أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية














المزيد.....

اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 12:33
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في العراق اليوم، لا شيء يُدهش أكثر من الفجوة بين الخطاب والواقع، بين من يتحدثون باسم “الرفاهية القادمة” وبلدٍ يذبل تحت شمسٍ حارقة وجفافٍ يزحف حتى على الذاكرة.
البيئة تدق ناقوس الخطر: ستون في المئة من الأراضي الزراعية خرجت من دورة الحياة، وسبعون في المئة أُدرجت في خانة التصحر القادم، فيما المالية العامة تعاني جفافًا لا يقلّ قسوة.
فالإيرادات النفطية بالكاد تكفي لسداد الرواتب، والعجز يتسع كشقٍّ في جدار الدولة، وبلدٌ يبيع نفطه ليؤمّن معاش موظفيه، ويقترض ليواصل التنفس، ثم يُقال له: "الرفاهية قادمة!"
وحين تموت الأرض، لا يبقى للرفاهية معنى، سوى أن تكون كلمةً طائشةً في فمٍ مُترفٍ.
الوعود التي لا تنبت
في كل موسم انتخابي، يعتلي بعضُ قادة الكتل السياسية المنابر، مُعلنينَ بثقةٍ أن «العراق بلد الثروات، ويحق لشعبه أن يعيش برفاهية». لكنَّ هذا النداء الرفيع، وهو حقٌ مشروع، لا يصمد بوجه الواقع ، لأن الواقع المالي والاقتصادي يكشف عن زيف هذه الوعود .
ففي النصف الأول من عام، بلغت الإيرادات النفطية نحو 45.283 تريليون دينار،تم تخصيصها تقريبًا لتغطية الرواتب، التي بلغت 44.946 تريليون دينار خلال الفترة ذاتها. أي أن النفط يغطي بالكاد الرواتب ، من دون أن يُتوفّر حيز للاستثمار أو لإنفاق تنموي حقيقي.
وعندما تنظر إلى الإيرادات غير النفطية، تجد أنها تراجعت إلى 4.951 تريليون دينار، ما يمثل نسبة 8% فقط من إجمالي الإيرادات العامة، فيما كان الهدف المعلن مطلقًا هو 20%. هذا التراجع يُشير إلى أن الدولة عاجزة عن تنويع دخلها، فتصبح رهينةً لبرميل النفط، ولتقلّبات الأسعار.
كما ارتفع الدين الداخلي إلى 91 ترليون دينار، وهو رقمٌ قياسي في تاريخ المالية العامة العراقية. ومع أعباء خدمة دين تجاوزت 3 تريليونات دينار في فصل واحد، تصبح الدولة تحت وطأة التزاماتٍ جارية تُفرِغ من قدرتها على الاستثمار في البنية التحتية أو التعليم أو الصحة.

من هنا يُصبح القول: “سوف يعيش العراقي برفاهية” شهادة عزاء، لا مشروعاً واقعياً.
.هذه ليست أرقامًا جامدة، بل أصفادٌ تربط مستقبل الأجيال القادمة بديون الحاضر، فالاقتصاد العراقي يشبه مريضًا يعيش على جهاز التنفس الصناعي، والأنبوب الموصل إلى رئتيه هو برميل النفط، وإذا ما هبط السعر إلى 65 دولارًا للبرميل أو أقل كما يتوقع بعض الخبراء، فإن الأوكسجين سيتناقص، وستختنق معه كل وعود الرفاهية.
الرفاهية الخاصة والعجز العام
اللافت أن السياسيين أنفسهم يعيشون في زمن رفاهيتهم الخاصة,قصورٌ فارهة، استثماراتٌ في الخارج، حسابات مصرفية تتضخم بقدر ما تتقلص ميزانية الدولة.
إنهم يتحدثون عن “إعادة توزيع الثروة”، لكن الثروة أعادت توزيع نفسها بالفعل ، نحو جيوبهم.
هم لا يكذبون فحسب، بل يمارسون نوعًا من الإنكار الجمعي، إذ يتحدثون كما لو أن الدولة لا تُدار بالعجز، ولا يعيش نصف الشعب على الرواتب والتحويلات.
يقولون: “لقد حان الوقت لتعود ثروة البلد إلى المواطنين” ،لكن أي ثروة هذه؟
هل هي تلك التي تذوب في خزائن المصارف بينما الفلاح لا يجد ماءً يسقي أرضه؟
أم تلك التي تُهدر في رواتبٍ ضخمة وامتيازات لموظفي الدولة بينما إيرادات النفط بالكاد تغطي الرواتب؟
إن العراق، في عام 2025، ينفق أكثر من 99% من إيراداته النفطية على الأجور، فيما الإيرادات غير النفطية تمثل أقل من 8% من مجموع دخله العام.
فأي “رفاهية” تُبنى على اقتصادٍ يُنفق كل ما يجنيه على نفسه؟
يُحدّثون الناس عن خططٍ للإعمار والتنمية، وهم في الواقع يرفعون الدعم تدريجيًا عن الفئات ذات الدخل المتوسط، ويزيدون الرسوم على كل معاملةٍ بسيطة، في وقتٍ تتآكل فيه القوة الشرائية للدينار وتتصاعد أسعار الغذاء والطاقة.

الرفاهية سراب في صحراء السياسة
العراق اليوم يقف على حافة مزدوجة: جفاف الأرض وجفاف الأمل، وحين يقول السياسي: “لقد حان وقت الرفاهية”، تبدو عبارته كمن يعلن عن موسم حصادٍ في أرضٍ محروقة.
الرفاهية الحقيقية لن تأتي من صناديق الاقتراع، بل من تغيير العقول التي تدير الصناديق.
حين يُعاد النظر في بنية الدولة، في توزيع الثروة، وفي معنى السياسة نفسها ، عندها فقط يمكن أن نصدق أن “ثروة البلد عادت إلى مواطنيه”.
أما الآن، فالبلد مثل نخلةٍ عطشى: تُرفع حولها الشعارات، ولا يُسكب في جذورها الماء.
الرفاهية هنا لا تُمنح، بل تُنتزع من أفواه المواطنين.



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهر ...
- العراق في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي 2 ...
- فتاوى ضد التغيير: حين صار الوطن كافرا والفساد مؤمنا-
- العراق: دولة غنية بالفقر
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل
- الاستثمار بين السيادة والتنمية: قراءة موضوعية في المادتين ال ...
- موازنة فريدة- وتجربة لم تكتمل: قراءة نقدية في خطاب الحكومة ع ...
- تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازا ...


المزيد.....




- القضاء يبطل قرار البنك المركزي بتقييد بيع العقارات والتحويلا ...
- أوبك بلس يرفع إنتاج النفط 137 ألف برميل يوميا
- قطاع الخدمات في غزة بين التدمير والشلل الاقتصادي
- أوبك بلس يرفع إنتاج النفط 137 ألف برميل يوميا
- قطاع الخدمات في غزة بين التدمير والشلل الاقتصادي
- بعد الهند.. تركيا تشتري المزيد من النفط غير الروسي
- مجلس ENACT: الطاقة والاستثمار لدعم عصر الذكاء الاصطناعي
- ثلاث اتفاقيات جديدة بين أدنوك وجيكو روبوتيكس لتعزيز الابتكار ...
- صفقات -أديبك- خلال 3 سنوات تجاوزت الـ 27 مليار دولار
- 440 مليون ريال صافي أرباح -سابك- في الربع الثالث


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية