سهام يوسف علي
الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:48
المحور:
حقوق الانسان
في العراق، لم تَعُد المشكلة في مَن يحكم، بل في مَن يُفكّر كيف يُحكَم.
لم تَعُد الفتوى تخرُج من المنبر لتوجّه الناس نحو الله، بل لتوجّههم نحو صناديقٍ معدة سلفا.
الخطبةُ لم تَعُد للوعظ، بل لإسكات الوعي، والتصريح السياسي لم يَعُد وعداً بالإصلاح، بل استهزاءً بالشعب.
أربعُ حالات تكشف كيف صار الخطاب الديني والسياسي في العراق جدارا واحدا من الطين المقدّس، يُرفع بوجه أي محاولةٍ لتغيير الواقع.
(1) الفتوى التي تكفر المدنيين
عندما يُقال إنّ “المدنيّين كفّار”، فهذا ليس رأياً فقهياً بل إعلان حرب على مفهوم الدولة.
الدين هنا يستَعمل كمعول يهدم فكرة المواطنة، وكأنّ الإيمان شهادة انتماء حزبي.
بهذا المنطق، كل من يفكّر خارج عباءة السلطة يصبح عدواً، وكلّ من يسرق تحت رايتها “مجاهداً في سبيل الله”.
(2) الخطبة التي تحرم التغيير
أيُّ دينٍ هذا الذي يحرّم تغيير الفاسدين ويحلل السكوت على القهر؟
إنها ليست فتوى، بل تعويذة الخوف، يريدون شعباً يصمتُ باسم القدر، ويجوعُ باسم الصبر، ويهان باسم الإيمان ،يحولون الدين من طاقةٍ للتحرير إلى أداةٍ لتدجين الناس، ليبقى الحاكمُ فوق السؤال، والناس تحت الطاعة.
(3) الدعوة لترك الحديث عن الفشل والتوجه للحرب
حين يعجزون عن تبرير الخراب، يخلقون حرباً جديدة ،“اتركوا الحديث عن الفساد، فالأعداء يتربّصون بنا”، لكنّ العدوّ الحقيقي يعيش بيننا، في عقود الكهرباء، في مزاد الدولار، في الموازنات المفقودة.
الحرب ليست على الحدود بل في الجيوب، في الوزارات، في صفقات الدم.
تلك الدعوة ليست للدفاع عن الوطن، بل للدفاع عن الذين دمّروه.
(4) القيادي الذي قال: "ابدأوا بتغيير أمهاتكم وآبائكم"
ها هنا نصل إلى لحظة السخرية العظمى، أن يقارن فساد السلطة بشيخوخة الأبوين!
الآباء يُكرّمون لأنهم أصل الوجود، أما الوجوه السياسية فتحاسب لأنها سبب الخراب.
إنها محاولة لتحويل الغباء إلى نكتة، والنكتة إلى قناعٍ يخفي العجز.
عندما يسخر السياسي من فكرة التغيير، فهو يقول ضمناً: لن أرحل، ولن أعتذر.
هؤلاء الأربعة لا يتشابهون في اللغة، لكنهم يلتقون في الجوهر:
كلّهم ضد الوعي، الفتوى تغلق العقل، الخطبة تخرس اللسان، الدعوة للحرب تغيّب البوصلة، والتصريح الساخر يطفئ الأمل.
أربعُ روافع تبني جدار الخوف حول الشعب، ليبقى ساكناً في مقبرةٍ اسمها “الوضع القائم”.
#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