أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المنعم عجب الفَيا - الطيب صالح يحكي عن اللهجة السودانية















المزيد.....

الطيب صالح يحكي عن اللهجة السودانية


عبد المنعم عجب الفَيا

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 14:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كتب الطيب صالح*:

"يظن أهل السودان أن عربيتهم الدارجة هي من أفصح اللهجات العربية. ويمضي أبعد من ذلك العالم الحجة الدكتور عبد الله الطيب صاحب كتاب “المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها”، فيقول إن العربية الدارجة في السودان هي أفصح اللهجات العربية إطلاقا. الله أعلم.
والحق أن من قلة بخت عرب السودان أولا اسم دولتهم، وثانيا أن عروبتهم كما تجرى على ألسنتهم، أفصح أحيانا مما ينبئ به سمتهم وسحنتهم.
وقد وجدت في الشعر الجاهلي ثم في عامة الشعر العربي، خاصة عند المتنبي وأبي العلا، كلمات كثيرة تستعمل في لغتنا الدارجة، وبعضها لا يوجد إلا في السودان، وكنت أظنها محرفة أو دخيلة على اللغة العربية، فإذا بها كلمات فصيحة.
المتنبي مثلا يستعمل كلمة (غلت) بمعنى (غلط) وأكثر أهل السودان يقولون (غلت) بالتاء، وفي لسان العرب أن (غلت) و (غلط) بمعنى واحد.
ويستعمل المتنبي (توراب)، وأهل السودان يقولون (تيراب) للبذور التي تدفن في الأرض كالقمح والذرة وغيرها. وفي المعجم (توراب) أو (تيراب) هي الأرض أو ما يدفن فيها.
هذا، وقد ذكر الدكتور احسان عباس في كتابه “تاريخ النقد الأدبي عند العرب” في الفصل عن أراء النقاد القدماء في شعر المتنبي، وهو كتاب جم الفائدة، أن الصاحب بن عباد عاب على المتنبي استخدامه الكلمات الحوشية الغريبة مثل (توراب).
غفر الله له، أنه لم يزل يتتبع المأخذ على المتنبي، ولو أنه عاش في السودان، لوجد أن الكلمة شائعة تجرى على ألسنة عامة الناس.
كذلك عاب عليه استعمال (جبرين) بالنون بدل (جبريل) باللام، وقال : وقلب هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون. وعامة أهل السودان، يقولون (جبرين) و (اسماعين) .
ذاك ، وقد قال المتنبي يصف الخيل:
العارفين بها كما عرفتهم
والراكبين جدودهم أماتها
ونحن نقول (أمات) ولا نقول (أمهات). وقد قال الشاعر السوداني:
يا طير إن مشيت سلم على الأمات
وقول ليهن وليدكن في الحياة ما مات
حتى التصغير الذي كان المتنبي مولعا به، وعابوه عليه، مأثور عندنا ، نقول (وليد) و (زويل) و (بنيه) و  (مريه). ولقد كاد ابن القارح يصيبه الخبل من قول المتنبي:
أذم إلى هذا الزمان أهيله.
حتى صب أبو العلا ، رحمه الله ، الماء على نيران غضبه، فقال له :
” كان الرجل مولعا بالتصغير لا يقنع من ذلك بخلسة المغير ، ولا ملامة عليه، إنما هي عادة صارت كالطبع ، فما حسن بها، مألوف الربع .. “.
وعندنا ” الزول ” بمثابة ” الزلمه ” عند أهل الشام ، و” الريال ” عند أهل جزيرة العرب ، يجعلون الجيم ياء ، وهو فصيح، ونحن جيمنا قريبة من ذلك. وكلمة ”زول ” في المعجم ، من معانيها الشخص اللطيف المهذب. وقد وجدتها بهذا المعنى عند أبى العلا .
وذكر لي الدكتور عبد الله عبد الدايم ، وهو عالم ثبت، أن ”زول” هي أحسن مرادف للكلمة الإنجليزية Gentleman فهل كل أهل السودان ” أزوال”؟
قال شاعر السودان الفحل، محمد أحمد عوض الكريم أبو سن الملقب بالحردلو ( 1830 – 1916) :
الزول السمح فات الكبار والقدرو
كان شافوه ناس عبد الله كانوا يعذرو
السبب الحماني العيد هناك ما أحضرو
درديق الشبيكة البنوتوه فوق صدرو
و ” الشبيكة ” حلى متشابكة تعلق على صدر الفتاة، وقد وجدتها بصفتها وباسمها هذا في متحف قطر الوطني الذي يديره العالم الشاعر الدكتور درويش الفأر في الدوحة الميمونة الطالع.
و “حمى” بمعنى “منع” أكثر جريا على الألسنة عندنا من “منع” ، وقد قال أبو العلا :
ترى العود منها باكيا فكأنه * فصيل حماه الشرب رب عيال
هذا في وصف مبلغ حنين الإبل إلى أوطانها.
ويا سبحان الله، كيف أن أشقاءنا المصريين ، وهم منا على بعد ما تطير اليمامة، لا يصفون الفتاة بأنها “سمحة ” كما نفعل، بل يقولون ” جميلة ” كان الله قسم لهم الجمال وقسم لنا السماحة..
وفي ديار غرب السودان، يقولون (ينطي) بمعنى (يعطي) وهي كذلك في المعجم، ولم أجدها عند غيرهم. وقد قال أبو العلا رحمه الله:
لمن جيرة سيموا النوال فلم ينطوا
يظللهم ما ظل ينبته الخط
رجوت لهم أن يقربوا فتباعدوا
وألا يشطوا بالمزار فقد شطوا
أي والله، لقد شطوا يا أم عمرو، وهل بعدهم يطيب العيش". انتهى.

