خورشيد الحسين
كاتب وباحث سياسي
(Khorshied Nahi Alhussien)
الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المشهد الإقليمي للقضية الفلسطينية والميكانيزم اللبناني
من الصراع التحرري إلى إدارة الهيمنة
المحور الأول: الإطار التاريخي والاستراتيجي
أولاً: من قضية تحرر وطني إلى ملف إدارة دولية
شكّلت القضية الفلسطينية، منذ نكبة عام 1948، جوهر الصراع العربي–الصهيوني، ليس فقط بوصفها قضية أرض مغتصبة وشعب مشرّد، بل باعتبارها التعبير الأوضح عن مواجهة تاريخية بين مشروع استعماري استيطاني مدعوم غربياً، وأمة تسعى للحفاظ على وجودها وهويتها وسيادتها. غير أنّ هذا الطابع التحرري للصراع لم يبقَ على حاله، بل تعرّض عبر العقود لعملية تفكيك ممنهجة، أفضت إلى تحويل القضية من مشروع تحرر إلى ملف سياسي–أمني قابل للإدارة.
ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، ومع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، ثم لاحقاً اتفاق أوسلو، دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة لم يكن عنوانها الحل، بل ضبط الصراع. جرى إخراج الصراع من سياقه العربي الشامل، وتحويله إلى نزاع فلسطيني–إسرائيلي محدود، يخضع لسقف المفاوضات، والقرارات الدولية، والوساطات الأميركية. في هذه المرحلة، لم تعد إسرائيل تُواجَه بوصفها كياناً استعمارياً، بل “دولة” لها “هواجس أمنية”، بينما جرى إعادة تعريف المقاومة كـ”عنف” أو “إرهاب” يهدد الاستقرار.
هذا التحول البنيوي لم يكن معزولاً عن التحولات الدولية بعد الحرب الباردة، حيث تفرّدت الولايات المتحدة بإدارة النظام العالمي، وفرضت نموذجها القائم على إدارة الأزمات بدل حلّها، واحتواء النزاعات بدل تفكيك أسبابها. ضمن هذا السياق، أُعيد إنتاج القضية الفلسطينية كملف دائم قابل للتدوير، لا كقضية تستوجب الحسم.
ثانياً: الولايات المتحدة كقوة مهيمنة – من الوساطة إلى التحكم
تتعامل الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية تحديداً، من موقع الهيمنة لا الشراكة، ومن منطق الأمن الإسرائيلي لا العدالة الدولية. فالخطاب الأميركي حول “السلام” و”حل الدولتين” لم يكن في أي مرحلة مشروعاً حقيقياً لإنهاء الاحتلال، بل إطاراً سياسياً لتأمين تفوق إسرائيل، ومنحها الوقت والغطاء اللازمين لتكريس وقائع جديدة على الأرض.
تعتمد واشنطن في ذلك على ثلاث أدوات رئيسية:
1. الأداة السياسية: عبر احتكار رعاية المفاوضات، وصياغة القرارات الدولية، وتحديد سقوف النقاش المقبولة.
2. الأداة الاقتصادية: من خلال المساعدات المشروطة، والعقوبات، والتحكم بالمؤسسات المالية الدولية.
3. الأداة الأمنية: عبر إعادة هندسة الجيوش العربية ووظائفها، بحيث تتحول من جيوش مواجهة إلى أجهزة ضبط داخلي وحدود.
في هذا الإطار، يصبح “الاستقرار” المفهوم المركزي في السياسة الأميركية، لكنه استقرار موجّه، يُقاس بمدى خدمته لأمن إسرائيل، لا بحقوق الشعوب.
ثالثاً: لبنان كنموذج لإدارة الصراع لا حله
يمثل لبنان نموذجاً متقدماً لكيفية انتقال الصراع من طابعه السياسي–التحرري إلى صيغة إدارية–تقنية. فما يُعرف بـ”الميكانيزم اللبناني” ليس مجرد آلية تنسيق أو لجنة تقنية لمراقبة وقف إطلاق النار، بل هو بنية تدخل غير مباشر تُستخدم لإعادة صياغة المعادلة السيادية اللبنانية.
يقوم هذا الميكانيزم على:
تحويل الصراع مع إسرائيل من مسألة احتلال وعدوان إلى ملف تفاوضي–تقني.
نقل مركز القرار من الداخل اللبناني إلى غرف تنسيق دولية.
ربط أي استقرار اقتصادي أو سياسي بشروط أمنية محددة، في مقدّمها مسألة سلاح المقاومة.
