أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الضوضاء الملونة- لا تُقنع الأسواق ولا تُعالج الأزمة














المزيد.....

الضوضاء الملونة- لا تُقنع الأسواق ولا تُعالج الأزمة


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 13:22
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


"الضوضاء الملونة" لا تُقنع الأسواق ولا تُعالج الأزمة
في تبرير جديد لارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي، طُرحت فرضية أن ما يجري لا يعدو كونه "ضوضاء معلوماتية" أو حتى "ضوضاء ملونة" تُغذيها أجواء الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، وما يرافقها من إشاعات وتوقعات نفسية مؤقتة. ورغم أن للأسواق غير الرسمية حساسية فعلية تجاه الأحداث الإقليمية، إلا أن اختزال أزمة مستمرة منذ سنوات في تفسير نفسي–إعلامي يبدو تنظيرًا مريحًا لا يلامس حقيقة المشهد المالي.

نستطيع أن نتفق على بعض النقاط، منها أن العراق يمتلك احتياطيات أجنبية تفوق 96 مليار دولار، أي ما يغطي أكثر من 15 شهرًا من الاستيراد، وهو أعلى من المعيار الدولي البالغ 3 أشهر. كما أن السوق الموازي يتأثر فعليًا بالتوترات السياسية والإقليمية، ويُضخّم تقلبات الأسعار بفعل المضاربة. وجود فجوة سعرية بين السوق الرسمي والموازي تتجاوز أحيانًا 100 دينار للدولار يُغري المضاربين بتحقيق أرباح سريعة.

ومع ذلك، فإن تجاهل أثر السوق الموازية وتقزيمه إلى مجرد "ضجيج نفسي" يتناقض مع الواقع، إذ أن استخدام مصطلحات من قبيل "الضوضاء الملونة" يُضفي طابعًا تجريديًا مفرطًا على أزمة ذات أبعاد بنيوية عميقة، و يُقصي الأسباب الهيكلية الأهم، التي نوضحها أدناه :

1. يُعد الاقتصاد العراقي من الأقتصاديات الهشة ، إذ يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط التي تخضع لتقلبات الأسواق العالمية والأزمات الجيوسياسية. والمفارقة التي يواجهها الاقتصاد اليوم هي أن ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل لم ينعكس إيجابيًا على سعر صرف الدينار، بل شهدنا في المقابل انخفاضًا في قيمته. هذا يُبرز ضعف قدرة الاقتصاد الريعي على ترجمة المكاسب النفطية إلى استقرار نقدي فعلي، نتيجة لضعف التنويع الاقتصادي، وعدم وجود سياسات مالية ونقدية فعالة لتحويل هذه العوائد إلى دعم حقيقي ومستدام للسيولة المحلية. وهذا يؤكد أن تقلبات سعر الصرف ليست مجرد ضوضاء معلوماتية أو توقعات نفسية عابرة، بل هي نتاج تحديات هيكلية عميقة تُعيق الاستقرار النقدي وتفاقم من هشاشة سوق العملة، رغم توافر موارد مالية كبيرة.


2. القيود المشددة على التحويلات الخارجية التي فرضت منذ 2023 وحتى اليوم عبر منصة البنك المركزي، والتي جاءت ضمن سياق الالتزام بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه القيود خلقت عدة مشكلات من بينها تأخر تنفيذ التحويلات لأسابيع وحتى أشهر، ورفض عدد كبير من الطلبات بسبب نقص المستندات أو الاشتباه. والنتيجة كانت عزوف التجار عن المنصة الرسمية وتحولهم إلى السوق الموازي لتأمين الدولار سريعًا، ما رفع الطلب وعمّق الفجوة السعرية.

3.علاوة على ذلك، يفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) الأميركي رقابة مشددة على الحوالات المالية بالدولار، مما وضع البنوك العراقية تحت ضغط غير مسبوق، خاصة في ظل ضعف الأنظمة الإلكترونية لمكافحة غسل الأموال، وهشاشة البنية المعلوماتية في القطاع المصرفي، إضافة إلى غياب التنسيق الفعال بين البنوك والمستوردين في تقديم الوثائق. هذه الصعوبات تُبطئ أو ترفض التحويلات المصرفية، مما يزيد من الاعتماد على الدولار النقدي من السوق غير الرسمي.

4. لا يمكن تجاهل تهريب العملة عبر الحدود الهشة مع دول الجوار، حيث تُستخدم العملة المهربة لتسوية صفقات تجارية غير منظمة خارج إشراف الدولة. البنك المركزي نفسه أقر أكثر من مرة بأن العملة الصعبة لا تُستخدم بالكامل في السوق المحلي، بل تُهرّب بكميات كبيرة، ما يُفقد السوق التوازن ويضغط على المعروض.

5. أخيرًا، هناك فجوة ثقة عميقة بين المواطنين والنظام المصرفي الرسمي، نتجت عن سنوات من الأزمات المصرفية، والإجراءات المعقدة، والتجارب الفاشلة مثل السحب الإلكتروني وضعف الوصول إلى الأموال. وهذا دفع المواطن والتاجر إلى تفضيل الاحتفاظ بالدولار نقدًا أو شرائه من السوق الموازي بدلاً من المرور بسلسلة طويلة من الإجراءات والمخاوف.

في الختام يمكن القول إن الحديث عن "الضوضاء الملونة" قد يُرضي التنظير الأكاديمي، لكنه لا يُقنع التاجر الذي ينتظر تحويلاته المعلّقة، ولا المواطن الذي يدفع أكثر من طاقته لتأمين عملته الصعبة. ما يجري في السوق الموازية ليس اضطرابًا عابرًا، بل انعكاس لاختلالات هيكلية أعمق، تشمل جهازًا مصرفيًا ضعيفًا ، وسياسات رقابية تفتقر إلى المرونة والدقة، وتهريب مستمر للعملة يفرغ السوق، وفجوة ثقة حادة بين الدولة والناس.
إن تجاهل هذه الأسباب والاكتفاء بمصطلحات مثل "الضوضاء الملونة" لا يحل الأزمة، بل يعطل مواجهتها الحقيقية.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلف الحكومية في العراق ضمن كشف حساب الدولة 2024: تمويل طار ...
- تعليق بطاقات الدفع الإلكتروني الدولية في العراق: قرار مالي أ ...
- موازنة على أرائك مهترئة: العراق بين النفقات الحاكمة والملاعق ...


المزيد.....




- بدون كفيل.. خطوات الحصول على تأشيرة الإقامة الذهبية في الإما ...
- سويسرا ترفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا
- 30 ألف إسرائيلي يطالبون بالتعويض عن الهجمات الإيرانية في الأ ...
- سوريا ترحب بقرار سويسرا رفع العقوبات الاقتصادية
- أردوغان يتعهد بتعزيز إنتاج الصواريخ في تركيا مع تصاعد الحرب ...
- “بدون كفيل” شروط وخطوات التقديم على الإقامة الذهبية الإمارات ...
- بوركينا فاسو وروسيا توقعان اتفاقية إقامة محطة نووية لإنتاج ا ...
- استنزاف مالي عميق في إسرائيل خلال أسبوع من الحرب مع إيران
- دول الخليج تزيد صادراتها من النفط تحسبا لأي اضطرابات
- لمكافحة الهجرة غير الشرعية.. ميلوني تقترح خطة لتعزيز اقتصادا ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الضوضاء الملونة- لا تُقنع الأسواق ولا تُعالج الأزمة