المصدر:
* من كتاب (مع المتنبي ورفاقه) كتاب رقم ٥ بسلسلة مختارات الطيب صالح، وهذه المختارات تجميع للمقالات التي كان ينشرها بمجلة المجلة اللندنية وغيرها، في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بما في ذلك ما ظل ينشره اسبوعيا تحت عنوان (نحو أفق بعيد) بالصفحة الأخيرة من المجلة المذكورة.
هوامش:
* توراب وتنطق تيراب في السودان وهي البذور التي تزرع في التراب وعملية البذار نفسها، وتسمى تقاوى في مصر وزريعة في بلدان المغرب العربي.
* قولهم جبرين واسماعين من باب ابدال اللام عينا وهو من خواص العربية. يقول ابن السيد البطليوسي في شرح أدب الكاتب: "يقال علوان الكتاب وعنوانه.. كما قالوا جبريل وجبرين". ويقول الفراء في معاني القرآن: "في بني أسد يقولون: هذا اسماعين قد جاء، بالنون، وسائر العرب باللام".
* في معني زول ورد بلسان العرب: شخص الإنسان من الزوال والجمع ازوال. الإنسان الظريف الخفيف. الانسان الشجاع الذي يتزايل الناس عن شجاعته. الإنسان الجواد. والأنثى زولة وهي البرزة والفطنة والداهية والظريفة. وفي حديث النساء : بِزَوْلةٍ وجَلْسٍ ، اي ظريفة. ومن معاني زول في اللهجة السودانية المحبوب والشخص اللطيف، ويكثر ورودها في شعر الغزل وهي كذلك في لهجة نجد والحجاز وشعرها المعاصر، وكذلك في اللهجة الليبية وشعرها. ومما ورد في الشعر العربي القديم واثبته لسان العرب قول الشاعر
ومهمة شديدة الاهوال * قطعتها بفتية ازوال
ازوال جمع زول بمعنى شجعان وظرفاء واجواد. وهي تقابل هنا كلمة جدعان في اللهجة المصرية. وأَنشد ابن السكيت في الزَّوْل لكثير بن مُزَرِّد :
لَقَدْ أَرُوحُ بالكِرامِ الأزْوال * مُعَدِّياً لذات لَوْثٍ شِمْلال
كذلك أورد لسان العرب في مادة لحن قول الطرماح:
وأَدَّتْ إِليَّ القوْلِ عنهُنَّ زَوْلةٌ * تُلاحِنُ أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ.
* سمح بمعنى جميل وحسن وردت في المعاجم ولكنها ليست من المشهور والمتواتر في اللغة. يقول لسان العرب: "وعود سمح بين السماحة: لا عقدة فيه.. وتسميح الرمح: تثقيفه وقوس سمحة ضد كزة.. ورمح مسمح: ثُقف حتى لان".  إذن التسميح هو التجميل والتحسين. وتشبيه الجسم بالعود للنضارة والإستقامة معروف في اللغة. نقول في اللهجة السودانية: امرأة سمحة وسيارة سمحة وبيت سمح وأكل سمح أي طيب المذاق. كما تستعمل سمح في الرد على الطلب أو الأمر: فلان تعال أو فلان جيب موية، فيرد: سمح أي حسنا.
* يقال في اللهجة السودانية، في جمع الأم :أمات وأمهات أيضا، والأخيرة تغلب عند أهل غرب السودان. كما هو الحال في ابوات وابهات في جمع الاب.
* كلمة انطى بمعنى أعطى، عند غير السودانيين، نجدها شائعة في اللهجة العراقية خاصة. وعند أهل اللغة ظاهرة يسمونها الانطاء وهي ابدال العين همزة. والانطاء مشتق من اللفظ انطي بمعنى أعطى. ويقولون ان اصل هذه الظاهرة اللغوية يماني.
١٥ ديسمبر ٢٠٢٥



