أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - ماذا بعد يا عراق… حين تصبح المهازل ميزان الدولة؟














المزيد.....

ماذا بعد يا عراق… حين تصبح المهازل ميزان الدولة؟


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 12:07
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لم يعد العراق يعيش مرحلة “تخبط إداري” أو “ارتباك سياسي” كما اعتدنا تسميته في سنوات سابقة. ما يجري اليوم أبعد من الخطأ وأخطر من الإرباك؛ إنه اهتزاز شامل في مفهوم الدولة نفسها، وتآكل بطيء في بنيتها العميقة، وتحوّل تدريجي للمؤسسات إلى هياكل خاوية تُدار بردود الأفعال لا بمنطق الإدارة.
لقد بلغ الانحدار حداً لم يعد المواطن بحاجة إلى عدسة تحليل ولا إلى قراءة معمقة كي يدركه؛ يكفي أن يفتح عينيه صباحاً ليجد دولة تتهاوى أمامه، لا بصوت الانفجارات ولا بوقع الانقلابات، بل بهشاشة عقلية داخلية تشقّ أسسها شقّاً.
اليوم، يقف العراق على عتبة سؤال ، لفضح الواقع: “ماذا بعد؟”
أي مهزلة بقيت لم تُعرض؟ وأي فشل بقي لم يُجرَّب؟
ماذا بعد… حين تنشر الدولة قراراً سيادياً في جريدتها الرسمية، ثم تتراجع عنه باعتذارات مرتبكة تشبه رسائل المراهقين؟
فالدولة التي تنشر قراراً سيادياً في الوقائع العراقية ثم تتراجع عنه باعتذار مرتبك، لا تتصرف كدولة. الجريدة الرسمية، التي كانت على مدى قرن كامل حصناً للوثيقة، تُختزل اليوم إلى ورقة قابلة للمحو. القرار الذي يُنشر ثم يُسحب بهذا الشكل لا يسقط القرار وحده، بل يسقط مبدأ الدولة نفسه ، مبدأ استقرار النص، قدسية الوثيقة، وحرمة التشريع.

ماذا بعد… حين يصبح رئيس الجمهورية “آخر من يعلم” بقرار منشور منذ أسبوعين؟
رئيس الجمهورية يكتشف قراراً سيادياً منشوراً في “الوقائع العراقية” من خلال فيسبوك. أي دولة هذه التي تصل قراراتها إلى وسائل التواصل قبل أن تصل إلى رأس الهرم فيها؟ أي مؤسسات هذه التي لا تعرف ما يُنشر باسمها؟ وأي رسالة يرسلها هذا الارتباك إلى الداخل والخارج سوى أن العراق دولة تُدار بلا مركز ضبط، وأن رأس السلطة نفسه يتلقى معلوماته كما يتلقاها المواطن العادي؟

وماذا بعد، حين تخطئ وزيرة المالية نفسها بواحد ونصف ترليون دينار من أموال الرواتب؟
إذا كانت أعلى سلطة مالية في الدولة لا تعرف ما تُنفقه شهرياً، فكيف ستعرف ما تحتاجه ميزانية عام كامل؟أو ما يستنزفه الفساد؟أو ما يتبخر من الإيرادات؟ أو ما يُهدر في دولة تتسرب فيها الأرقام كما يتسرب الماء من يد طفل؟

ثم… ماذا بعد حين تتحول الوثائق السرية إلى محتوى “يُسرّب” قبل أن يصل إلى مكاتب المسؤولين؟
انعدام الانضباط ليس المشكلة هنا؛ المشكلة أن سرّ الدولة، وهيبتها، وأمنها المؤسسي، أصبحت مواداً للعرض العام، وأن مؤسساتها تشبه غرفة بلا جدران ولا أبواب، يمكن لأي شخص أن يدخلها ويخرج منها ويسرّب ما يشاء.

اليوم… وبعد كل المهازل، يقف العراق مثل شيخٍ حكيمٍ ضاق صدره، ويرفع صوته قائلاً:
كفاكم… ماذا بعد؟ ماذا تبقّى من الدولة ليُنهدم؟
فالقرار يهتز، والأرقام تتبخر، والثقة تنهار، والوثائق تُسخّف، والمؤسسات تتصرف وكأنها كيانات متفرقة لا رابط بينها. إن ما يحدث اليوم ليس أزمة خدمات ولا خلافات سياسية ولا حتى صراع نفوذ؛ إنه تفكك منظومة الدولة من الداخل، وابتعادها التدريجي عن معناها الأصلي: الضبط، التنظيم، المساءلة، استقرار النص، وحماية الهيبة العامة.

