أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المنعم عجب الفَيا - الطيب صالح وجواز السفر السوداني














المزيد.....

الطيب صالح وجواز السفر السوداني


عبد المنعم عجب الفَيا

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


كتب الطيب صالح*:
"دخول الولايات المتحدة الأمريكية لحامل جواز سفر سوداني، أصعب من دخول الجمل في سم الخياط. لا عجب، فهي في نظرهم فردوس أرضى لا يسمحون بدخوله لكل من هب ودب. ونحن السودانيين في عهدنا السعيد هذا نثير الرعب. كأنهم يحسبونني من رسل ( التوجه الحضاري)، جئتهم غازيا في عقر دارهم، لأنسف المباني، على زعمهم، وازرع المتفجرات في المترو. انا السوداني المسالم؟ بعد هذه السن؟ بعد كل تلك الأعوام من تحكيم العقل والدفع بالحسنى؟!
كانت سفارتهم في لندن قد اعطتني (الفيزا)  دون صعوبة. وجدوا اسمي عندهم في الكمبيوتر، كانوا قد اعطوني فيزا لسنة كاملة. كنت يومئذ مدعوا من جامعة (بوسطن) التي استغلت نفوذها لتسهيل أمر دخولي. وجدوا كل ذلك مسجلا عندهم، فناولتني الفتاة جوازي، وابتسمت في وجهي ابتسامة لا تصنع فيها، على طريقة الأمريكان، وقالت لي بصوت قدرت انه من الجنوب:
"اتمنى لك إقامة طيبة في الولايات المتحدة"..
في مطار دالس مشيت سادرا، أحمل جوازي الأخضر، جواز ثورة الإنقاذ، فإذا قبالتي يافطة تقول "مواطنوا الاقطار التالية يذهبون الي..". وكان بينها من الدول العربية : ليبيا وسورية والعراق ولبنان.. والسودان.
وانا اتجه إلى حيث أمرت إذا برجل غريب الوجه واليد واللسان، يخرج من عندهم غاضبا مكفهرا، علمت فيما بعد أنه أخ عراقي مدعو للمؤتمر نفسه الذي انا مدعو إليه، وأنهم صنعوا معه ما سوف يحدث لي وشيكا. وفي السودانيين شىء من طبع أهل العراق. من ذلك لأنهم إذا لطفوا كأنهم صبا نجد كما وصفه الشعراء، وإذا هاجوا.. العياذ بالله. وقد خبر ذلك منا الاتراك والانجليز والحكومات الوطنية منذ عبود والنميري. وقد يهتاجون بعد!
استقبلني موظف شاب وساقني الي طاولة وامسك بيدي كليهما، يريد أن يغمسهما في حبر أمامه.
قلت له: ماذا تريد أن تفعل؟
قال بلطف وهو يبتسم: نأخذ بصماتك.
"أوامر من مصادر عليا. نفعل ذلك مع مواطني دول معينة. وأنا بصراحة لا أعرف الغرض".
" لكنني العام الماضي في بوسطن لم يطلب مني ذلك.. ثم..".
"عجيب".
"ثم إن سفارتكم في لندن لم تنذرني بأنني سوف اتعرض لهذه المهانة وإلا لما جئت أصلا".
كان الموظف اسود، أو افرو أمريكان، كما أخذوا ينادونهم، ولعله تخطى حدود الوقار الذي تفرضه عليه وظيفته، فقال لي بلطف عظيم:
" يا اخي. هذه مجرد إجراءات لا تعني شيئا. لا تزعج نفسك".
إنما نفسي كانت قد انزعجت بالفعل، حل الغضب محل الدهشة، وسمعت صوتا فيه أصداء من رعونة السودانيين الذين احرقوا جيش اسماعيل باشا في (شندي) وابادوا جيش الإنجليز في (شيكان) يؤزني ازا:
"يا زول!... أمريكا وابو امريكا".
بلى سوف أخذ أول طائرة إلى لندن. وايش لهم عندي؟ لا أطلب منهم عملا ولا إقامة. وكونهم (سوبر باور) أو (مقا باور).. في ستين داهية".
بدأت انكص على عقبي. ثم فجأة توقفت. استعذت بالله من الشيطان الرجيم. وقلت أحكم العقل واقبل بالأمر الواقع. هذه بلادهم وهذه قوانينهم. وأيضا تذكرت الناس الذين ينتظروني. تلك السيدة الفاضلة نادية حجاب التي كتبت لي من نيويورك وكلمتني مرات بالتلفون تلح علي. وقد جعلوني متحدثا (رئيسيا) في حفل العشاء الذي يختمون به مؤتمر هم، يجب ألا اخيب ظنهم.
أيضا فكرت في مدينة بوسطن الجميلة والمسرح والمكتبات، والامريكان الطيبين وراء الأسوار ، وهم كبقية الشعوب أكرم من سلطات جوازاتهم.
قلت فليكن. وما هي إلا ذلة لحظات ثم تنقضي، بعدها انخرط في مباهج عاصمة الدنيا الجديدة والنظام العالمي الجديد".


هوامش:
* مقال من كتاب (للمدن تفرد وحديث: الغرب) كتاب رقم ٤ بسلسلة مختارات الطيب صالح، وهذه المختارات تجميع للمقالات التي كان ينشرها بمجلة المجلة اللندنية في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بما في ذلك ما ظل ينشره اسبوعيا تحت عنوان (نحو أفق بعيد) بالصفحة الأخيرة من المجلة المذكورة.
* كان الطيب صالح قد غادر السودان لاول مرة سنة ١٩٥٢ للعمل بإذاعة لندن بهيئة الاذاعة البريطانية، ومنذ ذلك العام وحتى تاريخ وفاته في سنة ٢٠٠٩ لم يسع للحصول على جنسية أخرى كما لم يسع إلى استخراج جواز سفر آخر بخلاف جواز السفر السوداني.

٧ ديسمبر ٢٠٢٥



#عبد_المنعم_عجب_الفَيا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيب صالح و-الخوف- من امريكا
- دارفور في نصوص أحمد الطيب زين العابدين الإبداعية
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (١٠)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٩)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٨)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٧)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٦)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (5)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٤)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٣)
- مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٢)
- مراجعات في قاموس العامية السودانية
- أمبرتو ايكو: التمييز بين التأويل واستعمال النص
- أمبرتو إيكو : آليات القراءة وحدود التاويل
- نظريات القراءه وجماليات التلقي
- معاداة السامية : تعني معاداة العرب وكل شعوب الشرق الأوسط!
- مكانة افلاطون وارسطو في تاريخ الفلسفة
- انجلز والدفاع عن فلسفة هيجل
- ذكريات د. إحسان عباس في السودان (١٩٥١ ...
- د. يوسف ادريس : حين داهمنا البوليس السياسي في بيت السودان وق ...


المزيد.....




- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو
- فنان من غزة يوثق معاناة النازحين بريشته داخل الخيام
- إلغاء حفلات مالك جندلي في ذكرى الثورة السورية: تساؤلات حول د ...
- أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها
- ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غ ...
- سليم النفّار.. الشاعر الذي رحل وما زال ينشد للوطن
- التحديات التي تواجه التعليم والثقافة في القدس تحت الاحتلال


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المنعم عجب الفَيا - الطيب صالح وجواز السفر السوداني