أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم محمد داود - الانتداب الناعم على غزة كيف تعيد خطة ترامب إنتاج الوصاية الدولية بوجهٍ حديث














المزيد.....

الانتداب الناعم على غزة كيف تعيد خطة ترامب إنتاج الوصاية الدولية بوجهٍ حديث


قاسم محمد داود
كاتب

(Qasim Mohamed Dawod)


الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مطلع القرن العشرين، أبدعت القوى الاستعمارية مصطلحًا يُخفي أكثر مما يُفصح: الانتداب الدولي. كان الاسم لطيفًا، لكن المضمون فجًّا — سلطة أجنبية تدير أرضًا ليست لها، بحجة “تهيئة أهلها للحكم الذاتي”. وهكذا وُضِعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، فبدأت مرحلةٌ طويلة من الوصاية التي منحت بريطانيا حق إدارة البلاد، وسنّ القوانين، وتحديد مصير الأرض والسكان. كانت النتيجة أن أُعدّ المسرح لقيام إسرائيل، وتحوّل “الانتداب” إلى أداةٍ لإعادة تشكيل الجغرافيا والسيادة معًا، تمهيداً لقيام دولة إسرائيل تحت إشراف سلطة الانتداب البريطاني، التي لم تكتف بدورها الإداري المؤقت، بل تحوّل إلى أداة استغلالية لإعادة تشكيل الجغرافيا والسيادة. سياساتها لم تراعِ حقوق الفلسطينيين، بل سهّلت هجرة الصهاينة، وأنشأت مستوطنات على حساب القرى العربية، وغيّرت معالم الأرض لصالح مشروع استيطاني يضعف المكوّن العربي ويقيّد قدرة الفلسطينيين على تقرير مصيرهم. كان الانتداب، بذلك، ليس مجرد إدارة مؤقتة، بل عاملًا مركزيًا في تقويض الحقوق الوطنية وتحويل فلسطين إلى ساحة لتحقيق أهداف استعمارية وسياسية أجنبية."
اليوم، بعد أكثر من قرن، يعود المفهوم ذاته بثوبٍ جديد، تحت لافتة “خطة السلام” أو “الإدارة الانتقالية”. فحين تتحدث خطة ترامب المعدّلة عن تسليم إدارة غزة إلى حكومة فلسطينية تكنوقراطية تحت إشراف دولي، وبقيادة “مجلس سلام” برئاسة ترامب نفسه، فإننا عمليًا أمام نسخة محدثة من الانتداب القديم — ولكن بلغة أكثر دبلوماسية، وأدوات أكثر نعومة. فالخطة، في جوهرها، تنزع السيادة من الفلسطينيين بحجة “الاستقرار” وتسلّم مفاتيح الإدارة والقرار إلى جهات خارجية تتحكم في المعابر والمساعدات والإعمار، وتراقب الأمن، وتقرر ما يجوز وما لا يجوز.
إنها وصاية سياسية واقتصادية مقنّعة، تضع غزة بين أيدي الوسطاء الدوليين لتُدار كما تُدار الأقاليم الخاضعة للرقابة الدولية، لا كأرضٍ لشعبٍ حرّ يسعى إلى تقرير مصيره. بهذا المعنى، نحن أمام انتقال من الاحتلال إلى الانتداب، لا إلى الاستقلال. تتبدل الأسماء من “قوات” إلى “مجالس”، ومن “قواعد” إلى “هيئات”، لكن النتيجة واحدة: القرار الفلسطيني يُعلّق مؤقتًا باسم السلام، فيتحول “الانتداب” من جندي يحمل بندقية إلى موظف يحمل تفويضًا دوليًا. وغزة — في هذه الصيغة — تُختزل من وطنٍ محاصر إلى ملفٍ إداريٍّ متنازع عليه، يُدار بأيدي الخارج تحت ذريعة إعادة الإعمار وضبط الأمن. ذلك هو جوهر “الانتداب الناعم”: أن تُدار أرضك بقرارات الآخرين، دون أن يطلق أحدٌ رصاصة.
قد يحقق المشروع أو "خطة السلام" وقفًا طويلًا لإطلاق النار، ويمنح سكان غزة فترة هدنة تعيد شيئًا من الحياة المدنية. يفتح الباب أمام إعادة الإعمار وتدفق المساعدات بإشراف منظم، بعيدًا عن الحصار والانقسام. يمكن أن يُخفّف من وطأة الأزمة الإنسانية، ويمهّد لبيئة سياسية أكثر استقرارًا — إن حَسُنت النوايا وتوفّرت الرقابة الدولية النزيهة.
لكنه في المقابل ينزع جوهر السيادة الفلسطينية، ويحوّل القرار الوطني إلى مسألة إدارية بيد الخارج. يُفرّغ القضية من مضمونها التحرّري، ويُعيد إنتاج التبعية الاقتصادية والسياسية بشكلٍ جديد. يخلق واقعًا رماديًا قد يدوم لسنوات، يُجمّد الصراع بدل أن يحلّه، ويُعيد تعريف "السلام" كنوعٍ من "الإدارة المحكومة" لا العدالة. كما استخدم الانتداب البريطاني فلسطين ساحةً لإعادة تشكيل الجغرافيا والسيادة على حساب أهلها، تأتي خطة ترامب اليوم كنسخة حديثة من هذا الانتداب، ترسم واقعًا رماديًا قد يستمر لسنوات، يجمّد الصراع بدل أن يحلّه، ويحوّل السلام إلى مجرد إدارة محكومة تتحكم بمصير الفلسطينيين، بعيدًا عن العدالة الحقيقية، وكأن حقوقهم وتاريخهم أصبحا مادة قابلة للتقسيم والجدولة وفق إرادات خارجية.
قد يمنح “الانتداب الناعم” غزة فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنه لا يمنحها حرية القرار. إنه استراحةٌ تُدار من الخارج، وليست ولادةً لسلامٍ من الداخل. وإذا لم يُدرك الفلسطينيون والعرب أن السيادة لا تُستعار — بل تُنتزع — فسنجد أنفسنا نحتفل بالهدوء، بينما تُدار أوطاننا من غرفٍ مغلقة وراء البحار.