إشراك شخصيات مدنية ودبلوماسية في هذا الإطار ليس تفصيلاً شكلياً، بل يعكس توجهاً واضحاً لفصل الصراع عن بعده الشعبي والوطني، وتحويله إلى مسألة “إدارة دولة” وفق معايير الخارج. بذلك، تُمنح إسرائيل أمناً فعلياً على الحدود الشمالية دون أن تقدّم أي تنازل سياسي، بينما يُطلب من لبنان ضبط ذاته، وحدوده، ومقاومته.
رابعاً: غزة والضفة الغربية – إدارة السكان بدل إنهاء الاحتلال
لا يختلف المشهد في غزة والضفة الغربية كثيراً عن النموذج اللبناني، وإن اختلفت الأدوات. ففي غزة، تقوم المعادلة على:
تهدئات متقطعة تمنع الانفجار الكامل.
إدارة المعابر كأداة خنق وضبط.
تحويل الكارثة الإنسانية إلى وسيلة ابتزاز سياسي.
أما في الضفة الغربية، فقد جرى تثبيت نموذج “الحكم الذاتي المحدود”، حيث تُدار الحياة اليومية للفلسطينيين تحت سيطرة أمنية إسرائيلية شبه كاملة، وبواسطة سلطة محلية منزوعة السيادة، تُمارس دوراً أمنياً أكثر مما تمارس دوراً وطنياً.
في الحالتين، لا يكون الهدف إنهاء الاحتلال، بل إدارة السكان وتقليص كلفة الاحتلال على إسرائيل، ونزع البعد التحرري عن أي فعل مقاوم، عبر إدخاله في خانة الإخلال بالأمن أو تعطيل الاستقرار.
خامساً: الترابط البنيوي بين الساحات الثلاث
إن الربط بين لبنان وغزة والضفة الغربية ليس ربطاً جغرافياً فقط، بل ترابط في النموذج والوظيفة. ففي الساحات الثلاث، نرى:
آليات دولية بدل مواجهة سياسية.
وساطات بدل مساءلة الاحتلال.
ضبطاً للمقاومة بدل دعمها.
“استقراراً” يخدم إسرائيل لا الشعوب.
هذا الترابط يكشف أنّ ما يجري ليس سلسلة أزمات منفصلة، بل مشروع متكامل لإدارة الصراع العربي–الإسرائيلي، تحت قيادة أميركية، وبشراكة إقليمية متفاوتة، هدفه النهائي تفكيك القضية الفلسطينية كقضية تحرر، وإعادة إنتاجها كملف أمني طويل الأمد.
ختاما:
*يُظهر الإطار التاريخي والاستراتيجي أنّ القضية الفلسطينية خرجت تدريجياً من مسارها الطبيعي كقضية تحرر وطني، ودخلت في مسار مُصطنع لإدارة النزاع. الولايات المتحدة تقود هذا المسار بوصفها قوة مهيمنة، وإسرائيل تستفيد منه بوصفها مشروعاً توسعياً، بينما تُستخدم الساحات العربية، وفي مقدّمها لبنان وغزة والضفة، كمختبرات لتطبيق هذا النموذج*
.
*هذا الإطار يمهّد لفهم أعمق لأدوار الفاعلين الإقليميين، وهو ما سيعالجه المحور الثاني، حيث ينكشف “المسرح” بكل ممثليه، وأدوارهم، وشراكاتهم الخفية والعلنية*.
المحور الثاني: الفاعلون الإقليميون
من خطاب الدعم إلى الشراكة الوظيفية في إدارة الصراع
أولاً: الأنظمة العربية – من مركز الصراع إلى أدوات الضبط
لم يعد ممكناً تحليل الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية بوصفه موقفاً عاجزاً أو متردداً، بل يجب قراءته في سياق وظيفي واضح داخل المنظومة الأميركية–الإسرائيلية. فمعركة طوفان الأقصى لم تكشف فقط حدود الدعم العربي، بل كشفت طبيعة الدور الحقيقي الذي تؤديه معظم الأنظمة العربية: دور الضابط، والوسيط، والحاجز بين المقاومة والنصر.
هذه الأنظمة لا تتحرك خارج إرادتها، ولا تُساق قسراً، بل تعمل ضمن شبكة مصالح متبادلة:
بقاء النظام مقابل ضبط الساحة الفلسطينية ومنع تحوّل الصراع إلى مواجهة إقليمية تهدد أمن إسرائيل.
