أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضلات الاقتصاد والمجتمع














المزيد.....

العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضلات الاقتصاد والمجتمع


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 23:20
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


أصدر البنك الدولي في 8 آب/أغسطس 2025 تقرير التنمية البشرية حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجاءت بياناته الخاصة بالعراق كمرآة كاشفة لمواضع الخلل وأوجه التحدي. التقرير لم يكتف بسرد المؤشرات، بل قدم صورة متكاملة عن التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والهشاشة، واضعاً العراق في قلب النقاش حول كيفية إعادة بناء رأس المال البشري في بيئة ما تزال تعاني من الإضطرابات الاقتصادية والسياسية.
حين يقترب العراق من منتصف القرن الحادي والعشرين، يبدو أن التحديات التي تنتظره ليست أقل خطورة من تلك التي واجهها في نصفه الأول. فالمعادلة الديموغرافية تتبدل بسرعة، ومعها يتغير شكل الضغوط على الاقتصاد والدولة. معدل إعالة المسنين، الذي سيقفز إلى نحو 20% بحلول عام 2050، يضع العراق أمام معادلة عسيرة ، مجتمع شاب يشيخ قبل أن يتمكن من بناء قاعدة إنتاجية متينة، وما يزيد من تعقيد هذه الصورة أن سنّ التقاعد الفعلي لا يتجاوز 54 عاماً، فيبقى الفرد في دائرة "الإعالة" لقرابة ثلاثة عقود بعد التقاعد، ما يعني سنوات طويلة من الإنفاق غير المنتج على حساب الموارد العامة.

أما التعليم، الذي يُفترض أن يكون قاطرة رأس المال البشري، فيرزح تحت وطأة ضعفٍ هيكلي مقلق. سبعة من كل عشرة أطفال غير قادرين على قراءة نص بسيط في سن التعليم الابتدائي؛ وهي نسبة تكاد تضع العراق في ذيل السلم الدولي لمخرجات التعليم. الأخطر أن هذه النتائج تأتي في سياق تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم منذ عام 2014، إذ لم يحظ هذا القطاع بما يكفي من الموارد مقارنة بالصحة أو الحماية الاجتماعية، وهو ما يعكس غياب الرؤية طويلة الأمد لبناء قاعدة معرفية منتجة.

الصحة بدورها لم تسلم من التناقضات، صحيح أن نصيب الفرد من الإنفاق الصحي تحسّن بين 2015 و2021، إلا أن الفجوة بين ما يُنفق وبين ما يُنتَج من خدمات ظلت عميقة. ففي بلد يواجه هشاشة بنيوية في أنظمته، لا يكفي رفع الموازنات ما لم يُقترن ذلك بكفاءة الإدارة وتوجيه الموارد إلى حيث الحاجة. ومع ذلك، فقد أحرز العراق تقدماً نسبياً في مؤشر التغطية الصحية الشاملة مقارنة ببلدان ذات دخل مماثل، وهو تقدم لا يُخفي استمرار الفجوات في الخدمات، خصوصاً بين الريف والحضر، وبين المستقرين والنازحين.

أما الحماية الاجتماعية، فقد أثبتت السياسات المالية بعد عام 2015 قدرتها على التخفيف من حدة الفقر عبر آليات الضرائب والتحويلات، حيث استفادت الشرائح الدنيا من المجتمع من صافي التحويلات أكثر مما خسرته عبر الضرائب. لكن هذه المظلة لم تتمكن من شمول جميع المستحقين، فبقي نصف الفقراء تقريباً خارج نطاق الدعم، في مشهد يتناقض مع الحاجة الملحّة لتوسيع شبكات الأمان في بلد تتكرر فيه الصدمات الاقتصادية والسياسية.

ولا يمكن قراءة كل ذلك بمعزل عن سياق الهشاشة والصراع. فمنذ 2014 تراجعت قدرة الدولة على الإنفاق بفعل الحروب وتقلب أسعار النفط، فانكمش حجم الموارد المخصصة للتنمية البشرية. المدارس أُغلقت، الأسر نزحت، والخدمات الصحية تدهورت، حتى بات العراق نموذجاً حيّاً لما يسميه التقرير "الموجات الطويلة لتدمير رأس المال البشري".

إن صورة العراق كما يرسمها هذا المسار ليست مجرد أرقام أو مؤشرات، بل انعكاس لتراكم أزمات بنيوية: شيخوخة سريعة بلا قاعدة إنتاجية، تعليم ضعيف بلا رؤية، صحة مثقلة بالهدر، حماية اجتماعية غير مكتملة، وإنفاق تنموي ينهار عند أول هزّة. إنها حلقات متشابكة تضع الاقتصاد الوطني في وضع دفاعي دائم، بدل أن تدفعه إلى الأمام.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...
- تصريحات وزيرة المالية حول تأخر جداول الموازنة: قراءة في المب ...
- سنأخذ النفط العراقي-... هل ستتحقق نبوءة ترامب؟
- التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة: فائض رقمي يخفي ...
- العراق بين شبح العجز وغياب الإصلاح: قراءة نقدية لتقرير صندوق ...
- قراءة في تحذيرات صندوق النقد للعراق
- عن الجامعات العراقية ومؤشر النزاهة البحثية.. الحقيقة ليست في ...
- التسوّل في العراق... حين يصبح الفقر تجارة والفساد راعيًا لها
- الجامعات العراقية وتصنيف -العلم الأحمر-: أزمة نزاهة البحث ال ...
- بين الإعلانات المليارية والحقائق المالية: خرافة الاستثمار ال ...
- العرض، موسم السُخرة، وكرنفال الهبات


المزيد.....




- شركات نفط الإقليم ترحّب بقرب استئناف الصادرات عبر جيهان
- الاعتماد على النفط يهدد الاقتصاد العراقي وسط صمت الإجراءات ا ...
- صندوق التقاعد الدانماركي يتخلى عن استثمارات في إسرائيل بسبب ...
- وزير الخزانة: نبحث عن شخص منفتح لقيادة المركزي الأميركي
- الاتحاد الأوروبي يدرس فرض رسوم جمركية على واردات النفط الروس ...
- ضغط أوروبي على واشنطن لخفض الرسوم على المعادن
- شركات نفط تتفق مع بغداد وكردستان العراق على استئناف الصادرات ...
- إيران تبدأ ترميم مواقع إنتاج الصواريخ لكنها تفتقد -عنصرا مهم ...
- صندوق التقاعد الدانماركي يتخلى عن استثمارات في إسرائيل بسبب ...
- وزير الخزانة: نبحث عن شخص منفتح لقيادة المركزي الأميركي


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضلات الاقتصاد والمجتمع