#قاسم_محمد_داود (هاشتاغ)       Qasim_Mohamed_Dawod#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراقي وصور المرشحين: قراءة اجتماعية–سياسية في مواسم الدعاي ...
- قمة قطر الطارئة: محاولة للتضامن العربي والإسلامي في مواجهة ا ...
- من يملك حق الخوف في الشرق الأوسط؟
- العشيرة والمال السياسي… حين تُختطف الديمقراطية في العراق كيف ...
- فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2003: تحليل العوامل ال ...
- -اتفاقيات أبراهيم- مع إسرائيل: تطبيع بلا مقابل
- هل يتكرر مصير مملكة القدس في دولة إسرائيل؟
- مشروعان متصادمان على حساب العرب: إيران وإسرائيل وصراع الهيمن ...
- لا منتصر ولا مهزوم: كيف تدير واشنطن الصراع بين إيران وإسرائي ...
- ازدواجية المعايير في النظر إلى البرامج النووية: إيران تُدان ...
- البرلمان العراقي ومصلحة المواطن: تشريعات غائبة وتغيير مؤجل
- انتخابات بلا ناخبين: أزمة ثقة في الديمقراطية العراقية
- نحو مشروع عربي تكاملي لمواجهة الأطماع الصهيونية والرأسمالية ...
- الأسس التوراتية لجرائم الصهيونية في غزة والضفة الغربية
- حقائق عن الصراع العربي الإسرائيلي
- العراق: التناقض الصارخ بين الثروة الوطنية والواقع المعيشي لل ...
- ترحيل الغزيين ابتزاز سياسي يتماشى مع مخطط إسرائيلي
- مشروع إيران.. الطموحات والعوائق
- أزمة قوى اليسار العراقي
- الحرب في سوريا جرح في الشرق الأوسط


المزيد.....




- ماذا قال رئيس إثيوبيا عن العلاقات مع مصر خلال تسلم أوراق اعت ...
- اشتباكات -عنيفة- بين-حماس- ومنافسيها.. والسلطة الفلسطينية وإ ...
- دور ترامب في اتّفاق وقف إطلاق النار كان حاسماً، لكنّه لا يشك ...
- نتنياهو يتحدث عن الخطوات المقبلة بغزة ورأي ترامب بسلوكه
- إسرائيل تتسلم رفات 4 رهائن عبر الصليب الأحمر وتعلن تقليص دخو ...
- ستارمر يطرح نموذجا لنزع السلاح من غزة
- 3 جرحى بقصف إسرائيلي على جنوب لبنان
- الهند.. مصرع 20 شخصا بعد اندلاع حريق في حافلة
- واشنطن.. إجراءات ضد أجانب احتفلوا باغتيال تشارلي كيرك
- تونس: ارتفاع عدد حالات الاختناق قرب مجمع كيميائي في قابس جنو ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم محمد داود - الانتداب الناعم على غزة كيف تعيد خطة ترامب إنتاج الوصاية الدولية بوجهٍ حديث