#عبد_المنعم_عجب_الفَيا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيب صالح : كنت هناك حينما ضرب خروتشوف المنضدة بحذائه
- الطيب صالح وقصة ذاك الصومالي
- الطيب صالح وجواز السفر السوداني
- الطيب صالح و-الخوف- من امريكا
- دارفور في نصوص أحمد الطيب زين العابدين الإبداعية
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (١٠)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٩)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٨)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٧)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٦)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (5)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٤)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٣)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٢)
- مراجعات في قاموس العامية السودانية
- أمبرتو ايكو: التمييز بين التأويل واستعمال النص
- أمبرتو إيكو : آليات القراءة وحدود التاويل
- نظريات القراءه وجماليات التلقي
- معاداة السامية : تعني معاداة العرب وكل شعوب الشرق الأوسط!
- مكانة افلاطون وارسطو في تاريخ الفلسفة


المزيد.....




- مفاوضات السلام في أوكرانيا.. إليكم ما تم الاتفاق عليه والنقا ...
- روما تفتتح 2 محطة جديدة على خط مترو سي وتعرض آثار قديمة قرب ...
- بسبب -حق النقض- الإسرائيلي.. تركيا مستبعدة من مؤتمر قوة الاس ...
- خطأ إدراج حزب الله و-الحوثيين- على قوائم الإرهاب يطيح بمسؤول ...
- عاجل | البنتاغون: وزارة الخارجية وافقت على مبيعات عسكرية محت ...
- صحف عالمية: نتنياهو يشكل لجنة -للتستر- على تحقيقات 7 أكتوبر ...
- دول الجناح الشرقي لأوروبا تعتبر روسيا التهديد المباشر للأمن ...
- 337 أسرة سودانية وصلت كوستي بعد سيطرة الدعم السريع على هجليج ...
- أردوغان: غزة دُمّرت بقنابل تفوق هيروشيما 14 ضعفا
- -ما وراء الخبر- يسلط الضوء على تردي الأوضاع الإنسانية في قطا ...


المزيد.....

- معجم الأحاديث والآثار في الكتب والنقدية – ثلاثة أجزاء - .( د ... / صباح علي السليمان
- ترجمة كتاب Interpretation and social criticism/ Michael W ... / صباح علي السليمان
- السياق الافرادي في القران الكريم ( دار نور للنشر 2020) / صباح علي السليمان
- أريج القداح من أدب أبي وضاح ،تقديم وتنقيح ديوان أبي وضاح / ... / صباح علي السليمان
- الادباء واللغويون النقاد ( مطبوع في دار النور للنشر 2017) / صباح علي السليمان
- الإعراب التفصيلي في سورتي الإسراء والكهف (مطبوع في دار الغ ... / صباح علي السليمان
- جهود الامام ابن رجب الحنبلي اللغوية في شرح صحيح البخاري ( مط ... / صباح علي السليمان
- اللهجات العربية في كتب غريب الحديث حتى نهاية القرن الرابع ال ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في علم الصرف ( كتاب مخطوط ) . رقم التصنيف 485/252 ف ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في منهجية البحث والمكتبة وتحقيق المخطوطات ( كتاب مخط ... / صباح علي السليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المنعم عجب الفَيا - الطيب صالح يحكي عن اللهجة السودانية