ثانياً: مصر – الوسيط الذي يحرس معادلة كامب ديفيد
تشكل مصر حجر الزاوية في منظومة إدارة الصراع، لا بحكم موقعها الجغرافي فقط، بل بحكم دورها التاريخي منذ كامب ديفيد. فمنذ خروجها الرسمي من معادلة المواجهة، تحوّل دورها من دولة مواجهة إلى دولة ضبط إقليمي.
في السياق الفلسطيني:
السيطرة المحكمة على معبر رفح
التنسيق الأمني الدائم مع إسرائيل
احتكار ملف الوساطة مع فصائل غزة
في طوفان الأقصى:
لم تكن الوساطة المصرية بريئة أو محايدة، بل:
هدفت إلى وقف النار قبل تحقيق أي مكسب سياسي للمقاومة
سعت إلى إعادة تثبيت معادلة “الهدوء مقابل الغذاء”
تعاملت مع الحصار كأداة ضغط، لا كجريمة يجب كسرها
الدور المصري هنا لا يمكن فصله عن:
الاعتماد الاقتصادي على الدعم الأميركي
الالتزام الصارم بالترتيبات الأمنية مع إسرائيل
الخوف من أي نموذج مقاومة ناجح قد يمتد أثره داخلياً
مصر لم تخن القضية بصوت عالٍ، لكنها حبستها داخل غرفة الوساطة.
ثالثاً: السعودية – إدارة الملف الفلسطيني من زاوية المصالح الكبرى
تتعامل السعودية مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً سياسياً ثانوياً ضمن أولوياتها الاستراتيجية الأوسع، وفي مقدّمها:
العلاقة مع الولايات المتحدة
الصراع مع إيران
التحول الاقتصادي الداخلي
تاريخياً:
دعم مالي مشروط
ضغط دائم باتجاه التسوية
غياب أي دعم فعلي للمقاومة
في طوفان الأقصى:
خطاب إعلامي محسوب لا يتجاوز السقف الأميركي
تحركات دبلوماسية هدفها “التهدئة” لا كسر العدوان
استمرار قنوات التنسيق غير المباشر مع واشنطن
السعودية لا تقف في خندق إسرائيل علناً، لكنها لا تسمح بانكسار المعادلة التي تحمي إسرائيل.
القضية الفلسطينية بالنسبة لها ورقة تفاوض، لا معركة وجود.
رابعاً: الإمارات والبحرين – التطبيع كدور لا كخيار
إذا كانت بعض الأنظمة العربية لا تزال تُخفي شراكتها خلف خطاب الوساطة، فإن الإمارات والبحرين خرجتا من هذا القناع، واعتمدتا التطبيع بوصفه عقيدة سياسية وأمنية.
قبل طوفان الأقصى:
شراكات أمنية واستخباراتية
تعاون اقتصادي واستثماري
دور إقليمي في ترويج “السلام الاقتصادي”
أثناء طوفان الأقصى:
صمت سياسي مدروس
غياب أي خطوة ضغط حقيقية
استمرار العلاقات مع إسرائيل دون مراجعة
هذه الأنظمة لم تخذل فلسطين فقط، بل أسهمت في إعادة تعريف الصراع:
من صراع تحرري إلى نزاع إداري يمكن احتواؤه بالمال والاستثمار.
خامساً: الأردن – القلق الوجودي دون قدرة على الكسر
يقف الأردن في موقع أكثر تعقيداً:
يخشى انفجار الضفة
يخشى مشروع التهجير
يدرك خطورة انهيار السلطة الفلسطينية
لكن هذا الإدراك لم يترجم إلى:
ضغط حقيقي على إسرائيل
كسر للتنسيق الأمني
تجاوز للسقف الأميركي
في طوفان الأقصى، اقتصر الدور الأردني على التحذير الدبلوماسي، في حين بقيت المنظومة الأمنية كما هي.
سادساً: إيران – دعم المقاومة بين الردع والأخطاء الاستراتيجية
لا يمكن إنكار أن إيران كانت الطرف الإقليمي الأكثر دعماً للمقاومة، عسكرياً ولوجستياً وسياسياً. وقد شكّل هذا الدعم أحد عناصر الصمود في غزة ولبنان.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الأخطاء الاستراتيجية الإيرانية:
ربط القضية الفلسطينية بمحور مذهبي
توسيع ساحات الصراع بما يخدم خطاب “الخطر الإيراني”
منح الولايات المتحدة وإسرائيل مبرراً دائماً للتدخل والعقوبات
في طوفان الأقصى:
دعمت إيران المقاومة
لكنها تجنبت المواجهة المباشرة
وحرصت على ضبط إيقاع التصعيد الإقليمي
إيران شريك مقاومة، لكنها ليست مشروع تحرير شامل، ودورها، رغم أهميته، محكوم بحسابات نفوذ لا بحسابات فلسطين وحدها.
