سهام يوسف علي
                                        
                                            
                                                
                                        
                    
                   
                 
                
                
                
                
                 
                
              
                                        
                                        
                                      
                                        
                                        
                                            الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 20:57
                                        
                                        
                                        المحور:
                                            الادب والفن
                                        
                                        
                                            
                                        
                                        
                                     
                                      
                                        
                                        
                                        
                                        
                                            
    
    
 
                                       
                                        
                                        
                                
                                
                                   
                                        
                                            
                                              يُروى أنّ في فجر العالم، حين كانت الأرض لا تزال طفلةً صغيرة، مدّت يدها نحو السماء والأنهار، فخلقت وطنًا من نورٍ وطينٍ وماء.
ليكن هذا الوطن مهد الحضارات، وموطن الأنبياء، ومرآة للعالمين،” قالت الأرض،
وسمّته: العراق.
كانت بغداد نبضه، والبصرة روحه، والموصل فكره.
أنهار دجلة والفرات كانت دماءه، والنخيل كانت أشجاره المقدسة.
في البداية، كان العراق يغني.
تتعلم الطيور ألحانه، ويستمع الشعراء إلى أنينه قبل أن يعرفوا الحروف.
كانت المدن تبني نفسها من فرح أهلها، وكان الفلاحون يزرعون الأرض قبل أن تزرعهم الحياة.
حتى الشمس كانت تتوقّف عند الأفق لتنظر إليه بعين الحبّ.
لكن الزمن، كما هو العدو القديم لكل الأساطير، بدأ يقترب ببطء.
دخلت العواصف، وجاء الغزاة، وسُرقت التلال والأبراج، لكن العراق لم يمت 
كبر العراق، صار شيخًا أسطوريًا، نصفه جرح ونصفه نور.
أصبح يسير بين أطلال المدن،
ينظر إلى النهر العكر ويقول:
كم دفعتُ دماءً كي يعيش أبنائي… وكم أُخذت مني أحلامهم؟"
في الأسواق، رأى وجوه الفقراء، وأيديهم ترتعش من البرد والجوع،
ورأى الشرفاء في الدوائر يُقصون لأنهم رفضوا الانحناء،
والفاسدين يضحكون فوق الركام كما لو أن التاريخ لا معنى له.
ليالي العراق كانت طويلة.
يأتيه في الظلام أرواح الملوك والسحرة والأنبياء، يجلسون حوله ويسمعون أنينه.
"كنت وطنًا للعلم والحكمة،" يهمس لهم،
"واليوم أصبحتُ وطنًا للصمت والخذلان."
يتذكر جلجامش وأنكيدو، وكيف ساروا في رحلاتهم بين الطين والأنهار،
ويشعر أنّه لم يعد هناك من يسير مع أبنائه في رحلات الخلود.
ورغم كل شيء، لم يمت العراق.
قبل أن تشرق الشمس، تمر نسمة على وجه بغداد، تحمل رائحة الطين والتمر، وصوت شاب مجهول يهمس:
اصبر يا وطن، ما زال فينا من يحبّك بصدق، وما دام الدمع في العيون، فالحياة فيك لم تنتهِ."
ينهض الشيخ قليلاً من رماده، ينفض غبار التاريخ عن كتفيه، ويهمس:
"أنا العراق، أوّل من كتب الحرف، وآخر من يطفئ النار. أنحني لكن لا أنكسر. أموت كل يوم وأُبعث من جديد."
ينام العراق بين أطلاله، كإلهٍ جريح، يحلم بفجر لا يأتي من الشرق ولا الغرب،
بل من قلبه… من عراقي بسيط يحب أرضه أكثر مما يخافها.
                                                  
                                            
                                            
                                          
                                   
                                    
      
    
  
                                        
                         #سهام_يوسف_علي (هاشتاغ) 
                           
                         
                            
                         
                        
                           
                         
                         
                
                                        
  
                                            
                                            
                                             
                                            
                                            ترجم الموضوع 
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other 
languages
                                        
                                            
                                            
                                            
الحوار المتمدن مشروع 
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم 
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. 
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في 
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة 
في دعم هذا المشروع.
 
  
                                                               
      
    
			
         
                                         
                                        
                                        
                                        
                                        
                                        
                                         
    
    
    
                                              
                                    
                                    
    
   
   
                                
    
    
                                    
   
   
                                        
			
			كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية 
			على الانترنت؟