أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - العراق: دولة غنية بالفقر














المزيد.....

العراق: دولة غنية بالفقر


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 18:13
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


العنوان “العراق: دولة غنية بالفقر” قد يبدو متناقضا، لكن الواقع يؤكده أحدث تقرير للفقر متعدد الأبعاد الذي أصدرته وزارة التخطيط لعام 2025، الدراسة، التي استخدمت مؤشرات التعليم والصحة والسكن والدخل والاتصال، تكشف أن 36.8% من العراقيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، أي أن أربعة من كل عشرة محرومون من مقومات الحياة الأساسية في آنٍ واحد.
بهذه البداية، يتضح أن الفقر في العراق ليس مجرد نقص في المال، بل ظاهرة هيكلية مرتبطة بطريقة إدارة الدولة لمواردها، وهو ما سنفصّله في هذا المقال :
1. فقر يتجاوز الجيوب إلى الأعماق
قيمة دليل الفقر متعدد الأبعاد (MPI) في العراق بلغت 0.108، فيما تصل شدة الحرمان إلى 29.4%، أي أن الفقير العراقي لا يفتقد المال فقط، بل يفتقد مقومات الحياة في ثلث أبعادها الأساسية، هذا الفقر ليس مؤقتا أو ظرفيا، بل هيكلي ومركّب، ينتج عن تداخل ضعف التعليم، ورداءة السكن، وسوء الخدمات العامة، والبطالة المقنّعة.
2. خارطة الفقر: وطن بسرعتين
الأرقام تكشف عن عراقين لا عراقًا واحدًا.
في المثنى يعيش 62.4% من السكان في فقرٍ متعدد الأبعاد، وهي أعلى نسبة في البلاد، تليها صلاح الدين (53.3%) وميسان (51.9%).
أما في كركوك فالفقر لا يتجاوز 20.4% (MPI = 0.052)، وفي بغداد يبلغ 27.6%، بينما يبقى إقليم كردستان عند حدود 0.106.
والفجوة بين الريف والمدينة مذهلة في قسوتها:
فالفقر في الريف (0.157) يبلغ ضعف مستواه في المدن (0.080)
هذه الأرقام لا تصف تفاوتًا جغرافيًا فقط، بل لا مساواة بنيوية في توزيع الخدمات العامة وفرص الحياة، فالمناطق الريفية تُترك لقدرها، بلا تعليمٍ كافٍ، ولا شبكات صحية أو رقمية فاعلة.
3. ملامح الحرمان: أبعاد الفقر العراقي والتفكيك التفصيلي لأبعاد الحرمان يرسم صورة قاتمة:
32.5% من العراقيين يعيشون في مساكن مكتظة.
31.5% لم يُكملوا 9 سنوات تعليمية — أي أن ثلث السكان يفتقرون إلى الحد الأدنى من التعليم الأساسي.
27.3% محرومون من الإنترنت المنزلي، في زمنٍ أصبح فيه الاتصال بالعالم شرطًا للتنمية لا ترفًا.
7.9% من الفقراء يعانون من البطالة أو العمالة الناقصة، ما يعني أن العمل نفسه لم يعد وسيلة للخلاص من الفقر.
4. مفارقة الثروة والحرمان
في الوقت الذي يعيش فيه سكان المثنى وذي قار على حافة العوز، تنفق بغداد مليارات الدنانير على مؤتمرات شكلية ومواكب رسمية وسيارات مصفحة ,إنها ليست فجوة طبقية فقط، بل هوة أخلاقية بين من يملك القرار ومن يعيش نتائجه, فـ"الطبقة المخملية" في العراق لا تسكن القصور فحسب، بل تسكن الميزانية نفسها، إذ تُدار موارد الدولة لتغذية امتيازاتها لا لرفع مستوى معيشة المجتمع.
بهذا المعنى، يمكن القول إن الفقر في العراق ليس نتيجة لندرة الموارد، بل لندرة الكفاءة في إدارتها.
إنه فقرٌ مُنتَج إداريا، ومحمي سياسيا، ومُعاد إنتاجه كل عامٍ عبر الموازنات ذاتها والخطابات ذاتها.
5. حين تُقارن الأرقام تُفضَح السياسات
في دول نفطية مجاورة، ، كالسعودية أو الإمارات أو حتى سلطنة عمان، تقل معدلات الفقر المتعدد الأبعاد عن 3%.
الفرق؟
أن تلك الدول جعلت من الثروة وسيلة للتنمية، فيما جعلها العراق غايةً للسلطة.
فالأموال هناك تُترجم إلى مدارس ومستشفيات وفرص عمل، وهنا تُترجم إلى مخصصات ومناصب وأجهزة أمنية مكرّرة.
6. الدولة التي تنتج الفقر
إن الفقر في العراق ليس عارضا، بل نتاج نظامٍ اقتصادي ـ سياسي مغلق يعيش على إعادة تدوير الريع بدل توزيعه ,فالثروة لا تتسرب إلى المجتمع، بل تُحاصر في قمّة الهرم، حيث تُعيد إنتاج نفسها في شكل نفوذٍ سياسي ومصالح اقتصادية.
بهذا المعنى، يصبح الفقر في العراق نتاج مؤسسي ,وما لم يُعاد تعريف مفهوم الدولة بوصفها أداة للعدالة لا للغنيمة، فستبقى الأرقام، مهما تغيّرت، تعكس الحقيقة ذاتها ,أن العراق ليس بلدًا فقيرًا، بل بلدًا يُدار بطريقة تُنتج الفقر.


---



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...
- تصريحات وزيرة المالية حول تأخر جداول الموازنة: قراءة في المب ...
- سنأخذ النفط العراقي-... هل ستتحقق نبوءة ترامب؟
- التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة: فائض رقمي يخفي ...
- العراق بين شبح العجز وغياب الإصلاح: قراءة نقدية لتقرير صندوق ...


المزيد.....




- مواصفات عالمية لمنافسة أقوى الهواتف .. هاتف realme 14 5g بسع ...
- هبوط أسعار الذهب اليوم الأربعاء الموافق 22 من شهر أكتوبر.. ا ...
- ألمانيا تتعاقد مع -رافائيل- الإسرائيلية لشراء صواريخ -سبايك- ...
- قناة السويس توقع اتفاقا بملياري دولار لإقامة مجمع للبتروكيما ...
- تراجع للدولار أمام الدينار العراقي في بغداد وأربيل مع إغلاق ...
- قطر وأميركا تحثان الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في قواعد ...
- مصر تصدر شحنة غاز طبيعي مسال إلى تركيا
- -فزغلياد-: مخاوف من أزمة مصرفية أميركية تهدد الاقتصاد العالم ...
- قطر وأميركا تحثان الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في قواعد ...
- مصر تصدر شحنة غاز طبيعي مسال إلى تركيا


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - العراق: دولة غنية بالفقر