سابعاً: تركيا – الخطاب العالي والسقف المنخفض
قدّمت تركيا نفسها طويلاً بوصفها نصيراً للقضية الفلسطينية، لكنها في الواقع:
حافظت على علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل
تجنبت أي قطيعة استراتيجية
اكتفت بخطاب سياسي مرتفع النبرة
في طوفان الأقصى:
تصريحات قوية
مساعدات إنسانية
دون أي كسر حقيقي للعلاقات أو تهديد للمصالح
الدور التركي هو دور استثماري في الخطاب، لا انخراط في كلفة المواجهة.
ثامناً: المشهد ككل – مسرح مكشوف بلا أقنعة
تكشف معركة طوفان الأقصى أنّ المشهد الإقليمي ليس مشهداً مرتبكاً، بل مسرح منسق الأدوار:
الولايات المتحدة: المخرج
إسرائيل: المستفيد الأول
الأنظمة العربية: ضابط الإيقاع
إيران وتركيا: لاعبان بسقوف محسوبة
المقاومة: الطرف الوحيد الذي يدفع الكلفة كاملة
لا أحد كان جاهلاً بما يجري، ولا أحد تفاجأ.
الاختلاف لم يكن في المعرفة، بل في الموقع من المعركة.
ختاما
*يبيّن هذا المحور أنّ معظم الفاعلين الإقليميين لم يقفوا مع إسرائيل بالضرورة حباً بها، بل حفاظاً على منظومة المصالح التي تحميهم*.
*القضية الفلسطينية لم تُخذل فقط، بل جرى تطويقها إقليمياً، وعزلها عن عمقها العربي، وتحويلها إلى عبء يجب احتواؤه لا انتصاره*.
*هذا التفكيك يقود مباشرة إلى المحور الثالث، حيث تتضح الصورة النهائية:*
*كيف تلتقي هذه الأدوار كلها في نموذج واحد لإدارة الصراع، ولماذا يصبح لبنان وغزة والضفة ساحات مختلفة لمعادلة واحدة*.
المحور الثالث: المشهد النهائي وآليات الهيمنة
كيف تُدار القضية الفلسطينية إقليمياً تحت سقف الأمن الإسرائيلي
أولاً: من تعدد الأدوار إلى وحدة النموذج
عند النظر إلى الأدوار الأميركية، الإسرائيلية، العربية، والإقليمية مجتمعة، يتضح أنّ ما يبدو ظاهرياً تبايناً في المواقف ليس سوى تنوع في الوظائف داخل نموذج واحد. فالقضية الفلسطينية لم تعد تُدار عبر صدامات مفتوحة أو حروب شاملة، بل من خلال منظومة إدارة نزاع متعددة المستويات، تتكامل فيها الأدوات السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والدبلوماسية.
هذا النموذج لا يهدف إلى حل الصراع، بل إلى:
إطالة أمده تحت السيطرة
تقليص كلفته على إسرائيل
تفكيك بيئته العربية الحاضنة
تحويل المقاومة إلى مشكلة أمنية محلية
هنا، تتلاقى جميع الأطراف – رغم اختلاف خطابها – عند نقطة واحدة: منع تحوّل فلسطين إلى قضية انفجار إقليمي.
ثانياً: آليات السيطرة – كيف يعمل النظام فعلياً؟
1. الميكانيزم اللبناني: الاحتلال غير المباشر
في الحالة اللبنانية، تم الانتقال من الاحتلال العسكري المباشر إلى احتلال وظيفي، يقوم على:
نقل الصراع من معادلة ردع إلى ملف تفاوضي دائم
حصر مفهوم السيادة بالقرار الدولي لا بالإرادة الوطنية
ربط الاستقرار الاقتصادي والأمني بنزع عناصر القوة الذاتية
بهذا المعنى، يصبح لبنان:
حراً شكلياً
محتلاً عملياً
ومراقَباً استراتيجياً
إسرائيل هنا لا تحتاج إلى الحرب، لأن الآلية تقوم بالمهمة عنها.
