب الإصلاح: قراءة نقدية لتقرير صندوق ...
- قراءة في تحذيرات صندوق النقد للعراق
- عن الجامعات العراقية ومؤشر النزاهة البحثية.. الحقيقة ليست في ...
- التسوّل في العراق... حين يصبح الفقر تجارة والفساد راعيًا لها
- الجامعات العراقية وتصنيف -العلم الأحمر-: أزمة نزاهة البحث ال ...
- بين الإعلانات المليارية والحقائق المالية: خرافة الاستثمار ال ...
- العرض، موسم السُخرة، وكرنفال الهبات
- الضوضاء الملونة- لا تُقنع الأسواق ولا تُعالج الأزمة
- السلف الحكومية في العراق ضمن كشف حساب الدولة 2024: تمويل طار ...
- تعليق بطاقات الدفع الإلكتروني الدولية في العراق: قرار مالي أ ...
- موازنة على أرائك مهترئة: العراق بين النفقات الحاكمة والملاعق ...


المزيد.....




- -أوراكل- تقترب من نادي التريليون ومؤسسها من لقب الأغنى في ال ...
- أوروبا تؤكد التزامها بوقف واردات الغاز الروسي بحلول 2028
- السعودية تمنح سوريا 1.6 مليون برميل من النفط الخام
- البنك المركزي التركي يخفض الفائدة إلى 40.5%
- لماذا وضع المغرب ألواحا شمسية على سطح سد طنجة المتوسط؟
- تمويل رأس المال المغامر في إسرائيل يهوِي بنسبة 40%
- ترامب يطالب أوروبا بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الصين وال ...
- زلازل أفغانستان تنذر بأزمة اقتصادية حادة تمتد لأجيال
- رغم رسوم ترامب.. تجارة الصين الخارجية تنتعش
- سوق أبوظبي للأوراق المالية يعلن إدراج -أوراسكوم كونستراكشون- ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأول 2025