أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي والتحديات المالية للعراق














المزيد.....

سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي والتحديات المالية للعراق


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 19:08
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


أصدرت الحكومة العراقية مؤخراً توصية بإصدار سندات خزينة بقيمة 5 تريليون دينار لدفع مستحقات المقاولين التي تبلغ 7 ترليون دينار، بهدف ضمان استمرار المشاريع العامة. في الوقت نفسه، يصرح البعض من السادة الخبراء ، بأن الدين الداخلي البالغ 92 تريليون دينار يُدار بكفاءة، وأن هناك آليات لتحويل الدين إلى "حقوق استثمارية" ضمن مشاريع إنتاجية.
لكن رغم هذه التصريحات حول إدارة الدين الداخلي التي توحي بالثقة، إلا أن الواقع المالي يظهر تحديات بنيوية تحتاج إلى معالجة.

الدين الداخلي وتكاليفه الخفية
يشيع ترويج فكرة أن الدين الداخلي "آمن" بحكم وجوده في حوزة المصارف الحكومية والبنك المركزي، غير أن التحليل الاقتصادي يكشف أن هذا التصور يتجاهل تكاليف حقيقية ،فالمصارف الحكومية التي تشتري سندات الدين تستخدم في ذلك ودائع المودعين، مما يقلص قدرتها على تمويل القطاع الخاص ويحد من دورها في دعم الاستثمارات الإنتاجية. كما أن لجوء البنك المركزي إلى التمويل النقدي، أي طباعة النقود لشراء السندات الحكومية، يظل احتمالاً قائماً، وهو ما قد يفضي إلى موجة تضخمية تلتهم القوة الشرائية للمواطنين. وبهذا، لا يقتصر أثر الدين الداخلي على كونه رقماً في السجلات المالية، بل يتعداه إلى كونه عبئاً مستمراً يثقل كاهل المالية العامة ويعوق نمو الاقتصاد الحقيقي.

سندات المقاولين: معالجة سطحية لأزمة هيكلية

يمثل إصدار سندات المقاولين محاولة لمعالجة اختناق مالي يعاني منه قطاع المقاولات، غير أن هذه الخطوة لا ترقى إلى معالجة جذرية للأزمة. ففي جوهرها، لا تعدو أن تكون عملية تدوير للسيولة داخل النظام الاقتصادي، حيث تنتقل الأموال من المصارف إلى المقاولين، ثم إلى العمال والفنيين، وقد تعود إلى الدورة الاقتصادية من خلال الإنفاق. بيد أن هذا النموذج يتجاهل الأسباب الهيكلية الكامنة وراء الأزمة، والتي تتجلى في ارتفاع الإنفاق الجاري، وضعف التخطيط الاستثماري، واستمرار تنفيذ مشاريع غير ذات أولوية. كما أن ضعف الثقة في البيئة المصرفية قد يحول دون عودة هذه السيولة إلى النظام المالي بالشكل المطلوب، مما يحد من أثرها في تحريك الاقتصاد الحقيقي.

مقترح تحويل الدين إلى استثمار: بين التنظير والتطبيق

يبدو المقترح الرسمي القاضي بتحويل السندات إلى حصص في مشاريع إنتاجية جذاباً من الناحية النظرية، لكن التطبيق العملي يكشف عن تحديات جسيمة. فغياب معايير واضحة ومستقلة لتقييم الأصول العامة يشكل عائقاً أمام تحديد القيمة الحقيقية لتلك المشاريع، كما أن تجربة الإدارة الحكومية السابقة لا تبشر بكفاءة قادرة على تحقيق عوائد اقتصادية مجدية، مما يضع علامات استفهام حول جدوى المقترح الحالي وقدرته على الإضافة الحقيقية.

الثروات الوطنية ووهم السيولة الفورية

يؤكد المسؤولون في خطابهم الرسمي أن ثروات العراق تفوق حجم ديونه، غير أن هذه المقارنة تحتاج إلى إعادة نظر. فالثروات النفطية، رغم ضخامتها، ليست أموالاً سائلة متاحة للاستخدام الفوري، بل هي أصول تحتاج إلى استثمارات ضخمة ووقت طويل لتحويلها إلى سيولة قابلة لسداد الديون. كما أن الاعتماد على الثروات المستقبلية لتسديد الالتزامات الحالية يعني، في جوهره، رهن مستقبل الأجيال القادمة لمواجهة عجز الإدارة الحالية، وهو ما يطرح إشكالات أخلاقية واقتصادية بالغة الخطورة.