2. غزة: إدارة الحياة تحت النار
في غزة، تقوم آلية السيطرة على معادلة مركبة:
عدوان دوري لإعادة الردع
تهدئة لإعادة ضبط الإيقاع
حصار دائم لكسر الإرادة
النتيجة:
مجتمع يُستنزف
مقاومة تُحاصَر
وملف إنساني يُستثمر سياسياً
الاحتلال لم يعد بحاجة إلى وجود عسكري دائم، لأن السيطرة أصبحت تقنية–اقتصادية–سياسية.
3. الضفة الغربية: الحكم الذاتي كأداة ضبط
أما في الضفة الغربية، فقد جرى تثبيت نموذج:
سلطة بلا سيادة
أمن منسّق
واقتصاد تابع
الاحتلال هنا يدير الفلسطينيين عبر فلسطينيين، ويحوّل أي فعل مقاوم إلى تهديد لـ”النظام العام”، لا إلى مواجهة مع احتلال.
ثالثاً: الشرعية الدولية – الغطاء القانوني للهيمنة
لا تعمل هذه المنظومة بلا غطاء، بل تستند إلى:
قرارات دولية مجتزأة
خطاب إنساني انتقائي
قوانين تُفعَّل ضد الضعفاء فقط
الشرعية الدولية لم تعد أداة عدالة، بل أداة تنظيم للصراع بما يخدم الأقوى.
إسرائيل تنتهك، لكن لا تُحاسَب.
المقاومة تدافع، لكنها تُدان.
رابعاً: الخداع الاستراتيجي – لغة السلام كأداة حرب
أخطر ما في هذا النموذج ليس القمع المباشر، بل الخداع المفاهيمي:
التهدئة تُقدَّم كبديل عن التحرير
الوساطة تُقدَّم كبديل عن الموقف
الاستقرار يُقدَّم كقيمة عليا ولو على حساب العدالة
بهذا، تُطلب من الشعوب تضحيات بلا أفق، ويُطلب من المقاومة:
أن تقاتل دون أن تنتصر
وأن تصمد دون أن تُغيّر المعادلة
خامساً: لبنان وغزة والضفة – ثلاث ساحات لمعركة واحدة
رغم اختلاف الجغرافيا، فإن الساحات الثلاث تخضع لمنطق واحد:
الساحة الأداة الهدف
لبنان ميكانيزم دولي تحييد المقاومة
غزة حصار وتهدئة كسر الإرادة
الضفة سلطة منزوعة ضبط السكان
هذه ليست حلولاً، بل آليات احتواء.
سادساً: مأزق المقاومة – بين الصمود والعزلة
تواجه المقاومة اليوم تهديداً مزدوجاً:
عدوان عسكري مباشر
حصار سياسي وإقليمي
هي ليست معزولة بسبب ضعفها، بل لأن:
الأنظمة العربية أغلقت العمق
القوى الإقليمية قيّدت السقف
المجتمع الدولي شرعن القمع
ومع ذلك، فإن استمرار المقاومة هو الخلل الوحيد في هذا النظام، والعنصر الذي لم تنجح منظومة الهيمنة في تدجينه.
سابعاً: المشهد النهائي – صورة بلا أوهام
ما نشهده ليس فشلاً عربياً عرضياً، بل:
نجاح أميركي في إدارة المنطقة
تفوق إسرائيلي في استثمار هذا النجاح
قبول عربي بدور الوكيل
ودعم إقليمي مشروط بحسابات خاصة
القضية الفلسطينية اليوم ليست بلا أنصار، لكنها بلا حلفاء حقيقيين.
تُدار فلسطين اليوم كملف أمني، لا كقضية تحرر.
تُضبط ساحاتها، لا تُحرَّر.
ويُطلب من شعبها الصمود، بينما تُسحب من تحت أقدامه شروط النصر.
> ما دام القرار العربي مرتهناً،
والوسيط شريكاً،
والاستقرار بديلاً عن العدالة،
فإن فلسطين ستبقى جرحاً مفتوحاً…
لا لأن المقاومة فشلت،
بل لأن النظام الإقليمي قرر أن لا ينتصر أحد.
ختاما
*إن كسر هذه المنظومة لا يبدأ من السلاح وحده، بل من:*
*استعادة القرار الوطني*
*فضح الوظائف الإقليمية*
*إعادة تعريف الصراع كصراع تحرري لا أمني*
*فبدون ذلك*، *ستبقى كل تهدئة هزيمة مؤجلة*،
*وكل وساطة… قيداً جديداً.*
#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)
Khorshied_Nahi_Alhussien#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