أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهرباء














المزيد.....

الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهرباء


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:12
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يبدو المشهد العراقي للوهلة الأولى وكأنه قصة نجاح متأخرة: سيارات فارهة، مولات مكتظة، وفواكه مستوردة لم يرها العراقيون سابقًا، وسفر للخارج أصبح ممكنًا. يقول بعض العراقيين إن مستوى معيشتهم اليوم أفضل مقارنة بسنوات ما قبل 2003، بفضل القدرة على الاستهلاك والتنقل والسفر، لكن هذا الازدهار الظاهري يخفي وراءه اختلالًا هيكليًا عميقًا.

المواطن يستهلك أكثر، والدولة تبدو ضعيفة في قدرتها على توفير الكهرباء والماء والبنية التحتية الأساسية. هذا ما يُعرف اقتصادياً بـ الرفاه الريعي، أي رفاهية تعتمد على توزيع الإيرادات الريعية بدل بناء قاعدة إنتاجية مستدامة.

الرفاه الريعي ينشأ عندما تعتمد الدولة على مصدر دخل خارجي ثابت كالنفط، وتستخدمه لتوزيع الدخول والرواتب والدعم، دون خلق الإنتاج المحلي. بمعنى آخر، المواطن يصبح مستهلكًا لثروة لم يساهم في إنتاجها، والدولة موزعًا للثروة لا مولّدًا لها. في العراق، يشكل النفط غالبية الإيرادات الحكومية، مما يرسّخ هذه الظاهرة.

البيانات الرسمية تؤكد هذا الاعتماد شبه المطلق على النفط: في أول خمسة أشهر من عام 2025، بلغت الإيرادات الفيدرالية 46.157 تريليون دينار، منها 91٪ من النفط. في عام 2024، شكّل النفط حوالي 91٪ من إجمالي الإيرادات، في حين لم تتجاوز الإيرادات غير النفطية 2.9٪ من الناتج المحلي.

الإنفاق على الرواتب والتحويلات يمثل أكثر من 60٪ من الإنفاق الحكومي، بينما الإنفاق الاستثماري أقل من 15٪. ونمو الناتج المحلي غير النفطي بلغ 5٪ في 2024، وهو مؤشر محدود على التحول الهيكلي، لكنه بعيد عن مستوى الاستدامة.

مظاهر الرفاه الريعي واضحة: ارتفع الطلب على السلع المستوردة بعد 2003، وازدهرت السيارات والمولات والسفر للخارج، ما جعل بعض العراقيين يشعرون بتحسن مستوى معيشتهم. لكن هذا التحسن سطحي ومؤقت، لأنه قائم على توزيع الريع النفطي وليس على إنتاج محلي مستدام.

الزيادة في الطلب الاستهلاكي لم تترافق مع توسع مماثل في الإنتاج المحلي، مما اضطر العراق إلى استيراد أغلب السلع لتلبية هذا الطلب، وهو نتيجة طبيعية للاقتصاد الريعي.

اعتماد العراق شبه المطلق على الإيرادات النفطية خلق اقتصادًا معتمدًا على الريع دون قاعدة إنتاجية حقيقية. فالنفط يوفر الدخل الأساسي للحكومة، ما جعل القطاع العام الممول بالنفط الملاذ الاقتصادي الأكبر للأفراد، بينما تظل الصناعة والزراعة ضعيفة وغير قادرة على المنافسة داخليًا أو خارجيًا.

هذا التركيب يخلق هشاشة بنيوية: أي صدمة في الإيرادات النفطية أو تأخر في الميزانية يضعف قدرة الدولة على الإنفاق العام والخدمات الأساسية، ويكشف الاعتماد الكامل على الريع بدل الإنتاج المحلي.

الاقتصاد الريعي يخلق حوافز ضعيفة للإنتاج والاستثمار، إذ يركز الأفراد والمؤسسات غالبًا على اقتناص الريع بدل تطوير الاقتصاد المحلي. وفق دوغلاس نورث، هذا النوع من الاقتصادات يكوّن مؤسسات استخراجية تركز على توزيع الثروة بدل خلق الإنتاج.

وفي المقابل، يشير أمارتيا سن إلى أن الرفاه المادي وحده لا يكفي، والتنمية الحقيقية تتطلب بناء قدرات المواطنين والمؤسسات، وإلا يصبح ما يراه الناس “ازدهارًا فارغًا”، أي رفاهًا بلا استدامة.

العراق نموذج حي للرفاه الريعي: مجتمع يستهلك وينتقل بين المولات والسيارات والسفر، ودولة عاجزة عن توليد الإنتاج أو ضمان الخدمات العامة. النمو القائم على النفط وحده يجعل الاقتصاد هشًا: أي تراجع في أسعار النفط أو اضطراب مالي يهدد القدرة على الإنفاق العام، ويكشف هشاشة الدولة.

لتجاوز هذه الدائرة، يحتاج العراق إلى تحويل الريع إلى استثمار حقيقي في الصناعة والزراعة والبنية التحتية والطاقة المتجددة، وتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط، وإصلاح مؤسسات الدولة لبناء قدرات إنتاجية مستدامة، وإعادة هيكلة القطاع العام لتشجيع الاستثمار والإنتاج بدل التوظيف الريعي.

الرفاه الريعي ليس علامة ثراء حقيقي، بل تأجيل للفقر المؤسسي. حين يُقاس الرفاه بعدد السيارات والمولات، لا بعدد المصانع والمشاريع الإنتاجية، يصبح الاقتصاد مجرد واجهة براقة لبنية خاوية. العراق بحاجة إلى الانتقال من استهلاك الريع إلى استثمار الريع، ومن دولة توزع المال إلى دولة تنتج الثروة.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي 2 ...
- فتاوى ضد التغيير: حين صار الوطن كافرا والفساد مؤمنا-
- العراق: دولة غنية بالفقر
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...
- تصريحات وزيرة المالية حول تأخر جداول الموازنة: قراءة في المب ...


المزيد.....




- هل شراء الذهب من محلات الصاغة هو الخيار الأمثل؟ وما البديل ا ...
- بدء تطبيق رسوم ترامب على الشاحنات والحافلات
- فلسطين: انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية بغزة نتيجة الإبادة ال ...
- نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية.. خسائر اقتصادية كبيرة في لبنا ...
- الاستثمار عبر الإنترنت في مصر: ما الذي يقود الاندفاع الرقمي ...
- هل يملك المنتدى الاقتصادي العالمي خطة للنجاة؟
- أستراليا وكندا توقعان اتفاقا لتعزيز التعاون بمجال المعادن ال ...
- فلسطين: انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية بغزة نتيجة الإبادة ال ...
- الصين في قبضة الـ Involution.. فما هي هذه المشكلة الخبيثة؟  ...
- المرحاض الذهبي يطرح مجددا في المزاد بسعر افتتاحي 10.000.000 ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهرباء