أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم محمد داود - رئيس وزراء العراق: بين -مطرقة- الولاء الداخلي و-سندان- الفيتو الخارجي














المزيد.....

رئيس وزراء العراق: بين -مطرقة- الولاء الداخلي و-سندان- الفيتو الخارجي


قاسم محمد داود
كاتب

(Qasim Mohamed Dawod)


الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما إن تُغلق صناديق الاقتراع في العراق، ويبدأ غبار الانتخابات بالانقشاع، حتى تنغمس الأوساط السياسية في السجال الأزلي: مَن سيكون رئيس الوزراء القادم؟ في العراق، لا يُقاس النجاح في نيل هذا المنصب بالبرامج الانتخابية الواعدة، ولا بالخبرات الاقتصادية الفذة، بل بميزان دقيق من التوازنات يجعله منصباً "لا يناله إلا ذو حظ عظيم"، ولكن وفق معايير بعيدة كل البعد عن مفهوم الكفاءة وبناء الدولة.
معضلة "الولاء": رئيسٌ مكبّل في حكومة المحاصصة
يتمثل الشرط الأول لدخول المنطقة الخضراء كـ "رئيس للوزراء" في نيل القبول بين الفرقاء السياسيين. لكن هذا القبول ليس نتاج كاريزما قيادية أو رؤية سياسية ثاقبة، بل هو معيار محدد بدقة عنوانه: "السمع والطاعة".
ويترتب على هذا النمط من القبول السياسي أن تتحول رئاسة الوزراء من موقع لإدارة الدولة إلى وظيفة لتدوير التوازنات الهشة بين القوى المتنفذة، فتغيب الإرادة التنفيذية المستقلة، وتُشلّ القدرة على اتخاذ قرارات سيادية حاسمة. وفي بلد مركّب مثل العراق، يعني ذلك إدارة الأزمات بدل حلّها، وترحيل المشكلات بدل مواجهتها، واستدامة الفشل بوصفه ثمناً مقبولاً لـ«الاستقرار الشكلي» الذي تريده القوى المتحكمة بالمشهد.
إن زعماء الطبقة السياسية في العراق لا يبحثون عن "قائد" يمتلك زمام المبادرة، بل عن "منسق مصالح" يضمن استمرار تدفق الامتيازات. ويترتب على هذا "الولاء المسبق" حزمة من السلبيات الكارثية التي تشل مفاصل الدولة، أهمها:
تفتيت القرار السيادي: يجد رئيس الوزراء نفسه عاجزاً عن اتخاذ قرارات مصيرية دون العودة إلى "رؤساء الكتل" الذين منحوه المنصب، فيتحول القرار الوطني إلى نتاج مفاوضات غرف مغلقة لا تخضع للدستور ولا للمصلحة العامة، وتُدار بمنطق حق النقض السياسي لا بمنطق مسؤولية الدولة.
شلل المحاسبة والرقابة: العجز عن محاسبة الوزير "المدعوم" حزبياً يكرس سياسة الإفلات من العقاب، ويحوّل الفساد من انحراف فردي إلى منظومة محمية، تُشلّ فيها أدوات الرقابة، ويُفرغ القانون من محتواه الردعي لصالح توازنات النفوذ.
تغليب الفئوية على الوطنية: تحول رئاسة الوزراء إلى رهينة لطلبات الكتل في تقاسم الموازنة والتعيينات والدرجات الخاصة، ما يجعل الدولة ساحة لتوزيع المكاسب لا إطاراً لتحقيق العدالة، وتُختزل الوطنية في حسابات الحصص، بينما يُهمّش مفهوم المواطنة بوصفه عبئاً غير مرغوب فيه.
"الفيتو" العابر للحدود
أما العامل الثاني، فهو الأكثر تعقيداً؛ إذ لا يكفي أن يرضى "شركاء الوطن" عن المرشح، بل يجب ألا يعترض عليه "أصحاب النفوذ الخارجي". في الجغرافيا السياسية العراقية، يتحول اختيار رئيس الحكومة إلى عملية "هندسة إقليمية ودولية" بامتياز، مما يجعل القرار الوطني رهينة لتوازنات القوى العظمى ودول الجوار. وتتمثل خطورة هذا العامل في أنه لا ينتج حكومة ضعيفة القرار فحسب، بل يؤسس لمسار طويل الأمد من تآكل السيادة، حيث يصبح الاستقلال السياسي حالة مؤجلة لا أفق زمنياً لاستعادتها. فحين يُصاغ منصب رئيس الوزراء وفق مقاسات الرضا الخارجي، تُدار الدولة بمنطق تفادي الإحراج الدولي لا بمنطق المصلحة الوطنية، وتُربط القرارات المصيرية بإيقاع الخارج، ما يجعل الضرر عميقاً وبنيوياً، يتجاوز دورة حكومية واحدة ليطال مفهوم الدولة ذاته، وحدود إرادتها، وقدرتها على تقرير مصيرها بنفسها.
كلفة "الحظ" على الدولة: ثروات هائلة وواقع بائس
إن تغييب معايير الكفاءة لصالح "الولاء والقبول" دفع بالعراق نحو حلقة مفرغة من الفشل التنموي. فمنذ عام 2003 وحتى اليوم، تعاقبت المكونات والكتل على إدارة السلطة دون أن تنجح في تحويل مئات المليارات من الدولارات إلى واقع ملموس. والنتيجة أن الفشل لم يعد استثناءً أو سوء تقدير عابر، بل تحول إلى نمط حكم مستقر تُعاد إنتاجه بوعي كامل. فحين تُدار الدولة بمنطق تقاسم الغنائم لا بمنطق بناء المؤسسات، تصبح الموازنات أرقاماً بلا أثر، والمشاريع عناوين بلا إنجاز، ويُستبدل السؤال عن كيف ننهض؟ بسؤال أكثر فجاجة: من يضمن البقاء في السلطة؟ عند هذه النقطة، لقد صار واضحاً أن الأزمة في العراق ليست أزمة موارد أو فرص، بل أزمة سياسة اختارت الولاء بديلاً عن الكفاءة، والاستمرار في الفشل بديلاً عن المخاطرة بالتغيير.
وعلى الرغم من امتلاك العراق لثروات نفطية هائلة وميزانيات انفجارية، إلا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في بناء اقتصاد قوي أو توفير خدمات تليق بكرامة المواطن. وإذا ما قارنا حال العراق بجيرانه من دول المنطقة التي لا تمتلك نصف إمكاناته، نجد فوارق شاسعة في البنى التحتية، الرعاية الصحية، والتعليم. هذا التراجع ليس نقصاً في المال، بل هو نتيجة طبيعية لإدارة سياسية ترى في الدولة "غنيمة" وفي رئيس الوزراء "حارساً" لمصالحها، بدلاً من أن يكون مهندساً لنهضتها.
وفي الختام: إن الخروج من نفق "المحاصصة والتبعية" يتطلب ثورة في المفاهيم، تبدأ من جعل "البرنامج الحكومي" والكفاءة المهنية هما أساس التكليف. وبدون ذلك، سيبقى منصب رئيس الوزراء في العراق مجرد "جائزة ترضية" للكتل، وسيبقى "الحظ العظيم" الذي يناله شاغل المنصب هو النقمة العظمى على مستقبل بلادٍ تستحق أفضل بكثير مما قُدّم لها. فالقضية لم تعد خلافاً على الأسماء ولا صراعاً على الصلاحيات، بل اختباراً أخلاقياً لمعنى الدولة ذاته: هل نريد دولة تُدار بعقل المؤسسة أم بسقف الصفقات؟ إن استمرار إنتاج السلطة وفق معادلات المحاصصة والتبعية لا يؤجل الخلاص فحسب، بل يراكم كلفة الانهيار جيلاً بعد جيل. وعند هذه اللحظة، لا يعود الفشل قدراً مفروضاً، بل خياراً سياسياً تتحمل تبعاته قوى بعينها، وسيحاسَب عليه الجميع حين يكتشف العراقيون أن الوقت الذي أُهدر باسم “التوافق” كان في الحقيقة اقتطاعاً مباشراً من مستقبلهم.



#قاسم_محمد_داود (هاشتاغ)       Qasim_Mohamed_Dawod#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل المأسور: كيف تحوّل المقدّس إلى أداة للسلطة؟
- هل الدين ضد التقدم؟ أم نحن ضد السؤال؟
- العزوف الانتخابي في العراق: الأسباب العميقة ل -مقاطعة الإحبا ...
- الولاءات المتعددة... دولة ممزقة بين الهويات
- بعد حرب غزة: من يرسم خريطة الشرق الأوسط… ونهاية الوهم وبداية ...
- الانتداب الناعم على غزة كيف تعيد خطة ترامب إنتاج الوصاية الد ...
- العراقي وصور المرشحين: قراءة اجتماعية–سياسية في مواسم الدعاي ...
- قمة قطر الطارئة: محاولة للتضامن العربي والإسلامي في مواجهة ا ...
- من يملك حق الخوف في الشرق الأوسط؟
- العشيرة والمال السياسي… حين تُختطف الديمقراطية في العراق كيف ...
- فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2003: تحليل العوامل ال ...
- -اتفاقيات أبراهيم- مع إسرائيل: تطبيع بلا مقابل
- هل يتكرر مصير مملكة القدس في دولة إسرائيل؟
- مشروعان متصادمان على حساب العرب: إيران وإسرائيل وصراع الهيمن ...
- لا منتصر ولا مهزوم: كيف تدير واشنطن الصراع بين إيران وإسرائي ...
- ازدواجية المعايير في النظر إلى البرامج النووية: إيران تُدان ...
- البرلمان العراقي ومصلحة المواطن: تشريعات غائبة وتغيير مؤجل
- انتخابات بلا ناخبين: أزمة ثقة في الديمقراطية العراقية
- نحو مشروع عربي تكاملي لمواجهة الأطماع الصهيونية والرأسمالية ...
- الأسس التوراتية لجرائم الصهيونية في غزة والضفة الغربية


المزيد.....




- مصر: خطة حكومية لمعالجة ظاهرة -الكلاب الضالة- التي يُقدر عدد ...
- آلاف المحتجّين في ليتوانيا يرفضون تعديلات قانون هيئة الإذاعة ...
- -لمواجهة التهديدات-.. ألمانيا تقرّ حزمة تسليح قياسية بقيمة 5 ...
- غوتيريش يحذر من تعميق الانقسامات باليمن بعد تحرك الانتقالي ا ...
- آسفي: طوفان نوليبرالي
- أوكرانيا : كيف تستخدم الأصول الروسية ؟
- الربيع العربي : ما هي حصيلتته ؟
- هل تملك أوروبا القدرة على ردع روسيا؟
- هل يهدف التصعيد الأميركي لضرب فنزويلا أم للتفاوض معها؟
- -ما وراء الخبر- يناقش أهداف وتداعيات التصعيد الأميركي تجاه ف ...


المزيد.....

- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم محمد داود - رئيس وزراء العراق: بين -مطرقة- الولاء الداخلي و-سندان- الفيتو الخارجي