سهام يوسف علي
الحوار المتمدن-العدد: 8450 - 2025 / 8 / 30 - 13:38
المحور:
كتابات ساخرة
حين كتب ماريو بارغاس يوسا روايته حفلة التيس، لم يكن يروي فقط سيرة طاغية في الدومينيكان، بل كان يكشف جوهر الاستبداد: كيف يتحول الزعيم إلى وحش يلتهم خصومه، ويحوّل الدولة إلى مزرعة شخصية، والناس إلى عبيد يُطعمونه بدمائهم وصمتهم. المشهد الأكثر رعبًا في الرواية، حين أُجبر والد أحد المعارضين على أكل لحم ابنه، لم يكن مجرد فانتازيا روائية، بل استعارة مكثفة لقدرة الطغيان على تحويل الإنسان إلى ضحية نفسه، على نحو يجعل من الدم طعامًا لاستدامة السلطة.
لكن العراق اليوم لا يعيش "حفلة تيس" واحد؛ بل حفلة تيوس متشابكة، حيث لم يعد الاستبداد مركزياً كما عند تروخيو ، بل تفكك إلى شبكة متناحرة من القوى، كل منها ينهش قطعة من الجسد الوطني. البرلمان، الذي يُفترض أن يكون الحارس الأمين للدستور، صار مسرحًا لمزاد سياسي تُباع فيه المناصب ويُشترى الولاء. الوزارات صارت مغانم، السفارات بطاقات سفر لأبناء أقارب الكتل.
الفارق بين رواية يوسا وواقع العراق أن التيس هناك كان واحدًا، بينما في العراق أصبح قطيعًا متعدد الرؤوس. كل رأس ينهش بطريقته: هذا يلتهم الثروة، وذاك يلتهم القانون، وآخر يلتهم الأمل. وحين يجتمعون على المائدة، لا يتبقى للشعب سوى الفتات.
الأدهى أن هذه التيوس لا تلتهم ثروات البلاد فقط، بل تلتهم معنى الدولة نفسها. فالمواطنة تتآكل، والعقد الاجتماعي ينهار، والشعب يُدفع إلى اليأس، فيما الاحتجاج أو الاعتراض يُعامل كصوت ضعيف في مأدبة لا تُسمع فيها سوى همهمات القطيع السياسي.
إنها حفلة طويلة بلا موسيقى، صاخبة بلا فرح، تُدار على إيقاع المحاصصة، حيث لا يبحث المدعوون عن خلاص البلاد بل عن قطعة إضافية من جسدها. والأنكى أن الناس، كلما صرخوا أو احتجوا، قيل لهم: هذه هي الديمقراطية، وكأن الديمقراطية في جوهرها لم تعد سوى غطاء أنيق لحفلة آكلة لحوم الوطن.
#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