سهام يوسف علي
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 12:28
المحور:
الادارة و الاقتصاد
منذ العام 2003، والعراق يعيش على حافة ذاكرته، كمن يسير فوق رمادٍ يحسبه ترابًا.
نفس الوجوه، نفس الأصوات، نفس النشيد المكسور في كل دورة انتخابية:
وطنٌ يُستخرج منه النفط لا الوعي، وناسٌ ينتخبون من سرقهم لأنهم اعتادوا السرقة كما يُعتاد المطر في الشتاء.
هؤلاء الذين جاؤوا من عتمة المنافي، حملوا في حقائبهم مشاريع صغيرة بحجم طوائفهم، لا بحجم وطنٍ يُدعى العراق.
كلٌّ منهم ظنّ أن الله خصّه ببئر نفطٍ خاص، وأن الخريطة مجرد عقد إيجارٍ مؤقت.
توزعوا المناصب كما تُوزّع الغنائم في معركةٍ بلا شرف، وجعلوا من الدولة وليمةً تُؤكل بالنيّة لا بالحق.
قال ترامب، وهو لا يعني إلا السخرية:
"لدى العراق الكثير من النفط، لكنه لا يعلم كيف يتصرف بهذا الكم الهائل من النفط. لديهم كنز تحت أقدامهم، لكنه يبدو عاجزًا عن استثماره لتحقيق الرفاهية لمواطنيه."
ولم يقلها حبًا بالعراق، بل تعجبًا من عبقرية الخراب التي تسكن ساسته.
حقًا، كيف يمكن لوطنٍ يجلس على بحرٍ من الذهب الأسود أن يطفو على طوفانٍ من العتمة؟
كيف لأرضٍ تُشعل العالم أن تعجز عن إنارة بيتٍ واحدٍ من بيوت فقرائها؟
كأن العراق نبيٌّ قُتل على يد أتباعه، أو كنزٌ دفن نفسه كي لا تلوثه أيادي اللصوص.
هؤلاء الذين حكموا باسم “التحرير” جعلوا الحرية أضيق من زنزانة،
وباسم “الإعمار” رمّموا جدران قصورهم لا أسقف البيوت المنهارة.
لقد تعلّموا فنون الفساد كما يتعلم الطفل نطق اسمه،
وصاروا يحكمون بلا خجلٍ كما يحكم الغياب مقبرةً منسية.
كل انتخاباتٍ جديدة هي إعادة بثٍّ لحفلة الخراب الأولى،
كل وعدٍ انتخابي هو نكتة باهتة يُضحك بها السارق على من سُرق.
وكل مواطنٍ يمدّ إصبعه إلى الصندوق،
إنما يوقّع — دون أن يدري — على وثيقة موت جديدة لوطنٍ تعب من البكاء.
العراق اليوم يشبه رجلاً يحمل الذهب في جيبه ويستعير ثوبًا من الفقر.
يشبه امرأةً أطفأوا مصباحها ثم قالوا لها: كوني شمسًا.
يشبه كنزًا يعرف مكانه الجميع… إلا من يملكه.
إنهم لم يسرقوا النفط فقط،
بل سرقوا الحلم، ووراثة الأمل، وإحساس المواطن بأنه يستحق الحياة.
سرقوا حتى فكرة “الغد”،
حتى صار العراقي ينام على وطنٍ لا يثق أنه سيجده حين يستيقظ.
#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