أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سهام يوسف علي - لماذا لا نملك -لي كوان يو- عراقياً؟














المزيد.....

لماذا لا نملك -لي كوان يو- عراقياً؟


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 13:58
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


حين نقرأ سيرة لي كوان يو، لا نقرأ عن بطل أسطوري، بل عن قائد امتلك الإرادة والرؤية والانضباط في زمن كانت بلاده غارقة في الفقر. الرجل الذي عاش متقشفاً في بيت متواضع، قاد سنغافورة من مستعمرة فقيرة بلا موارد إلى واحدة من أكثر الدول انضباطاً وكفاءة في العالم.

اليوم، بعد أكثر من عقدين على النظام السياسي العراقي الجديد، يُطرح السؤال المؤلم: لماذا لم ننتج زعيماً واحداً يشبهه؟ الإجابة ليست لغزاً، بل مرآة لما أصبح عليه النظام السياسي والوعي العام في العراق.

سنغافورة وُلدت من فكرة الدولة الحديثة، بينما العراق بعد 2003 وُلد من رحم المحاصصة. لي كوان يو أسس مؤسسات تحاسب الجميع، أما في العراق فالمحاسبة تخضع للصفقات والتوازنات. في سنغافورة يُقال الوزير عند أول خطأ، وفي العراق يُعاد تعيينه مستشاراً بعد فشله. بهذه القواعد لا تُبنى دولة، بل تُدار غنيمة يتداولها المتنفذون.

كوان يو عاش حياة متواضعة، ولم يترك قصراً ولا نصباً لنفسه، وكان يقول: “ابحثوا عن نصبي في كل زاوية من سنغافورة.” أما في العراق، فالنائب يتقاضى نحو سبعمائة ألف دولار كمخصصات سكن وحماية خلال الدورة الواحدة، فيما يعيش ثلث الشعب تحت خط الفقر. حين تتحول الدولة إلى وسيلة للثراء، لا يمكن أن تنتج زعماء، بل منتفعين يحمون امتيازاتهم بكل وسيلة ممكنة.

في التجربة السنغافورية، المناصب تُمنح للأكفأ وتُدار الدولة كمنظومة أداء ونتائج. في العراق، المنصب مكافأة حزبية، توزع بحسب الولاء لا الكفاءة، فتتحول الوزارات إلى مكاتب حزبية، وتُختزل الدولة في نفوذ زعيم أو كتلة، وهكذا تموت الكفاءة، وتُستبدل لغة الإصلاح بعبارات المظلومية والمجاملات.

سنغافورة بلا نفط، لكنها بنت اقتصاداً صناعياً وخدمياً متطوراً. العراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، ومع ذلك يعيش أزمات مالية وخدمية متكررة. الفرق في القيادة لا في الثروة، فالمسؤول في العراق يتقن تبرير الفشل بالعبارات نفسها: “الظروف صعبة، الوضع الإقليمي، المؤامرة الخارجية”. لكن الأعذار لا تبني دولاً، ولا تحفظ كرامة شعبٍ أنهكته الوعود.

لي كوان يو لم يُفرض على شعبه، بل خرج من إرادة عامة أرادت الإصلاح والانضباط. أما في العراق، فالانتخابات تعيد إنتاج نفس الطبقة، لأن الناخب نفسه لم يتغيّر، يصوّت بدافع الولاء أو الخوف أو المال السياسي، ثم يلعن النتائج ذاتها. والانتخابات تقترب، والوجوه نفسها تعود بخطابات جديدة وشعارات قديمة.

ويبقى السؤال معلّقاً: لماذا لا نملك "لي كوان يو" عراقياً؟ الجواب المؤلم أن هذا الزعيم لن يظهر في بيئة تكافئ الفاسد وتقصي الكفء. لن يظهر “منقذ” في وطن يمنح صوته للفاشل ثم يندم بعد التصويت. سنغافورة رفعت دخل المواطن من خمسمائة دولار إلى ثلاثة عشر ألفاً خلال ربع قرن، أما العراق فرفع فقط دخل طبقته السياسية. وما لم يتغير وعي الناخب، فلن يتغير شكل الحكم، ولا مصير البلاد.


---



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس في الجراب غير الطائفية
- حين يبكي العراق: أسطورة الأنهار والدموع
- اقتصاد يئنّ... وساسة يتحدثون عن الرفاهية
- الرفاه الريعي في العراق: حين يجد العراقي الموز ولا يجد الكهر ...
- العراق في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي 2 ...
- فتاوى ضد التغيير: حين صار الوطن كافرا والفساد مؤمنا-
- العراق: دولة غنية بالفقر
- العراق... الكنز الذي سرق نفسه
- نقل المصانع الإيرانية إلى العراق بين فرص الاستثمار ومخاطر ال ...
- 2.1%؟!: العراق بين الأرقام المعلّبة وواقع البطالة الحقيقي
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- سندات الخزينة لدفع مستحقات المقاولين: قراءة في الدين الداخلي ...
- العراق بين تحولات الديموغرافيا وأزمات التنمية: قراءة في معضل ...
- عباءة الذهب… وجسد العراق العاري
- مليار دينار بلا عمل: البرلمان العراقي يبتلع المال ويعطل الاق ...
- ماوراء الاستيراد القياسي للذهب في العراق
- الاقتصاد العراقي يتجاوز طاقته الاستيعابية: مؤشرات النصف الأو ...
- حفلة التيوس
- الانتقائية في معيار -حسن السيرة والسلوك-: أزمة الديمقراطية ا ...
- حين يُصبح الانحياز صوتًا بلا عقل


المزيد.....




- رئيس الاستخبارات الفرنسية يكشف رغبة الجزائر في استئناف الحوا ...
- الكشف عن برامج بمليارات الدولارات.. قراصنة مرتبطون بإيران يز ...
- ستة قتلى في ضربات اميركية جديدة على قاربين مشتبهين بتهريب ال ...
- بين إسرائيل وحماس.. مأزق ترامب في إيجاد -شرطي- لحفظ السلام ف ...
- العراق .. صورته بدلا من صورة زوجته المرشحة للانتخابات!
- شهادات ميدانية عن محاولات المستوطنين قتل صحفيين بالضفة
- ضمن حملتها في السودان.. قطر الخيرية توفر حضّانات وأجهزة علاج ...
- الجيش الإسرائيلي يبدأ مناورات واسعة النطاق في الضفة الغربية ...
- بالأرقام.. ما خطة الاستجابة الإنسانية للسودان 2025؟
- ألمانيا تطلب من الجزائر -عفوا إنسانيا- عن الكاتب صنصال


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سهام يوسف علي - لماذا لا نملك -لي كوان يو- عراقياً؟