حين ننظر لما جرى في العراق خلال أيام قليلة ،خطأ منشور في الجريدة الرسمية، تراجع رئاسي، تباين تصريحات وزارية، وفارق 1.5 ترليون دينار بين تصريح وزيرة المالية وكشف الوزارة،نجد الفارق بيننا وبين الدول الناجحة صارخاً.

في ألمانيا، أي خطأ في الأرقام الرسمية يكفي لإطلاق تحقيق برلماني وإجبار المسؤول على تقديم اعتذار رسمي، كما حدث في وزارة المالية عام 2018، حيث استقال أحد كبار المسؤولين بسبب خطأ في بيان الضرائب، وتم نشر الإجراءات التصحيحية بشكل علني أمام البرلمان والجمهور.
في بريطانيا، تسريب مستندات مالية سرية يُعامل كخرق للأمن الوطني، ويتم التحقيق فوراً ومحاسبة أي مسؤول تورط في تسريب المعلومات، كما حدث في 2020 حين عالجت الحكومة تسريب بيانات مالية حساسة من خلال مكتب التحقيقات الرسمي وبيان برلماني واضح.
في اليابان وكوريا الجنوبية، المسؤول الذي يخطئ في تقدير ميزانية بخطأ حسابي،يُجبر على تقديم اعتذار رسمي أمام البرلمان، وفي بعض الحالات يتقدم بالاستقالة، احتراماً لمبدأ أن الرقم الرسمي جزء من مصداقية الدولة، وأن الأخطاء المالية الكبرى لا تمر مرور الكرام.
السؤال الأخير: ماذا بعد؟
بعد أن اهتزت الوقائع العراقية…
وبعد أن تبرأت الرئاسة من قرار حكومي…
وبعد أن صارت الوثيقة السرية منشوراً عاماً…
وبعد أن أصبحت الأرقام لعبة لغوية…
ماذا تبقى من هيبة الدولة؟ إن المأساة ليست في الخطأ ذاته ،بل في أن البلد لم يعد يمتلك مؤسسات قادرة على تصحيح الخطأ أو محاسبة فاعله أو منع تكراره.
أي مرحلة نصل إليها بعد أن صار العبث قاعدة… والدقة استثناء… والقرار مزاجاً… والرقم لغزاً؟
ومتى ينتهي زمن المهزلة، ويبدأ زمن الدولة؟



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الشركات الفاشلة… ومشروع طريق التنمية
- نتائج التعداد السكاني في العراق 2025: قراءة تحليلية لمستقبل ...
- هل يعود العراق إلى “الورقة البيضاء”؟ ولماذا قد تكون الخيار ا ...
- النفوذ الأميركي الثلاثي في العراق: بين الحاجة والهيمنة
- انتخابات تخطف الأبصار لكنها لا تضيء الطريق
- لماذا لا نملك -لي كوان يو- عراقياً؟
- ليس في الجراب غير الطائفية
- حين يبكي العراق: أسطورة الأنهار والدموع
- اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية
- الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهر ...
- العراق في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي 2 ...
- فتاوى ضد التغيير: حين صار الوطن كافرا والفساد مؤمنا-
- العراق: دولة غنية بالفقر
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري


المزيد.....




- جامعة النجاح الأولى فلسطينياً وضمن النخبة الذهبية عالمياً في ...
- الخطوط القطرية تعيّن حمد علي الخاطر رئيسا تنفيذيا
- 10 حلول مالية تساعد رواد الأعمال على حماية شركاتهم
- الدولار يفقد أفضليته مع اتجاه متزايد للاقتراض باليورو
- أميركا تحقق مع سلسلة توريد الأغذية بشبهة الإضرار بالمنافسة
- ما دلالات إصدار روسيا أول سندات مقومة باليوان الصيني؟
- التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات ...
- -حماس- بين التمجيد والنقد والاتهام.. السابع من أكتوبر في مي ...
- ركود حاد وهلع في الأسواق الرقمية.. عام قاس يهز عرش العملات ا ...
- اليابان تواجه أزمة مالية متسارعة في ظل سياسات اقتصادية جديدة ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - ماذا بعد يا عراق… حين تصبح المهازل ميزان الدولة؟