الواقع المالي كما تكشفه الأرقام

تكشف البيانات المالية الرسمية، حسب كشف حساب الدولة لغاية تموز 2025، عن هشاشة واضحة في الوضع المالي للعراق. إذ بلغت إجمالي الإيرادات 72 تريليون دينار، منها 64.9 تريليون نفطية (90%)، مما يعكس اعتماداً شبه كامل على القطاع النفطي. وفي المقابل، استهلكت النفقات التشغيلية 64.2 تريليون دينار، أغلبها مخصص للرواتب والتحويلات الاجتماعية للموظفين والمتقاعدين، بما يعادل حوالي 89% من إجمالي الإيرادات. هذا الوضع يترك هامشاً ضئيلاً للإنفاق الاستثماري، ويجعل أي إضافة جديدة للدين أو إصدار سندات مجرد تدبير ترقيعي يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية.
إضافة إلى ذلك، تتفاقم الضغوط بسبب تراجع الاحتياطيات الأجنبية من 120 مليار دولار منتصف عام 2023 إلى 92 مليار دولار منتصف عام 2025، ما يزيد من حدة التحديات التي تواجه السياسة النقدية والمالية ويحد من قدرة الحكومة على مواجهة الصدمات الاقتصادية المحتملة. هذه المؤشرات مجتمعة توضح أن أي دين إضافي أو إصدار سندات لا يمثل حلاً هيكلياً، بل إجراء مؤقتاً لتغطية الالتزامات الطارئة دون معالجة جذور الأزمة المالية.
انعكاسات السياسات الحالية على الاقتصاد الكلي

يؤدي استمرار الاعتماد على الدين الداخلي لتمويل الإنفاق الجاري إلى إضعاف قدرة الحكومة على تحديد أولويات اقتصادية واضحة، كما يزيد من الضغوط على القطاع المصرفي، مما يقيد تمويل القطاع الخاص ويعوق تحفيز الاستثمارات المنتجة. وأي تأخر محتمل في سداد هذه الديون، أو أي ضغط على النظام المصرفي، قد يتطور إلى أزمة نقدية ومالية أوسع نطاقاً، يكون الخروج منها أكثر صعوبة وتعقيداً.

لا يكمن الحل في وعود تحويل الدين إلى استثمارات، بل في تبني إصلاحات هيكلية جريئة تشمل إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي ووقف الهدر والفساد في المشاريع العامة، والسعي الحثيث الى تنويع مصادر الدخل. إن بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي هو الضمانة الوحيدة لتغطية الالتزامات دون اللجوء إلى مزيد من التراجع عن السيادة المالية. والطمأنينة الرسمية التي يروجها المسؤولون تخفي وراءها هشاشة حقيقية تهدد استدامة المالية العامة ومستقبل الأجيال القادمة، مما يستدعي وقفة جادة لإعادة النظر في النهج الاقتصادي القائم قبل فوات الأوان.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...
- تصريحات وزيرة المالية حول تأخر جداول الموازنة: قراءة في المب ...
- سنأخذ النفط العراقي-... هل ستتحقق نبوءة ترامب؟
- التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة: فائض رقمي يخفي ...
- العراق بين شبح العجز وغياب الإصلاح: قراءة نقدية لتقرير صندوق ...
- قراءة في تحذيرات صندوق النقد للعراق
- عن الجامعات العراقية ومؤشر النزاهة البحثية.. الحقيقة ليست في ...
- التسوّل في العراق... حين يصبح الفقر تجارة والفساد راعيًا لها
- الجامعات العراقية وتصنيف -العلم الأحمر-: أزمة نزاهة البحث ال ...


المزيد.....




- من يدفع كلفة حرب إسرائيل على غزة؟
- في يومها العالمي.. تعرّف على أكثر الدول العربية استهلاكا للق ...
- الصناديق الخليجية تواصل تصدر الاستثمارات العالمية رغم انخفاض ...
- صادرات عسكرية ألمانية -غير حربية- لإسرائيل رغم تعليقها جزئيا ...
- باكستان تسعى لجذب الاستثمارات الأميركية بعد تقارب مع ترامب
- النفط يتراجع لـ65 دولارا للبرميل مع توقعات بهبوطه أكثر
- بويضات من خلايا جلد لإنتاج أجنة..البشرية أمام علاج جديد ثوري ...
- رؤية ترامب : منطقة اقتصادية عالمية خاصة لريفيرا غزة الجديدة ...
- إغلاق حكومي بأميركا وسط شلل بالميزانية وتهديد عمل 750 ألف شخ ...
- مستشار السوداني: ديون العراق تحت السيطرة ولا تشكّل خطراً على ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي والتحديات المالية للعراق